– تعد الحاويات رمز التجارة العالمية وشريان حياتها، فهي تربط بين القارات وتتيح نقل السلع في أفضل الظروف، ويتم نقل أكثر من 90% من بضائع العالم على متن حوالي 170 مليون حاوية شحن في جميع أنحاء العالم.
وتحتكر الصين صناعة الحاويات، إذ تمتلك ما يزيد على 90% من حصة السوق، ويتجه المغرب بخطى حثيثة للاستثمار في هذه الصناعة التي يعتبرها الخبراء مربحة بالنظر لتوافر جميع الظروف التي تجعل منه بلدا رائدا على المستوى الإقليمي في هذا القطاع الصناعي.وتتوفر المملكة على المواد الخام ومنظومة للصلب قادرة على تمكينه من النجاح في هذه الصناعة، كما أن القرب الجغرافي من الموانئ الأوروبية والأفريقية الرئيسية يشكل ميزة تنافسية.
الاستثمار في صناعة الحاويات
وأطلقت وزارة الصناعة بنك المشاريع في سبتمبر/أيلول 2020 في إطار تفعيل مخطط الإنعاش الاقتصادي، ويوفر البنك للمستثمرين المغاربة والأجانب معلومات شاملة تمكنهم من معرفة طبيعة المجال الذي يريدون الاستثمار فيه والنصوص القانونية التي يجب اتباعها والخطوات العملية اللازمة لبدء الاستثمار والتسهيلات المتوفرة في هذا المجال.ويقدر حجم الاستثمار في صناعة حاويات الشحن بين 70 و100 مليون درهم (بين 7 و10 ملايين دولار)، من أجل تحقيق رقم معاملات يتراوح بين 150 و250 مليون درهم (بين 15 و25 مليون دولار)، فيما تتراوح نسبة هامش الربح الإجمالي بين 5 و10%، وكبداية يستهل الإنتاج بطاقة إنتاجية سنوية من 6 إلى 10 آلاف حاوية.يقول رئيس فدرالية الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهروميكانيكية عبد الحميد الصويري إن المغرب يطمح للعب دور أكبر بكثير في صناعة الحاويات.
ويضيف الصويري في حديث مع الجزيرة نت “لدينا قدرات ممتازة لتصنيع لفائف الصلب والتي هي المدخل الرئيسي لتصنيع الحاويات، ولدينا أيضا نظام صناعي لصناعة ومعالجة المعادن مع إمكانات مهمة وموارد بشرية مؤهلة ومختصة”.وأشار المتحدث إلى أن المغرب مهتم بالاستثمار في تصنيع الحاويات بسبب عدم التوازن بين العرض والطلب الناجم عن نقص المعروض من الصين، لذلك “تم إدراج مشروع صناعة الحاويات في بنك المشاريع التي تدعمها وزارة الصناعة والتجارة، والذي يهدف لتنزيل مشروع بطاقة إنتاجية تبلغ 10 آلاف حاوية سنويا”.وتحتاج هذه الصناعة بشكل أساسي إلى مواد خام متوفرة في المغرب، مثل لفائف الصلب وبعض أجزاء المسبك، هذه المواد والأجزاء -يقول الصويري- يتم إنتاجها محليا بقدرات إنتاجية كبيرة وبجودة عالية، إضافة إلى أن المغرب يمتلك نظاما صناعيا بكفاءة عالية على مستوى معالجة الفولاذ والمعادن لتوطين صناعة الحاويات.هيمنة صينيةتهيمن الصين على صناعة الحاويات، وتعتمد التجارة العالمية تقريبا بالكامل على قدراتها الإنتاجية، وأنتج المصنعون الصينيون خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري حوالي 500 ألف حاوية بزيادة تقارب 64% مقارنة بعام 2021، و35% مقارنة بعام 2020، ويتوقع أن يصل الإنتاج حتى نهاية العام إلى 900 ألف حاوية، ورغم ذلك فإن الصين لم تستطع تلبية الطلب العالمي المتزايد على الحاويات.وشهد الطلب العالمي على الحاويات نموا بمعدل 7.5%، متجاوزا العرض لأول مرة في عام 2021، مما نتج عنه نقص عالمي في الحاويات.وتبحث الولايات المتحدة وأوروبا عن موردين محليين أو في أجزاء أخرى من العالم، لتفادي الاعتماد الكلي على الصين في هذا العنصر الحيوي للتجارة.وانطلاقا من هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي نوفل الناصري أن تفكير المغرب في تشجيع صناعة الحاويات محليا سيجعله يتحول إلى بلد رائد على المستوى الإقليمي في هذه الصناعة.ويؤكد الناصري للجزيرة نت أن المغرب يتوفر على كافة الإمكانيات التي تجعله كذلك، منها امتلاكه التقنية الصناعية لمعالجة المعادن، والقدرة على تصنيع لفائف الصلب وموارد بشرية مؤهلة، إضافة إلى الموقع الإستراتيجي المهم الذي سيمكنه من التحول إلى منصة للتصدير، خصوصا أن عددا من الشركات الكبرى في مجالات تصنيع السيارات والطائرات والشرائح الإلكترونية استقرت في المغرب، وسيغطي الاستثمار في صناعة الحاويات حاجاتها.ويعزز توفر المغرب على بنية تحتية قوية في قطاع الموانئ فرص نجاح هذه الصناعة، إذ يصنف الأول على مستوى القارة الأفريقية في قطاع المناولة والتحميل البحري.ويتوفر المغرب على 14 ميناء تجاريا، منها 9 موانئ رئيسية، أهمها ميناء طنجة المتوسط، وهو أكبر ميناء في أفريقيا والسواحل المتوسطية.وحقق ميناء طنجة المتوسط رقما قياسيا جديدا على مستوى البحر الأبيض المتوسط العام الماضي بمعالجة أكثر من 7 ملايين حاوية.تدابير دعم ومواكبةيرتبط تطوير صناعة الحاويات في المغرب بشكل وثيق بديناميكيات الصادرات في البلاد وقدرتها على التنافسية اللوجستية بحسب الصويري، لذلك يؤكد على ضرورة وضع تدابير الدعم والمواكبة لتوطين هذه الصناعة ودعم تطوير نظامها الصناعي.ويذكر الصويري أن حجم السوق الحالي لا يسمح بامتصاص كل الإنتاج الوطني من لفائف الصلب، لذلك سيؤدي تطوير صناعة الحاويات إلى زيادة حجم هذا السوق وامتصاص الإنتاج الفائض لصناعة الصلب، كما سيمكن من تعزيز وتطوير نظام صناعي جديد سيمنح دفعة جديدة لقطاع التعدين والدفع به نحو المزيد من التصدير.ويشكل قطاع التعدين عنصرا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، إذ يجتذب استثمارات تقدر بنحو 11.9 مليار درهم في 2020 (حوالي مليار دولار)، وحصته في الصادرات الوطنية أكثر من 21% من حيث القيمة في 2020.وبالنسبة للأثر الاقتصادي لصناعة الحاويات محليا، يوضح نوفل الناصري أن المغرب سيتمكن من تلبية جزء من الطلب المتزايد لديه ولدى بعض الدول الأفريقية والدول الأوروبية القريبة أو بعض الدول الأوروبية التي لها مصانع في المملكة، مما سيؤدي إلى رفع القيمة المضافة أو تنافسية الصادرات المغربية من حيث المدة الزمنية ومن حيث التكلفة.من جهة أخرى، يقول الناصري إن مثل هذا الاستثمار سيشجع الصناعة المحلية، مما يسمح بتقليص العجز التجاري وجلب العملة، كما سيؤدي إلى توفير آلاف فرص العمل، وتوقع أن تشكل صناعة الحاويات قيمة مضافة للمغرب، مما يعزز نمو الاقتصاد المحلي.”الجزيرة”