معضلة الكهرباء في لبنان تشكّل مادة لإشعال السجالات السياسية بوتيرة سريعة. فعناوينها شعبوية وحلولها متشعّبة تجعل من اختتام الملف بطريقة صحيحة، أمراً مستحيلاً. وأسرع ما يمكن فعله للحدّ من الانحدار في هذا القطاع، هو تأمين الفيول الذي يتطلّب دولارات نقدية. ولتعويض شح الفيول، طرح الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله مبادرة تقديم فيول إيراني مجاني لانتاج الكهرباء. لكن التنفيذ، يستوجب موافقة الحكومة، وهو ما تنتظره إيران، وفق نصرالله. على أن الوقائع المتلاحقة بعد ذلك الإعلان، تقلّل من أهميته. فالحماسة الإيرانية لا ترقى إلى مستوى الحماسة اللبنانية.
تباين في التصريحات
وَضَعَ أمين عام “الهيئة العليا للإغاثة” اللواء محمد خير، مسار الحديث عن هبة الفيول الإيرانية في إطاره الصحيح، معلناً أن الهيئة “هي الإدارة الوحيدة في الدولة اللبنانية التي تتسلم الهبات والمساعدات وتوزع على كافة الإدارات الرسمية”. وبالتالي، أخرَجَ القضية من السجال السياسي بين مؤيّد ورافض للهبة. على أن كلامه يضع أصحاب الهبة أمام ضرورة حسم الجدل والتوجّه نحو الدولة اللبنانية بكلام رسمي.
والكلام الرسمي الواضح حتى اللحظة، هو الصادر عن مساعد وزير الخارجية الإيراني والمدير العام لدائرة غرب آسيا وشمال إفريقيا، محمد صادق فضلي، الذي أعلن في تغريدة له على تويتر، أن”أميركا من خلال دعمها للكيان الصهيوني العنصري والتدخل في دول المنطقة، تسببت في تدهور الأوضاع فيها، بما في ذلك لبنان”. وأكّد فضلي “وقوف إيران إلى جانب شعب لبنان الأبي والمقاوم بوجه التنمر”. والتغريدة التي نشرها حساب “وكالة إرنا العربية” ونقلته وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “ارنا”، لم تذكر استعداد إيران لتقديم هبة الفيول للبنان. لكن موقع “العهد” الإخباري التابع لـ”حزب الله”، نقل عن فضلي أن “طهران مستعدة لإستضافة الأخوة اللبنانيين للتباحث بشأن المحروقات التي يحتاجها بلدهم الشقيق”.
وبعيداً من التباين حول ما نقل عن فضلي، إلاّ أن الوعود الإيرانية غير مستجدة، لكنها لم ترقَ إلى مستوى البحث الرسمي. ففي شهر آذار الماضي، ذكر وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، أنه التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في شهر شباط، على هامش أعمال منتدى ميونيخ الأمني، وأكّد له أن بلاده “ما زالت مستعدة للمضي قدماً لتحقيق المشروع الحيوي والعمراني في لبنان الشقيق، وذلك من خلال استحداث معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية في الأراضي اللبنانية يعمل كل منها بقوة ألف ميغاوات”.
الاتفاقية مع العراق
لا تقلّل مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، من شأن قدرة إيران على تقديم المساعدة للبنان، لكنها في حديث لـ”المدن”، قللت من شأن “استعدادها لتنفيذ الوعود”. فإيران “بالرغم من معاناتها الداخلية على مستوى الكهرباء، فهي قادرة على تخطّي الشأن الداخلي وتقديم المساعدة للبنان، على غرار ما قدّمته للعراق. لكن إلى الآن، لا قرار رسمياً بالمساعدة. ويُستَدَلُّ على ذلك من خلال غياب الحديث عن المساعدة على لسان كبار المسؤولين السياسيين، في ما خلا التغريدات التي لا يُبنى عليها كثيراً في العمل الدبلوماسي”.
وذكّرت المصادر بأن “إيران تواجه تحديات داخلية على صعيد النقص في إمدادات الكهرباء للكثير من المناطق. وهي تواجه منذ شهر حزيران الماضي موجة نقص كبيرة تؤثر سلباً على إمدادات الكهرباء خلال فصل الصيف”.
ورأت المصادر أن “الثابت الوحيد أمام لبنان هو الاتفاقية مع العراق، التي من المرجّح أن تُجَدَّد بعد انتهاء مفاعيلها في أيلول المقبل. أما الهبة الإيرانية المزعومة فهي حبر على ورق”. وترحّب المصادر بـ”أي عروض جدية من أي دولة كانت، لأن ما يمر به لبنان لا يترك لنا المجال للمفاضلة والتكبّر على أي مساعدة مهما كانت ضئيلة”.
وعن مستقبل قطاع الكهرباء في ظل استمرار الأزمة في لبنان، تقول المصادر أن “الكهرباء ستبقى على حالها. واللبنانيون يكبّرون قصة الإنقاذ الآتي، سواء من إيران أو غيرها، لأن الحلول الآتية عبر الأطر الرسمية الصحيحة، هي على شاكلة الاتفاق مع العراق، وبما أن لبنان لا مال لديه لتوسيع مروحة الاتفاقات، فلا حلول للأزمة”.