الأزمة الاقتصادية تتوسع… إجتماع طارىء لمجموعة العشرين

18 أكتوبر 2022


يلتقي قادة مجموعة العشرين في مدينة بالي بإندونيسيا خلال الفترة (15-16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، وسط أجواء اقتصادية يعاني منها الجميع، بل الجديد هذه المرة، أن الأزمة الاقتصادية تنال من الكبار بشكل واضح، فأميركا وأوروبا تعانيان من معدلات تضخم غير مسبوقة (8.2% و10% على التوالي خلال سبتمبر/أيلول 2022)، بسبب أزمة الطاقة والتداعيات السلبية لفيروس كورونا.

وقد أضافت الحرب الروسية على أوكرانيا، المزيد من التعقيد على المشهد الاقتصادي العالمي، بل أفسدت اجتماعات وزراء المالية والخارجية لمجموعة العشرين، التي انعقدت في يوليو/تموز الماضي، ويتوقع أن يكون لها نفس الأثر على قمة قادة مجموعة العشرين كذلك.ومجموعة العشرين ليست أكثر من ملتقى للتعاون الاقتصادي بين أعضائه ويجمع بعض الحكومات ومحافظي البنوك المركزية من 19 دولة والاتحاد الأوروبي، لكن هذا الملتقى يكتسب أهميته من كونه يضم اقتصاديات الدول المكونة لنسبة تصل إلى 80% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.

فمثلا الناتج المحلي الإجمالي لأميركا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان في عام 2021 بلغ 62.5 تريليون دولار، وبما يعادل 65% من الناتج المحلي العالمي البالغ 96.1 تريليون دولار في عام 2021، فكيف لو أضفنا مساحة 16 دولة أخرى إلى الـ4 الكبار؟وتكتسب مجموعة العشرين أهميتها، من كونها تضم القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى، التي يمكنها تنفيذ ما تراه على الصعيد العالمي، سواء من خلال أعمال جماعية، أو على مستوى كل دولة على حدة، وهذه الدول الكبرى لها نفوذها في المؤسسات المالية الدولية، وباقي المنظمات الدولية الأخرى.أجندة مربكةالمسار الطبيعي الذي كان ينتظر اجتماعات مجموعة العشرين، هو مناقشة قضايا مهمة، منها: الجهود المتعلقة بالتعافي العالمي من جائحة كورونا، وقضايا الأمن الغذائي وأمن الطاقة.لكن التداعيات التي تركتها أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، غيرت من طبيعة تلك الأجندة، وثمة مخاوف أن تنتهي قمة قادة مجموعة العشرين، إلى ما انتهت إليه اجتماعات وزراء خارجية دول المجموعة، دون بيان ختامي أو صورة جماعية، فضلا عن تعثر الوصول إلى اتفاقيات أو آليات عمل حول القضايا الرئيسة المطروحة على أجندة الاجتماعات.

الطاقة مشكلة الجميع
يعد أمن الطاقة وسبل أمان إمداداتها أحد أكبر مهددات العديد من اقتصاديات دول العشرين، وخاصة الدول الكبرى، أميركا، الصين، اليابان، الاتحاد الأوروبي، إنجلترا، وغيرها.فأسعار النفط في السوق الدولية تعد المصدر الرئيس لموجة التضخم التي تضرب الاقتصاد العالمي، وتضع الحكومات جميعا أمام تحد لم تشهده منذ عقود.لقد وضعت أزمة الطاقة العديد من الدول الأوروبية في أزمة حقيقية على الصعيد الاقتصادي والسياسي، بما فيها دولة أوروبية يشهد لها بقوتها الاقتصادية مثل ألمانيا. ولقد ظهر جليا الأثر الاقتصادي على القدرة الشرائية للأفراد في أوروبا بسبب تكلفة استهلاك الطاقة، حيث جعلت البعض يهرب من تكلفة التدفئة في الشتاء القادم بالتفكير بقضاء الشتاء في دول أخرى مثل تركيا.نعم هناك دول مستفيدة من أزمة الطاقة، وارتفاع أسعار النفط، مثل الدول المنتجة للخام، بالإضافة إلى أن الهند والصين تستفيدان عبر البوابات الخلفية، لحصولهما على كميات كبيرة من النفط الروسي والإيراني، من خلال ما يعرف بالنفط الرخيص.فثمة تقديرات تذهب إلى أن الدولتين (الهند والصين) تحصلان على برميل النفط بأقل من سعره في السوق الدولية بحوالي 30 دولارا، وهو ما يجعلهما في وضع أفضل من باقي الدول التي تحرم من هذه الميزة.وقد لا تكون روسيا مستفيدة في الوقت الحالي من ارتفاع أسعار النفط، إلا من خلال استخدام النفط كورقة ضغط في إدارتها للصراع مع أميركا وأوروبا.فمن جهة أخرى تتضرر روسيا من سياسة النفط الرخيص، التي تفقدها جزءا مهما من ثروتها، فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي تتزايد يوما بعد يوم، وتؤدي إلى مزيد من القيود على الأنشطة المختلفة للاقتصاد الروسي.سلطة الدولارأدت معالجة المجلس الفدرالي الأميركي لأزمة التضخم، الذي اقترب من سقف 9% خلال الشهور الماضية، إلى ارتفاع سعر الفائدة لدى معظم دول العالم، كما أفرزت تلك السياسة النقدية لأميركا، ما يعرف بـ”الدولار القوي” الذي نتج عنه تراجع أسعار كثير من عملات دول العالم.وكرّس أمر السياسة النقدية الأميركية لمزيد من المشكلات أمام الإدارة الاقتصادية لدول العالم، وجعلها شبه عاجزة عن مواجهة أزمة التضخم، بجانب تداعيات أسعار النفط بالأسواق العالمية.فهل سيصل الأمر في اجتماعات مجموعة العشرين، إلى مطالبة أميركا، بتعديل سياستها النقدية، بما يحقق مصالح الجميع؟تفيد التجربة التاريخية أن أميركا تجعل مصلحتها في المقام الأول، ففي اجتماعات مجموعة العشرين بعد الأزمة المالية العالمية، طالبت بعض الدول بالبحث عن عملة أخرى بخلاف الدولار لتتم بها التسويات التجارية والمالية على الصعيد الدولي، لكن أميركا رفضت ذلك بشدة، وعارضت مجرد طرح الفكرة.وإذا ما كانت أسعار الغذاء في السوق الدولية تشهد تراجعا ملحوظا على مدار الشهور الماضية، فإن التداعيات السلبية للسياسة النقدية الأميركية، واستمرار ارتفاع أسعار النفط، يقلصان الأمل في الحصول على متطلبات باقي الدول من الغذاء بشكل يؤمن ميزانيات الدول المستوردة للغذاء، وخاصة الدول الأشد فقرا.تباطؤ التعافيلا يزال صندوق النقد الدولي يرى في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي (أكتوبر/تشرين الأول 2022) أن تراجع معدل النمو الاقتصادي في عامي 2022 و2023 هو الأكثر احتمالا، ويُرجع ذلك إلى أكثر من عامل، منها استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، واستمرار التداعيات السلبية لفيروس كورونا في الصين، وغلق العديد من المدن هناك. وتعاني الصين من مشكلات اقتصادية داخلية أخرى، متمثلة في معضلة الركود التي يضرب القطاع العقاري أحد أهم قاطرات الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الصين تعاني من مشكلة أخرى، تتعلق بمديونية عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يؤثر بدوره على الوضع المالي للجهاز المصرفي هناك.ويبقى السؤال الأهم مرتبطا بجهود الصين بشأن إمكانية السيطرة على فيروس كورونا، وعدم انتشاره خارج نطاقها الجغرافي مرة أخرى بما يهدد اقتصاديات الدول المختلفة على مستوى العالم. والجواب عنه هو أنه لا أحد يمكنه الإجابة عن ذلك في ظل حالة التكتم التي تتميز بها السياسة الصينية، التي تعتبر هذا الأمر يخص أمنها القومي. فهل ستطالب قمة مجموعة العشرين الصين بالإفصاح عن حجم المشكلة، وقدرتها للسيطرة عليها؟والسؤال الآخر أيضا هو هل سيكون بمقدرة مجموعة العشرين، الوصول إلى قرارات أو اتفاقيات لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، عبر السبل السياسية؟ وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تهدئة كبيرة في أسعار النفط، وكسر موجة التضخم على مستوى العالم. والجواب هو أن أميركا وأوروبا تريدان نهاية للحرب الروسية على أوكرانيا بهزيمة لروسيا، بحيث لا تستطيع فيما بعد أن تكون طرفا قويا على خريطة النظام العالمي. تعاني الصين من مشكلات اقتصادية داخلية تتمثل في الركود الذي يضرب القطاع العقاري أحد أهم قاطرات الناتج المحلي الإجمالي، ومديونية عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة.آمال الدول الناميةاعتادت مجموعة العشرين في اجتماعات قادتها أن تستضيف زعماء بعض الدول النامية، على سبيل الحضور كمراقب، لكن الدول النامية، تتأثر بشكل كبير بما يدور على أجندة المجموعة.وما يهم الدول النامية هذه المرة كسر موجة التضخم التي تسود الاقتصاد العالمي، والحصول على الغذاء والطاقة بأسعار لا ترهق ميزانياتها، وكذلك الموضوع القديم الجديد وهو ما يتعلق بمديونية الدول الأشد فقرا وكذلك الدول النامية.ولعل الحديث عن برامج للحماية الاجتماعية داخل الدول النامية لمواجهة ما أفرزته الأزمة الاقتصادية الحالية، لا يعني مجموعة العشرين بشكل كبير، فقد لجأت الدول الكبرى إلى تدبير هذا الأمر بشكل فردي، دون التزامات جماعية، فهي أمور تشكل ضغوطا على الحكومات في الدول الكبرى. لذلك وجدنا كلا من إنجلترا وهولندا، قد اتخذتا قرارات تتعلق بوضع سقف لأسعار استهلاك الطاقة، بينما تتجه أميركا لاتخاذ مثل هذا القرار.في الختام، ما تتركه لنا التجربة التاريخية، أن الكبار يصوغون الاتفاقيات ويرتبون الأجندات بما يحقق مصالحهم، ولا مانع من إعطاء بعض الفتات للدول النامية والأقل نمو، فهذا العالم لا مكان فيه للضعفاء. “الجزيرة”