ليس مستغرباً أو مفاجئاً ألا يكون مصرف لبنان قادراً على الاستمرار في دعم استيراد مادة المحروقات في ظل التناقص الكبير في احتياطياته من العملات الأجنبية والتي انخفضت كثيراً عن الـ11 مليار دولار، أي عن الاحتياطي الالزامي المقدّر بـ14 مليار دولار.
صحيح أن الشركات المستورِدة للنفط وأصحاب المحطات لم يتبلغوا رسمياً بعد أي قرار من المصرف المركزي في هذا الشأن، إلا أن المنحى الذي يتجه إليه مصير الدعم ترسمه بوضوح ميزانية مصرف لبنان نصف الشهرية والتي تظهر استمرار تراجع الدولارات المتبقية لديه، وما يتحمله من خسائر غير ظاهرة في بند “الموجودات الأخرى”.
وأظهرت أرقام ميزانيّة مصرف لبنان، التي تم نشرها، أمس، تراجع احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبيّة بـمليارين و318 مليون دولار منذ بداية العام الحالي وحتى 15 حزيران، لتقتصر على 10.4 مليارات دولار منتصف هذا الشهر.
وقد أظهرت الميزانية تراجع الموجودات بالعملات الأجنبية في 15 يوماً بواقع 508.8 ملايين دولار، وهو من أكبر أرقام التراجع بعد اعلان مصرف لبنان التدخل في منصة “صيرفة”.
ويواصل ميزان المدفوعات تسجيل عجوزات تراكمية بلغت في آخر نيسان ما قيمته 1.7 مليار دولار مقارنًة بنحو 1.39 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.
وتقول مصادر مالية متابعة إن مصرف لبنان سيكون عاجزاً عن تأمين الدولارات لاستيراد مادة البنزين، والتي تقدر بحوالي 200 مليون دولار شهرياً، توازياً مع تأمين التمويل اللازم لشراء الفيول من قبله على سعر منصة “صيرفة”، أي بما يعادل 130 مليون دولار شهرياً وذلك في إطار الخطة الطارئة التي قدمها وزير الطاقة وليد فياض بعنوان “مقترح خطة طوارئ وطنية لقطاع الكهرباء”.
وعليه بالتالي أن “يضحي” بدعم البنزين من أجل “استباق العتمة الشاملة” كما جاء في خطة فياض.
معلوم أن مصرف لبنان يدعم حالياً بما نسبته 85 في المئة شراء المحروقات عبر منصة “صيرفة”، على أن تؤمن الشركات النسبة المتبقية، أي 15 في المئة، من السوق الموازية.
واليوم، مع اقتراب سعر صفيحة البنزين من الـ700 الف ليرة والمرجح استمرار ارتفاعها ربطاً بما يحصل في اسعار النفط عالمياً، فإن رفع الدعم المتوقع بقوة يعني أن الصفيحة ستتخطى الـ800 ألف أو أكثر في حال شهد سعر صرف الدولار مقابل الليرة مزيداً من الارتفاع.
ولا يقف الضرر هنا.
فهذا الأمر يعني أن فاتورة النقل سترتفع بشكل كبير، وستنعكس على أسعار كل الخدمات، وهو ما سيترجم بالطبع تفاقما في معدلات التضخم شديدة الارتفاع أصلاً والتي بلغت وفق أرقام ادارة الاحصاء المركزي 206.4 في المئة على أساس سنوي في نيسان.
وهذا ليس حكراً على لبنان فقط.
انما تعاني كل دول العالم من تضخم مرتفع جداً بسبب ارتفاع أسعار النفط والسلع مما دفع المصارف المركزية الى تشديد سياساتها النقدية على أمل كبح تحليق التضخم، في وقت خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لهذا العام إلى 3.6 في المئة.
كما أن توقف دعم شراء البنزين عبر “صيرفة” يعني أن الشركات المستورِدة لهذه المادة ستلجأ حكماً الى السوق الموازية لتأمين 200 مليون دولار التي كانت تحصل عليها من المنصة.
وهذا سيفرض ضغطاً على السوق الموازية مع ارتفاع الطلب على العملة الخضراء، وهو ما سيؤي الى رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التي ستسجّل المزيد من التدهورات.
كذلك، فان الطلب على الليرة سيرتفع بشكل كبير لتأمين المبالغ الضرورية لشراء الدولار من السوق الموازية، وهو أمر سيصعب توفيره بسبب السقف الذي تفرضه المصارف على سحب الليرة، مما يهدد بحصول شحّ في مادة البنزين.
مع الاشارة هنا إلى ان منصة “صيرفة” تؤمن ما قيمته 200 مليون دولار شهرياً لشراء مادة المازوت.
على أي حال، فان المفاضلة بالنسبة لمصرف لبنان بين توفير البنزين وتأمين الطاقة الكهربائية ليست صعبة ولا سيما أن المبلغ الذي عليه تأمينه إما لشراء البنزين أو لتمويل مؤسسة كهرباء لبنان هو تقريباً عينه.