جاء في الجزيرة:
“بين ليلة وضحاها تبخرت تحويشة العمر، بعد ادخارها في أحد البنوك اللبنانية العاملة بالأردن، وللأسف البنك تم بيعه وأغلقت فروعه بالمملكة، ولا نستطيع مقاضاته أمام القضاء الأردني”.بحرقة وألم يتحدث المستثمر الأردني سليم العوضي عن فشل محاولاته من أجل استعادة مدخراته من بنك لبناني، بعدما أودعها بأحد الفروع العاملة بالأردن، حتى بات مهددا بالطرد من بيته وبيعه بالمزاد العلني جراء تراكم الديون عليه.
بدأ العوضي استثماره في البنوك اللبنانية العاملة بالأردن بوديعة لدى بنك “سوسيتيه جنرال لبنان” منذ 10 سنوات، ومع دخول لبنان أزمة اقتصادية حاول استعادة مدخراته، “إلا أن البنك رفض ذلك”. ويقول العوضي للجزيرة نت “حاولت رفع قضية على البنك أمام القضاء الأردني لكنني فشلت لأن العقود تنص على التقاضي بين الطرفين أمام القضاء اللبناني، فباتت الودائع في مهب الريح”.يتشابه مع العوضي العديد من المدخرين؛ فأحمد لطوف استثمر وديعة ببنك “عودة” في الأردن منذ 2015، ومع بداية أزمة الاقتصاد اللبناني حاول عام 2019 استعادة تلك الوديعة، لكنه لم يتمكن من استعادة سوى 55 ألف دولار، وبقي 750 ألف دولار لدى البنك في لبنان، بحسب حديثه للجزيرة نت.ويناشد لطوف والعوضي سلطات بلادهما من أجل التدخل لاستعادة تلك المدخرات، بعد زيادة المخاوف لديهم من “تبخر” تلك الودائع، في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتزايد القيود المفروضة من قبل السلطات اللبنانية على البنوك.تحرك رسميالتحرك الرسمي حيال هذه الأزمة بدأه النائب خليل عطية بتبنيه مذكرة وقع عليها 30 نائبا أردنيا تطالب السلطات “بالتحرك على كافة الصعد لاستعادة أموال المستثمرين الأردنيين المودعة في البنوك اللبنانية، التي تقدر قيمتها بـ1.2 مليار دولار”.وقال عطية للجزيرة نت “من حق الأردنيين على حكومتهم استثمار العلاقات الثنائية بين الأردن ولبنان لاستعادة حقوقهم المالية في البنوك اللبنانية، أسوة بتحرك دول عربية في المجال ذاته مع السلطات اللبنانية، وتعود تلك الودائع لشركات ومؤسسات وأفراد، وهي بحكم المجمدة الآن بتوصية من البنك المركزي اللبناني”.ووفق خبراء ومصرفيين، فإن نسب الفائدة والعوائد المالية المرتفعة على الودائع بالبنوك اللبنانية جذبت المستثمرين الأردنيين، مقارنة مع نسب الفائدة بالبنوك المحلية، خاصة أن بنوكا لبنانية كانت تمنح نسب فائدة بين 16 و20% من رأس المال، مما جعل المودعين يخوضون غمار الاستثمار في الودائع على حساب ارتفاع درجة المخاطرة.وردا على المذكرة النيابية، قال مصدر رسمي أردني للجزيرة نت “إن الحكومة لا تمتلك سلطة حماية ودائع الأردنيين في البنوك الخارجية، سواء العربية أو الأجنبية، وما يحكم العلاقة بين الطرفين هو العقود المصرفية الموقعة بين المودع والبنك، وتحدد تلك العقود أي قضاء يلجأ إليه الطرفان في حال حدوث خلاف بينهما”.وتابع المصدر أن الجهات الرسمية المختصة بتلك القضايا لم تتلق أية شكاوى من المودعين، سواء الأفراد أو الشركات، تتعلق بمدخراتهم بالبنوك اللبنانية، مؤكدا أن طبيعة العقد بين المودع والبنك تحظر تدخل أي طرف ثالث لصالح العميل.ووفق مختصين، فإن التدخل لصالح العملاء في العقود المصرفية المبرمة بين المودع والبنك تتم في حال كانت مؤسسات الدولة الرسمية ضامنة لتلك الودائع، من خلال البنك المركزي للدولة أو مؤسسة تعنى بالودائع، مثلما هو معمول به في الأردن لحماية ودائع المودعين.الحجز على بنكقضائيا، أصدرت محكمة عمّان الابتدائية (الغرفة الاقتصادية) الأربعاء الماضي قرارا بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمصرف “سوسيتيه جنرال لبنان” فرع الأردن، بما في ذلك الأسهم والأرباح وأي توزيعات أخرى، إضافة الى ما استملكه “بنك كابيتال” (Capital Bank) من أموال “سوسيتيه جنرال لبنان” فرع الأردن، وصدر القرار تلبية للطلب المستعجل من قبل مجموعة طلال أبو غزالة.ووفق مجموعة أبو غزالة الدولية، فقد جرى تقديم الطلب المذكور بهدف استرداد ودائع أبوغزالة في بنك “سوسيتيه جنرال لبنان” وقيمتها 40 مليون دولار أميركي، إضافة إلى الفوائد المستحقة عليها حسب عقود الإيداع، التي امتنع البنك عن تسديدها حتى الآن.يشار إلى أن مجموعة “بنك كابيتال” فرع الأردن كانت استحوذت على حصة بنك “سوسيتيه جنرال لبنان” العاملة بالأردن في عملية شراء العام الماضي، مع علم الإدارة الجديدة “لبنك كابيتال” بأن البنك اللبناني مدين لمجموعة طلال أبو غزالة، وبين الطرفين قضايا لاسترداد أموال الأخير المحجوزة لدى البنك.خيارات محدودةلا تبدو الخيارات أمام المودعين الأردنيين متعددة أو متاحة؛ فالخيارات -بحسب وزير الاقتصاد الأردني الأسبق يوسف منصور- محدودة جدا، خاصة في ظل “تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان”، وخيارهم الوحيد “رفع قضايا أمام القضاء اللبناني”، لأن العقود الموقعة بين الطرفين تحدد التقاضي بين الطرفين أمام القضاء اللبناني.وأضاف منصور في حديثه للجزيرة نت أن “نسبة الفائدة المرتفعة لدى البنوك اللبنانية أغرت المستثمرين الأردنيين لإيداع مدخراتهم هناك”، فمن غير المعقول منح الودائع نسب فائدة 20% في ظل وضع اقتصادي مترد منذ سنوات، وعدم وجود استثمارات حقيقية تعود بفوائد بهذه النسب المرتفعة”.ويرى منصور أن السلطات الأردنية “لا تملك أية خيارات لإنقاذ تلك الملايين”. في المقابل يرى حقوقيون أن الحماية الدبلوماسية ضمن القانون الدولي تمنح الدول حق اتخاذ إجراء دبلوماسي ضد دولة أخرى، نيابة عن تعرض حقوق ومصالح مواطنيها للضرر من قبل الدولة الأخرى.وتأكدت تلك الحماية -وفق خبراء- في قضايا مختلفة للمحكمة الدائمة للعدل الدولية ومحكمة العدل الدولية، وهي حق تقديري للدولة، وقد تأخذ أي شكل لا يحظره القانون الدولي، ويمكن أن تشمل الإجراءات القنصلية والمفاوضات مع الدولة الأخرى والضغط السياسي والاقتصادي وإجراءات قضائية أو تحكيمية أو غيرها من أشكال التسوية السلمية للمنازعات. “الجزيرة”