بعد أشهر طويلة من الأخذ والرّد والمناقشات والسجالات، حسمت الحكومة اللبنانية موقفها ورفعت الدولار الجمركي إلى 20 ألف ليرة في قرار لن تكون تداعياته سهلة على الاقتصاد والمواطن اللبناني.
وككل القرارات الحكومية التي تتخذ، انضم قرار حكومة نجيب ميقاتي إلى قافلة القرارات العشوائية في الشكل والتوقيت والمضمون، فهي ليست المرة الأولى التي تُصدر فيها أحكاماً موجعة بحق اللبنانيين تُحملهم عبء عجز الخزينة العامة غير آبهة لمعدلات التضخم الكارثية، ولسعر صرف الدولار الذي يتأثر سلباً بكل ما يجعله عرضة للارتفاع، وللفجوة الكبيرة التي أصابت فئات المجتمع اللبناني، في ظل تكريس واضح لسياسة الاحتكار والهيمنة على السوق من التجار الذين باتت لعبتهم المفضلة التلاعب بجيوب اللبنانيين مستغلين غياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة.
رسوم شمولية وخطوة ناقصة
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، اعتبر الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن رفع الدولار الجمركي لن يؤثر إلاّ على المستهلك اللبناني وعلى أسعار المواد الاستهلاكية، خصوصاً وأن لبنان ليس لديه اكتفاء ذاتي، وهذا يعني أن اقتصاده هو اقتصاد استهلاكي بامتياز بحيث يستورد 90 في المئة مما يستهلكه اللبنانيون.
وبالتالي، فإن الحديث عن أن الدولار الجمركي لن يطال السلع الأساسية ليس دقيقاً في وقت أصبحت فيه الكماليات من الأساسيات التي تُستخدم يومياً.
وبحسب أبو سليمان، سيتراوح ارتفاع الأسعار بين الـ 5 والـ 30 في المئة وفقاً لنوع السلعة، وهذا ما سينعكس سلباً على المواطن وعلى قدرته على الاستهلاك، مشيراً إلى أن هذا القرار سيُنشّط بصورة مباشرة التهريب والاقتصاد الأسود.
ولفت إلى أن قرار الحكومة الإقدام على هذه الخطوة من أجل زيادة الإيرادات، لا يُمكن اتخاذه في ظل وجود اقتصاد يعاني من ركود لا سيما وأن هذه الرسوم شمولية ولن تُحفّز الاقتصاد الوطني لا بل على العكس ستعمل على أسره، معتبراً أن زيادة الإيرادات تحتاج إلى توافر نمو اقتصادي بالدرجة الأولى وهو أمر غير متوافر اليوم، وعليه يمكن وصف ما أقدمت عليه الحكومة بـ”الخطوة الناقصة” التي لن توصلها إلى هدفها.
انكماش اقتصادي وعمليات تهريب
اما الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، فأشار إلى أن الحكومة تعاني اليوم من حالة عجز نتيجة ارتفاع النفقات وتراجع الإيرادات، الأمر الذي يدفعها دائماً إلى البحث عن مصادر مالية جديدة، فكان قرار رفع الدولار الجمركي من أجل زيادة هذه الإيرادات، معتبراً أن هذا القرار قد لا يحقق الغاية المرجوة منه لأنه سيؤدي إلى تراجع حركة الاستهلاك والاستيراد وتباطؤها وسيسبب انكماشاً اقتصادياً وسيزيد من عمليات التهريب.
عندها، تكون الحكومة قد رفعت الرسوم الجمركية وزادت من الأعباء التي ستنتج عنها لكنها لم تحقق ما تُريده من إيرادات كافية.
ورأى أن من الضروري البحث عن مصادر أخرى لتدفق الإيرادات من جديد إلى خزينة الدولة كالأملاك البحرية التي لن يتأثر بها المواطن اللبناني فضلاً عن ضرائب الدخل واستثمار أملاك الدولة، موضحاً أن رفع الدولار الجمركي كان يجب أن يكون آخر الحلول.
ووفقاً لشمس الدين، “صحيح أن قيمة الدولار الجمركي هي 20 وليس 26 ألفاً أو قيمة سعر الصرف في السوق السوداء، إلا أن مجرّد رفعه إلى هذه القيمة (على الرغم من استثناء بعض السلع)، سيتسبب حتماً برفع الأسعار كافة خصوصاً وأن السلع جميعها مرتبطة ببعضها البعض.
على سبيل المثال، فإن رفع الدولار الجمركي على دواليب السيارات والشاحنات التي تنقل سلعة ما، سيؤدي بصورة مباشرة إلى رفع قيمة هذه السلع بسبب ارتفاع تكلفة النقل.
كما أن رفع الدولار الجمركي، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين لأنه يخضع لرسم جمركي، وبالتالي فإن الأسعار والأكلاف كافة مهددة بالارتفاع”.
وأكد أنه ليس بالضرورة أن تحقق هذه الخطوة الإيرادات للدولة، مع الإشارة إلى أن الرسوم الجمركية كانت تُقدّر بـ 471 مليار ليرة في موازنة العام 2021، والحكومة كانت تعتزم رفعها في الـ 2022 إلى 3،382 مليارات ليرة، مشككاً بقدرة الدولة على تحصيلها.