رمت الحكومة الجزائرية بثقلها خلال العام الجاري من أجل تثمين ثرواتها الطبيعية المعدنية لتدعيم موارد العملة الصعبة، في إطار التحضير للتحرر التدريجي من التبعية للمحروقات.وأطلقت وزارة الطاقة والمناجم مؤخرا 26 مشروعا للبحث والتنقيب عن المعادن، عقب اكتشاف 32 مادة منجمية غير مستغلة.
وأكّد الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا أن “الجزائر تزخر بثروات هائلة غير مستغلة، مثل المعادن النادرة التي تحتل فيها المرتبة الثالثة عالميا”.وتشير تقديرات مكتب البحوث الجيولوجية والمعدنية، التابع للوكالة الأفريقية للإعلام الاقتصادي والمالي، أن الجزائر تملك 20% من الاحتياطات العالمية للأتربة النادرة.استثمارات المعادنوقال الخبير الاقتصادي عمر هارون إن التقارير الرسمية الجزائرية تقدّر عدد المواد المعدنية المستغلة بـ31 مادة عبر 1400 مستثمرة على المستوى الوطني، بينما لا تتجاوز مساهمة هذا القطاع نسبة 1% من الناتج الداخلي الخام، إلى غاية نهاية 2020.
وأوضح للجزيرة نت أنّ الخارطة الجيولوجية التقليدية للجزائر تتكون من الزنك والرصاص والباريوم والبنتونيت والدولوميت والفلسبار.وأشار الخبير إلى قرار الرئيس تبون إطلاق مشروعين أساسيين، هما: “غار جبيلات” لخام الحديد، باستثمار بلغ حاليا ملياري دولار، من أجل إنتاج سنوي يصل إلى 20 مليون طن، و”منجم الفوسفاط” بـ7 مليارات دولار.وتقدر إحصاءات وزارة المناجم احتياطي الجزائر الجيولوجي من الذهب بـ124 طنا في أقصى الجنوب، بينما بلغ إنتاجها 6.8 أطنان منذ بداية الاستغلال المنجمي لهذا المعدن سنة 2001 إلى غاية 2021، قبل شروع الحكومة في الأشهر الأخيرة في فتح مناقصات وطنية ودولية لتراخيص الاستغلال.ورتب “مجلس احتياطي الذھب العالمي” الجزائر ثالثة عربیا و26 عالمیا عام 2021، حيث بلغ احتياطها بالبنك المركزي 173.6 طنا.وأكد الخبير أن التحدي الجديد للجزائر اليوم هو الإرادة في اكتشاف ثروتها من الأتربة النادرة، والتي أثبتت دراسات امتلاكها احتياطات كبيرة منها.
وأضاف أستاذ الاقتصاد في جامعة يحيى فارس بمحافظة المدية أن الرئيس تبون وجه الحكومة إلى تكثيف الدراسات الجيولوجية في المجال، لتحديد الكميات والمكامن والأنواع التي تزخر بها الجزائر بدقة.وبحسب كل التقارير -والكلام للخبير عمر هارون- فإن الجزائر الآن في مرحلة الدراسة الاستكشافية لتقدير الاحتياطات الحقيقية التي تملكها من الأتربة النادرة ورسم الخرائط الجيولوجية، مُرجحا أن “تكون كبيرة وقادرة على خلق قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد الجزائري”.واعتبر أن “الرغبة الكبيرة التي تحذو فرنسا وروسيا على الاستثمار بالجزائر في هذا المجال، دليل قاطع على إمكانياتها من المعادن النادرة”.التخطيط لاستعمال الأتربة النادرةومن جهته، قال الخبير في الاقتصاد الصناعي عمار تُو إن صحراء الجزائر تكتنز 20% من المخزون العالمي للأتربة النادرة، بحسب ما أفادت به الجريدة الفرنسية “الرأي” (l’Opinion) الصادرة بتاريخ 30 أغسطس/آب 2022، بناء على شهادات باحثين، وكما أعلنه رئيس الغرفة التجارية والصناعية الجزائرية الفرنسية بالنيابة، إحالة على الخبراء.وأكد عمار تُو -وهو وزير سابق لعدة قطاعات حكومية في الجزائر- أن “التراب الجزائري مجال لم يتم بعد استغلال معادنه، ولا حتى رسم خريطة كل ثرواته المعدنية عموما، والأتربة النادرة منها على وجه الخصوص”.وأوضح للجزيرة نت أن آخر عمل بهذا الصدد كان منذ الإنجاز الجزئي المهم لأشغال المسح ذات الصلة، من قبل المرحوم بلعيد عبد السلام وزير الطاقة والمناجم في حكم الرئيس هواري بومدين خلال سنوات 1965-1978.وقال إن المعطيات الأولى المتوفرة من الوسائل الوطنية والأجنبية، تفيد بأن الجنوب الجزائري يزخر بالأتربة النادرة.بالمقابل، شدد الخبير الصناعي على أن إرادة الجزائر في تثمين كل ثرواتها الكامنة، وفي ميدان الأتربة النادرة بالأخص، على ضوء حاجاتها إلى الموارد المالية، وطموحاتها الاقتصادية والجيوستراتيجية، والحاجات العالمية المتزايدة إلى تلك المعادن؛ دفعت الجزائر إلى تحديد مقوماتها الكامنة منها والتخطيط لاستعمالاتها داخل البلاد وخارجها، تصنيعا واستهلاكا داخليا وتصديرا.شروط التنفيذوكشف الخبير أن الرئيس تبون وجّه وزير الصناعة والمناجم خلال مجلس الوزراء المنعقد في يوليو/تموز 2020، لتحضير دفاتر الشروط؛ بقصد استغلال الأتربة النادرة في البلاد.وقال إن ذلك يتناغم مع التنصيص على المعادن النادرة بوضوح في “تصريح الجزائر” للتعاون الجزائري الفرنسي، الذي تم التوقيع عليه في أعقاب زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الجزائر نهاية أغسطس/آب 2022.وطلب الشركاء الجزائريون من نظرائهم الفرنسيين خلال تلك الزيارة تقديم اقتراحات في الميدان المعدني، وهو ما أكده رئيس أرباب العمل الفرنسيين، تعبيرا عن اهتمامهم بالمعادن النادرة الجزائرية، بحسب ما أوردته صحيفة “الرأي” الناطقة بالفرنسية.ويشير المصدر ذاته إلى أن ملف الأتربة النادرة بين الجزائر وفرنسا سبق استعراضه في يوليو/تموز 2022، بين الوزير الجزائري للطاقة والمناجم ووزير الاقتصاد الفرنسي آنذاك.من جهتها، صرّحت رئيسة “لجنة الاتحاد الأوروبي” بأن حاجيات القارة من الأتربة النادرة ستتضاعف في حجمها، وأن التغيرات الجيوسياسية ستدفع أوروبا إلى البحث عن مصادر أخرى لضمان تموينها، والتوجه تحديدا إلى الأتربة النادرة الجزائرية، لأن التغطية تأتي حاليا من الصين وروسيا وأوكرانيا، على حد تعبيره.وتوقع عمار تُو أن يكون لذلك “انعكاس على الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أوروبا خصوصا على الجزائر، تناسبا مع التبادلات المأمولة من الأتربة النادرة الجزائرية نحو أوروبا، بعد جفاء طويل في هذا الميدان من طرف الأوروبيين”.وختم المتحدث بالقول إن “الاستنهاض النسبي للناتج الجزائري الداخلي الخام الإجمالي سيستفيد بلا شك من مداخيل جديدة، ليصلح بعض الشيء من حجمه ومن هيكلته، للتغلب -ولو جزئيا- على هذين الحاجزين الكبيرين، لتحقيق القفزة الحاسمة، بتآزر مع مقومات أخرى نحو اقتصاد صاعد”. “الجزيرة”