على وقع تكليف هزيل للرئيس نجيب ميقاتي، يبدأ اليوم استشاراته النيابية غير الملزمة على مدى يومين في ساحة النجمة إعلاناً عن بدء مهمته شبه المستحيلة.
فمرحلة التأليف التي تنطلق وسط عقبات كثيرة، لا يُظهر أكثر المتفائلين أية حظوظ بنجاحها، لا سيما وأن عمر الحكومة المزمع تشكيلها لا يتعدى الأشهر الأربعة وهي فترة غير كافية لتحقيق أي إنجاز يُذكر بانتظار إجراء الاستحقاق الرئاسي لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً.
معيشياً، تُبقي الأزمات على وتيرتها الخانقة، إذ لا تزال أزمة الخبز تتصدر العناوين للأسبوع الثاني على التوالي، بحيث شهد العديد من المناطق طوابير طويلة من أجل الحصول على ربطة خبز خصوصاً في طرابلس والمناطق الشمالية التي اكتظت أفرانها بمئات المواطنين.
أما عن أزمة انقطاع المياه في العاصمة وبعض المناطق اللبنانية، فأعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنها ستتسلم مساء اليوم بالتعاون مع منظمة “اليونيسف”، “جوانات وصل” مصنّعة محلياً لتركيبها بهدف إصلاح خط الـ1200 الذي يغذي أحياء عديدة في العاصمة بيروت وساحلي المتن الشمالي والجنوبي، على أن تعود المياه إلى مجاريها في هذه المناطق إبتداءً من مساء الثلاثاء المقبل. هذا فضلاً عما ينتظر اللبنانيين نهاية الشهر المنصرم من ارتفاع هائل لفاتورتي الاتصالات والانترنت ستتخطى قيمتهما قدرة معظم اللبنانيين على دفعهما مع تأكيد وزير الاتصالات تراجع قيمة استهلاك “ألفا” و”تاتش” بنسبة 28 في المئة.
مصرفياً، لم يعد خافياً على أحد الحالة الهشة التي وصلت إليها جمعية المصارف في لبنان بسبب تضعضع صفوفها وعدم ثباتها على موقف موحد تجاه الأزمة المالية والمصرفية.
وأول الغيث كان إعلان “بنك الموارد” تعليق عضويته في الجمعية بسبب القرارات التي تضر بالقطاع المصرفي والمودعين على حد سواء، داعياً بقية المصارف إلى أن تحذو حذوه لتوصيل رسالة إلى قيادة الجمعية.
بالتوازي، تبدأ نقابة موظفي مصرف لبنان اليوم ما أسمته الاضراب التحذيري، عازية السبب لذلك إلى معاملة القاضية غادة عون المذلّة للمديرين والموظفين ونواب الحاكم وتجاوزها القانون والصلاحية، مع مناشدة مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وضع حدّ لتصرفات القاضية لا سيما وأن هناك طلبات ردّ لا تقبلها، إضافة إلى وجود دعوى مخاصمة مقدمة ضدّها ترفض استلامها.
وهنا يُتخوف من أن يتحوّل الإضراب التحذيري إلى إضراب مفتوح الأمر الذي سينعكس سلباً على سير العمل المصرفي خصوصاً لناحية الحصول على الرواتب والتحويلات المصرفية، فضلاً عن توقف معاملات الاستيراد والتصدير وكل ما يتعلق بعمل منصة “صيرفة” وغيرها من العمليات المصرفية والمالية.
دولارياً، يحافظ سعر صرف العملة الصعبة على استقراره ما دون عتبة الـ 30 ألف ليرة في السوق الموازية مسجلاً يوم أمس بين 29،750 ألف ليرة و29،800 ألف ليرة للدولار الواحد، في حين بلغ حجم التداول على منصة “صيرفة” في ختام تداولات الأسبوع الماضي نحو 36 مليون دولار أي بمعدل 25200 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
استقرار الدولار لا يزال يخضع لعوامل كثيرة على الرغم من عدم ثباتها واستدامتها، بانتظار استحقاقات سياسية ومصرفية قادمة سيتبلور تأثيرها حكماً على مسار الدولار، مع الإشارة إلى أن لبنان ينتظر حوالي مليون سائح خلال هذا الصيف قد تكون لعائداته المقدرة بـ 4 مليارات دولار دوراً في استمرار استقرار سعر الصرف الى حين بداية شهر أيلول.
سياسياً، يدخل لبنان بعد حوالي الشهرين رسمياً في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في ظل غموض يكتنف عملية التأليف وأجواء سياسية ملبدة.
وعليه، تتجه الأنظار إلى تاريخ 31 تشرين الأوّل المقبل لمعرفة ما ستؤول إليه نتيجة الاستحقاق الرئاسي، بحيث ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة لجهة تحديد المسار الذي يتجه إليه لبنان لناحية الاتفاق على شخصية مارونية تحظى برضى داخلي ودولي أو الاتجاه إلى فراغ رئاسي ثان أسوة بما حصل في العام 2016.
إذاً، لا تزال كرة النار الحارقة تتنقل من ملعب إلى آخر من دون وجود من يتلقفها أو يخمد نيرانها، وعلى الرغم من كثرة الدعوات إلى استعجال التأليف بعد التكليف من أجل استكمال رحلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والحد من الانهيار المعيشي، إلا أن هذه الدعوات وإن تحققت ستصطدم بواقع سياسي لا تزال تفرضه الأكثرية المهيمنة على القرار السياسي التي ترى في تشرذم المعارضة والتغييريين فرصة لاستمرار الهيمنة والتحكم بفرص نجاح التأليف خصوصاً بعد فشل الخط المعادي لـ “حزب الله” وحلفائه في التوحد على تسمية رئيس للحكومة، قد ينعكس فشلاً مدوياً بعد أربعة أشهر من الآن في حال وقوعهم في فخ اللااتفاق من جديد. أما عن التوقيع مع صندوق النقد، فيبدو واضحاً أنه لا يزال حلماً بعيد المنال عن الرئيس ميقاتي سواء نجح أم فشل في تشكيل حكومته، لتتأجل بذلك هذه الخطوة إلى حكومة ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتتأجل معها كل الإصلاحات الهيكلية والمالية التي طال انتظارها.