من أزمة توحيد سعر الصرف الى أزمة الرسوم الجمركية

22 أغسطس 2022
من أزمة توحيد سعر الصرف الى أزمة الرسوم الجمركية


في سبيل رفع مداخيل خزينة الدولة المفلسة ليس امام المعنيين سوى مشروع رفع تسعيرة الدولار الجمركي تمهيدا لتوحيد سعر الصرف لاحقاً وربطه بالسعر المعتمد في موازنة 2022، علما أن هذا الإجراء تبرره الكتل السياسية كافة الممثلة في لجنة المال والموازنة لتمويل رواتب القطاع العام، بعيدا عن المواقف الشعبوية التي أطلقها رؤساء الاحزاب في محطات خلت. 

يطرح الدولار الجمركي تساؤلات عديدة حول آثاره العكسية في بلد اقتصاده مدولر بالكامل، ويعتمد على الاستيراد سبيلاً وحيداً للاستمرار على قيد الحياة، خاصة وانه سيزيد من محاولات اللبناني “التشاطر” على تلك الإجراءات في بلد اعتاد فيه التجار أسلوب التهرب الضريبي، واستراتيجية الدفترين، وهذا التحايل على الإجراءات القانونية ، سينسحب بالتأكيد على المجال الجمركي من أجل تفادي مضاعفة الرسوم ثلاث عشرة مرة أو أكثر. 
إن مسألة الدولار الجمركي وضرورة الحصول على ايرادات جديدة للدولة أعادت، بحسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي والمال بلال علامة لـ”لبنان24″  طرح إشكالية ضرورة اجتماع الحكومة المستقيلة من أجل اتخاذ التدابير الضرورية والطارئة التي تسمح بالحفاظ على مصالح الدولة، وتأمين المقومات التي لا بد منها بغية ضمان استمرار المرافق العامة. فرفع التعرفة الجمركية هو حاجة ماسة في الظروف الراهنة وخاصة بعد إستمرار إضراب موظفي القطاع العام وربط عودتهم وفك الإضراب جزئياً بزيادة الرواتب والأجور ، فالاستمرار باعتماد التعرفة القديمة يعني بكل بساطة إن الايرادات المتأتية من الجمارك باتت عملياً بحكم غير الموجودة. لذلك لا بد للحكومة بحسب تصريح رئيسها الاستفادة من الصلاحية الاستثنائية التي تملكها والاجتماع كي تقرّ المرسوم الضروري بتعديل التعرفة الجمركية، وهذا ما حصل من خلال إجتماع الحكومة الغير رسمي الذي ناقش رفع الدولار الجمركي. 
 
التشريع بمراسيم في الحقل الجمركي 
 
فهل يعبر المرسوم الصادر عن الحكومة قانونياً؟ 
تعتبر التعرفة الجمركية، وفق علامة، من الأمور التي تدخل ضمن فئة الضرائب والرسوم التي فرض الدستور في المادة 81 منه ضرورة تحديدها من قبل السلطة التشريعية، أي بموجب قانون يقره مجلس النواب، وبالتالي لا يحق في المبدأ للسلطة التنفيذية أي الحكومة أن تتخذ مراسيم تؤدي إلى تعديل التعرفة الجمركية كون ذلك يخرج عن صلاحياتها .لكن لبنان اعتمد منذ 1950 وسيلة مختلفة من أجل تحديد التعرفة الجمركية قوامها إقرار مجلس النواب لقانون يمنح بموجبه للحكومة لفترة زمنية محددة صلاحية التشريع في الحقل الجمركي. وقد جاء هذا الحلّ في ظل الظروف التي كانت سائدة حينها بسبب القطيعة الاقتصادية بين لبنان وسوريا وما رافق ذلك من نهاية للوحدة الجمركية التي كانت قائمة بين البلدين خلال الانتداب الفرنسي. تبعاً لذلك، فقد المجلس الأعلى للمصالح المشتركة، الذي كان يضم ممثلين عن الحكومتين اللبنانية والسورية، صلاحياته بخصوص “مصلحة الجمارك” التي كانت تخضع له بموجب الاتفاق المعقود بين لبنان وسوريا في دمشق بتاريخ 22 كانون الأول 1943 والذي تم تكريسه بالمرسوم الاشتراعي رقم 1 تاريخ 16 اذار 1944. 
وبالفعل، أقر مجلس النواب بناء على طلب من الحكومة قانونا صدر في 17 تشرين الأول 1950 نص في مادته الأولى على التالي: “ تعطى الحكومة خلال مدة تنتهي في آخر حزيران سنة 1951 صلاحية التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء ولها أن تفوض بهذه الصلاحيات أو بعضها المجلس الأعلى للجمارك”. كذلك أصبح هذا القانون يجدد تلقائياً وبشكل دوري. 
وعليه، جرى الاكتفاء، كما يقول علامة،  بتسمية مرسوم بينما قديما كان يتم استخدام تعبير “مرسوم اشتراعي” عندما تقوم الحكومة بتفويض المجلس الأعلى للجمارك التشريع في الحقل الجمركي كالمرسوم الاشتراعي رقم 41 الصادر في 3 شباط 1955. ولا شك ان هذه المراسيم هي مراسيم اشتراعية حتى لو باتت تصنف شكليا وتنشر في الجريدة الرسمية ضمن فئة المراسيم العادية.كذلك فقد نصت المادة الثالثة على إمكانية تفويض الحكومة هذه الصلاحية لوزير المالية. إن تحديد هذا القانون المنفذ بمرسوم لفترة ستة أشهر يحق خلالها للحكومة تحديد سعر انتقالي جديد لليرة يعني أن المادة 229 من قانون النقد والتسليف لا تصلح كتفويض دائم لوزير المالية كي يحدد هذا السعر. 
 
ما هي أبرز تداعيات قرار رفع الدولار الجمركي؟ 
 
بصرف النظر عن الفوائد والأرباح التي قد تجنيها الدولة من اتخاذ هذا القرار فإن تداعياته، وفق توصيف علامة، ستكون كبيرة ويمكن تلخيصها بالآتي:  زيادة التضخم وانخفاض الاستهلاك نتيجة ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية.  زيادة الاحتكار وجشع التجار، حيث من المتوقع أن يلجأ التجار إلى الاحتفاظ بمخزون البضائع المخزنة في مستودعاتهم والمدفوعة رسومها الجمركية على اساس ال1500 ل. ل. ليعودوا ويبيعونها بأسعار باهظة على أساس الدولار الجمركي الجديد الامر الذي يعني زيادة أرباحهم بشكل كبير للغاية على حساب المواطنين. زيادة التهرب الضريبي من خلال اللجوء إلى الاحتيال والغش التجاري بواسطة تقديم التصاريح الكاذبة بقيمة البضاعة أو نوعها أو منشأها للتهرب من دفع الرسوم الباهظة عليها وخشية أن تتآكل أرباحهم وتتراجع قدرتهم على المنافسة في السوق. زيادة التهريب سواء على المعابر الشرعية أو غير الشرعية وهنا لا بد من الإشارة الى وجود شبكة منظمة للتهريب تستطيع إحضار البضائع وإدخالها الى البلد وتسليمها لطالبيها من خلال جعلهم يدفعون رسوما تقدر بربع ما يتكلفه التاجر أو الطالب في حال أراد استلام بضائعه عن طريق مرفأ بيروت أو أي من المرافئ الشرعية المعتمدة.  النتائج بمفاعيل عكسية! عليه، يقول علامة: علينا التمييز بين توحيد سعر صرف الدولار الذي يشكل ضرورة اقتصادية، ورفع الدولار الجمركي على سعر المنصة المعتمدة من مصرف لبنان التي بلغت مستوى 20 ألف ليرة. ومن المؤكد أنه لا يتوجب وضع رفع الدولار الجمركي في خانة تغذية موارد الخزينة، لأن “مشكلة الخزينة هي النفقات المرتفعة، والواجب تخفيضها، بالتالي فإن معالجة النفقات المرتفعة من خلال زيادة الواردات قد جربت وأدت الى فشل ذريع في موازنات 2017 و2018 و2019، حيث عجزت عملية رفع الرسوم والضرائب في زيادة واردات الدولة والخزينة، واتضح بشكل جلي أنه كلما زادت الحكومة الضرائب كلما هبطت المداخيل الضريبية وتراجعت، لأن أصحاب المؤسسات يفضلون إقفال شركاتهم ونقل استثماراتهم إلى دول أخرى على دفع رسوم مرتفعة في بلد تراجعت حركته الاقتصادية بإضطراد. ويتوقع علامة آثاراً سلبية على الخزانة لأن المداخيل ستتراجع، وسيزداد التهرب الضريبي، وستبدأ الشركات في إغلاق أبوابها، وكذلك هجرة ما تبقى من شركات، وعليه لن تؤثر إيجاباً في المالية العامة، فزيادة النفقات لضرورات اسياسية، هو أمر معاكس لقوانين الاقتصادية العلمية. من المتوقع، بحسب علامة، أن تؤثر الإجراءات المقترحة لزيادة الرسوم الجمركية بصورة مباشرة وأكيدة على المواطن اللبناني، وكذلك ستؤدي الى تضرر القطاعات الإنتاجية، حيث سيشهد السوق ارتفاعا كبيرا في الأسعار سيترافق مع تضخم كبير سيطال القدرة الشرائية لأكثر من 80 في المئة من الشعب اللبناني، مما يعني عملياً زيادة أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر. كذلك ستتأثر القطاعات المستوردة من رفع الرسوم في “بلد يقوم اقتصاده على الخدمات، يستورد المواد الأولية لإعادة التصنيع، والتصدير، ناهيك عن استيراد الأسمدة للزراعة والحبوب والبذور”. من هنا، سيكون لرفع الرسوم الجمركية آثاراً قاسية على الاقتصاد المحلي، وسيؤدي إلى مزيد من التباطؤ والركود الاقتصادي”.  التهرب الجمركي الأكيد ان شريحة واسعة من التجار اللبنانيين اعتادت اللجوء إلى خطوات للتهرب من الرسوم الجمركية وحرمان الدولة جزءاً من مواردها وانتشار الرشوة والفساد،. وهنا يؤكد علامة  أنه “كلما ازدادت الرسوم الجمركية، كلما ازداد التهرب. وينطبق الأمر على الاستثناءات الجمركية التي تفتح أبواباً كثيرة لهذا التهرب”. من هنا، لا بد من ضرورة توحيد أسعار الصرف من جهة، في موازاة تخفيض الجمارك إلى أقل الحدود الممكنة، ووقف جميع الاستثناءات، وربما إلغائها، وفتح حرية التجارة العالمية وتحرير الاستيراد والتصدير لأي أحد، من أجل تحفيز الأعمال والحركة الاقتصادية، بالتالي تخفيف الأزمة الخانقة ، بالإضافة إلى تخفيض الضرائب، وتوحيدها، وتبسيطها من أجل تشجيع المواطنين على دفعها وعدم اللجوء إلى التهرب، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع واردات الدولة بصورة أكيدة. الأجهزة الرقابية والقضائية في بلد ضرب فيه الإنهيار كل شيء واستشرى الفساد فيه بشكل غير مسبوق هل اللجوء الى المجلس الدستوري لإبطال وإيقاف مرسوم زيادة الدولار الجمركي هو عمل يعول عليه ؟ في إعتقاد علامة أن السلطة القضائية في لبنان الغارقة في المتاهات السياسية لن يسمح لها بإتخاذ قرار يكون هدفه إنقاذ المواطن والمجتمع اللبناني من عصفورية الدولار والجمارك. ويسأل هل سندخل في أزمة جديدة تضاف إلى دوامة الآزمات التي تتقاذف اللبنانيين وربما لن نخرج منها أبداً؟!