اقرار “الكابيتل كونترول” خطوة أساسية في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي

22 أغسطس 2022
اقرار “الكابيتل كونترول” خطوة أساسية في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي


أكد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ان ” اقرار قانون (الكابيتل كونترول) يعتبر خطوة أساسية وضرورية للمضي نحو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والاسراع في تطبيق هذا القانون بالتزامن مع رزمة من الاصلاحات سيؤدي تلقائيا الى وضع لبنان على سكة التعافي الاقتصادي المطلوبة”.وكان قد صدر عن الشامي، البيان التالي:قبل الدخول في تفاصيل مشروع قانون الكابيتول كونترول ومدى الحاجة إليه، من المفيد أن نحدد الأهداف الأساسية والصفات العامة التي تتسم بها القوانين التي ترمي إلى وضع قيود استثنائية على حركة رؤوس الأموال. بشكل موجز فإن هذه الأهداف تتمثل بالحفاظ على الاحتياطيات بالعملات الأجنبية و / أو سيولة القطاع المصرفي، ومنع المزيد من انخفاض سعر الصرف، والمساعدة في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات.  ولتحقيق هذه الأهداف، من المفضل أن يأتي القانون شاملاً ومتشدداً في البداية لبناء الثقة ممل يسهل من تخفيف تلك القيود في المدى القصير، وهذا أفضل بكثير من اللجوء إلى وضع قيود وضوابط بشكل غير منظم وعندما تدعو الحاجة.
 
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري ألا يُكبل القانون بأرقام محددة بالنسبة للتحاويل والسحوبات وذلك لأن الظروف الاقتصادية والمصرفية قد تتغير بسرعة مما يستدعي تعديل القانون بشكل مستمر، وهذا أمر غير مستحب ولا يتم عادة بالسرعة المطلوبة. لذا يجب أن يتضمن القانون جميع القيود الرئيسية ويسمح فقط للجهات المختصة والتي هي على دراية وثيقة بهذه المواضيع بوضع القيود وتخفيفها. وفي الوقت ذاته، فإنه من المهم مراعاة تكاليف القيود الموضوعة وفوائدها مسبقًا، والتأكد من أنّ وجودها لن يكون أكثر عبئًا على الاقتصاد من عدم وجودها.
 
بالعودة إلى لبنان ومشروع قانون ضوابط على التحاويل المصرفية، فإن هناك شبه إجماع بين مختلف الأفرقاء اللبنانيين على أنه كان ينبغي اعتماد قانون الكابيتول كونترول بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة في تشرين الأول / أكتوبر 2019. لقد مر ما يقارب الثلاث سنوات ولم يقر بعد هكذا قانون. وهنا يطرح الكثيرون السؤال التالي: هل ما زلنا بحاجة لهذا القانون؟ الجواب نعم ولعدة أسباب.
 
أولاً، في حين أن هناك الآن قيوداً غير رسمية و بحكم الأمر الواقعde facto) ) على التحاويل و السحوبات، فإن هذه القيود تأتي في معظمها بشكل استنسابي وهي غير منظمة من خلال أحكام قانونية. يمكن للبنوك اعتماد معاملة مختلفة بين المودع والآخر، وهناك انطباع بأنّه فيما استطاع العديد من الأشخاص والمؤسسات المؤثرة تحويل أموالهم إلى الخارج بطريقة ما بعد تشرين 2019، مما زاد من حدة الأزمة، تعذّر ذلك على آخرين. إن وجود قانون ساري المفعول يحكم التحاويل والسحوبات والعلاقة بين المصرف والمودع سيجعل العملية أكثر انتظاماً وشفافية.
 
ثانيًا، هناك حاجة إلى قانون الكابيتول كونترول من أجل حماية ما تبقى من الاحتياطيات بالعملة الأجنبية ولتحسين وضع ميزان المدفوعات الذي عانى وما يزال يعاني، و لو بوتيرة أخف، من عجوزات كبيرة. إن وجود قيود على التحاويل سيخفض الاستيراد وبالتالي سيقلّ الضغط على سعر الصرف وخاصة إذا ترافق ذلك مع سياسات مُكملة ومن ضمنها سياسات مالية ونقدية مناسبة و سعر صرف موحد و متحرك يعكس حالة السوق. يجب علينا أن ندرك أن البلد لم يعد بإمكانه أن يتحمل نفقات الاستيراد الكبيرة التي تميز بها لبنان على مدى العقود المنصرمة. نعم نحن في عصر مختلف ويجب الاعتراف بذلك. وفي هذا الإطار هناك دور محوري لهذه القيود في ظل الأزمة الراهنة، إذ إن تقييد عمليات الاستيراد، إلا ضمن استثناءات ضيقة نسبياً، ستكبح الطلب على الاستيراد. تشمل هذه الاستثناءات، على سبيل المثال لا الحصر، استيراد المواد الغذائية والأدوية والنفط والمواد الضرورية لعمليات التصدير. وكذلك هناك بعض الاستثناءات على عمليات القطع الأجنبي كمصاريف الاستشفاء والدراسة في الخارج.
 
ثالثًا، يأخذ البعض على مشروع قانون الكابيتول كونترول المقدم من الحكومة أنه يعطي الكثير من الصلاحيات للجنة التي ستقرر مقدار ما يمكن نقله أو سحبه من القطاع المصرفي. إن الحاجة إلى مثل هذه اللجنة تبررها حقيقة أن القانون نفسه يجب أن يتجنب وجود أرقام محددة بشأن المبلغ الذي سيتم سحبه أو تحويله كما هو مذكور أعلاه. هذه عملية ديناميكية تتطور بصورة دائمة وستستمر المبالغ في التغيير مع التغيرات في الظروف الاقتصادية والمالية الأساسية وبالتالي ليست هناك حاجة للعودة وتغيير القانون بشكل متكرر. أما بخصوص تشكيل اللجنة، فهذا موضوع قابل للنقاش طالما أنها تتكون من أشخاص يمكنهم متابعة الوضع على الأرض واتخاذ القرارات المناسبة.
 
رابعًا، نظرًا للصعوبات الحالية في القطاع المصرفي والمخاوف المتعلقة بالسيولة، فإنه من المفيد وضع ضوابط على الودائع من خلال اعتماد قيود موحدة ومتناسقة على السحوبات. ولكن حتى لا نقيد الحركة الاقتصادية بشكل كبير، فإنه من الضروري عدم وضع أي قيود على التحاويل أو السحوبات من الأموال الجديدة المتأتية من تدفقات العملات الأجنبية والتي أتت بعد اندلاع الازمة او من الأموال الموجودة خارج القطاع المصرفي.
 
خامسًا، يشترط القانون على المصدرين إعادة النقد الأجنبي الممول من النظام المصرفي إلى لبنان repatriation requirements)) بالإضافة إلى خمسة بالمائة لتحسين وضع العملات الاجنبية في القطاع المصرفي ولكن دون تحميل المصدرين أعباء إضافية لأن بإمكانهم أن يحتفظوا بباقي عائدات صادراتهم. في كثير من البلدان التي اعتمدت قيوداً على التحاويل المصرفية، كان هناك أيضا بند يتعلق بإجبار المصدرين على بيع عائدات صادراتهم مقابل العملة المحلية (surrender requirements) دعمًا للسيولة في سوق العملات الأجنبية، ولكن آثرنا ألا نعتمد هذا المبدأ في لبنان لما لذلك من آثار سلبية على النشاط الاقتصادي بالإضافة إلى أن هذا قد يعطي حافزًا لإصدار فواتير أقل من قيمتها الفعلية للتهرب من استبدال العملات الأجنبية بالعملة المحلية والتي تُعتبر بمثابة ضريبة على الصادرات.
 
سادسا، يقترح مشروع القانون أن يسري مفعوله على جميع الدعاوى والإجراءات القضائية في الداخل والخارج والتي لم يصدر فيها بعد حكم مبرم. لقد أثارت هذه المادة في القانون جدلا كبيرا وفُسرت كأنها تهدف إلى حماية المصارف ضد المودعين وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة. في الواقع، تهدف هذه أيضا الى حماية صغار المودعين وعدم إغراق البنوك بسيل من الدعاوى القضائية التي قدمت والتي قد تقدم في الخارج من قبل مودعين ومتمولين كبار والذين بمقدورهم أن يدفعوا سخيا بدل أتعاب المحامين وهذا سيؤدي إلى ضرر لصغار ومتوسطي المودعين. على كل حال، إذا كان هناك من اقتراحات أخرى تخدم الأهداف الأساسية التي من أجلها وضعت هذه المادة في إقتراح القانون، فمن الطبيعي أن تدرس وتناقش حتى نتوصل الى صيغة نهائية ترضي أصحاب العلاقة.
 
إن مشروع القانون المقدم من الحكومة يتماشى مع المعايير الدولية ويشمل الأسس التي اعتمدت في الكثير من البلدان التي فرضت قيوداً على التحاويل المصرفية. والنقاش الدائر حول هذا المشروع هو نقاش مفيد وذلك للأخذ بعين الاعتبار ملاحظات مختلف القطاعات والنقابات والاختصاصيين في هذا المجال.  بالطبع يجب على مشروع القانون هذا أن ينسجم مع القوانين الأخرى المرعية الإجراء وأن يراعي خصوصيات البلد ولكن دون التعرض للأهداف الأساسية التي من أجلها اقترح هذا القانون. إن إقرار هذا القانون يحصن ويكمل السياسات المالية والنقدية التي يجب اعتمادها للخروج من الأزمة الحالية. 
 
في الأخير نتمنى أن يقر القانون في أقرب وقت ممكن وخاصة انه من الإجراءات المطلوبة للوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وكلما أسرعنا في تطبيق هذا القانون، كلما أسرعنا في رفع القيود والضوابط الاستثنائية وخاصة إذا ترافق ذلك مع حزمة الإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تضع لبنان على سكة التعافي.