تتشابك الأحداث السياسية في لبنان وتتداخل مع بعضها البعض، ويمكن إعتبار حدث ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي واحدا من أبرز التطورات السياسية ليس خلال هذه المرحلة وحسب، انما ايضا خلال المسار التصاعدي الذي عرفه لبنان منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم.
وفي هذا السياق، يرى البعض ان أزمة الـ 88 التي استمرت حتى اوائل التسعينيات، شبيهة من حيث مسارها، لاسيما الاقتصادي، الى حدّ كبير بما يحصل حاليا في لبنان، فالأزمة التي اندلعت شرارتها في ساحات 17 تشرين، قد يكون ترسيم الحدود المدخل الأساسي لبداية معالجتها ومعالجة آثارها المتعددة على حياة اللبنانيين.
ومعالجة آثار الأزمة على حياة المواطن اللبناني، لا بد لها من ان تطال مختلف القطاعات من استشفائية وتربوية وسكنية ومصرفية وغيرها، وبشكل خاص لا بد من ان تذهب المعالجة الى وضع حدّ للتفلت الحاصل في سوق الدولار الذي لا يمكن الانطلاق بأي مسار إصلاحي من دون معالجة تقلباته المستمرة.
وهنا قد يكون من المستغرب ان يستمر الدولار في الإرتفاع على الرغم من ضخ كمية كبيرة من الإيجابية في الحياة السياسية اللبنانية بفعل الترسيم والموافقة عليه، فهل للترسيم تأثير مباشر على الدولار؟ وهل سيكون هذا التأثير كبيرا وملموسا من قبل المواطن؟
الدولار لم يتأثر مباشرة بترسيم الحدودفي هذا الاطار يتحدث الخبير الاقتصادي الدكتور بيار خوري لـ “لبنان 24” مؤكدا ان “التوقعات ومع الأسف سارت الى حدّ كبير بعكس الواقع الذي نعيشه اليوم، اذ ان الجميع رأى انه بحال تمكّن الدولة اللبنانية من إبرام إتفاق ترسيم الحدود، ستشهد الساحة الاقتصادية اللبنانية إرتياحا ملحوظا لاسيما على صعيد السوق الموازية لصرف الدولار.وهذه التوقعات مبنية على المبدأ القائل بالتشابك والتداخل بين عنصري الاقتصاد والسياسة .وفي السنوات الأخيرة شهدنا اكثر من حدث سياسي ترك أثاره السلبية او الايجابية على سعر صرف الدولار والواقع الاقتصادي في البلاد”.
ويضيف خوري “عدم تمكّن إتفاق ترسيم الحدود من إحداث انخفاض سريع وملموس في سوق الدولار ووفقا للمبادىء الاقتصادية يعود الى نقطتين أساسيتين:
الاولى متمثلة في الموازنة التي أقرها المجلس النيابي منذ فترة وجيزة والتي تلحظ زيادات كبيرة جدا على صعيد رواتب القطاع العام وهذا ما سيدفع الى ضخ العملة الورقية بالليرة اللبنانية بشكل كبير في السوق اللبنانية.
وفي مقابل الزيادات على الرواتب التي تدخل ضمن خانة النفقات في الموازنة والتي ستصبح فعلية تطبيقية في وقت قريب، حددت الموازنة العمليات الجمركية كإطار يمكنها من خلاله الوصول الى مداخيل تغطي نفقاتها.
لكن هذا الدولار الجمركي وعلى عكس الرواتب لن يصبح نافذا بصورة سريعة وذلك نظرا الى (الستوك) المخزّن عند مختلف التجّار، الذين لن يقدموا على الإستيراد وفقا لسعر الدولار الجمركي في المدى المنظور، وبالتالي قد تستغرق عملية تطبيق مفاعيل الدولار الجمركي ما لا يقل عن سنة كاملة.وفي مقابل الموازنة تتجلى النقطة الثانية في ضخ الليرة اللبنانية من قبل المصرف المركزي كنقطة أساسية تساهم في إغراق السوق بالنقد المطبوع ، فوفقا لميزانية مصرف لبنان او ما يعرف بـ “بيان الوضع الموجز” الذي يصدر كل 15 يوما، تم ضخ حوالى 13 تريليون ليرة لبنانية في الأسواق، اي بزيادة تصل الى 30% مما كانت عليه قبل 15 أيلول الفائت.الإصلاحات الاقتصادية هي المدخل الصحيحويرى الدكتور خوري انه يمكن ” الإستنتاج من النقطتين الأولى والثانية ان عملية إغراق السوق اللبنانية بالليرة اللبنانية ما زالت مستمرة وبشكل ضخم جدا ما يؤدي تلقائيا الى زيادة الطلب على الدولار وارتفاعه كما الى زيادة نسب التضخم. وهنا لا بد من الاشارة الى ان التوقعات وفقا لضخ الليرة الحاصل في السوق كانت تشير الى امكانية ملامسة الدولار الواحد ما لا يقل عن 80 الف ليرة لبنانية خلال هذه الفترة، من هنا تكون الصدمة الايجابية التي حققها الترسيم قد لعبت دورا في لجم صعود الدولار لكنها لن تتمكن من إخفاضه.وحتى نتمكن من ترجمة مفاعيل الترسيم، علينا ان ننتظر الأداء الاقتصادي الداخلي والآلية التي ستتبع للذهاب نحو تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والملّحة”.