على الرغم من أن رفع الدولار المصرفي من 8000 إلى 15000 ليرة بات بحكم الأمر الواقع مع وقف التنفيذ، إلا أن اختيار التوقيت المناسب ليصدر مصرف لبنان تعميمه في هذا الشأن، لا يزال غامضاً بسب ضبابية انعكاسات هذا القرار إن لم يترافق مع حزمة إجراءات مترابطة مع بعضها البعض أبرزها تنفيذ الدولار الجمركي ورفع سعر الصرف الرسمي، كخطوة رئيسة للبدء بالحدّ من تعددية أسعار الصرف التي أنهكت الاقتصاد اللبناني والأسواق المالية والنقدية.
اللبنانيون الذين تريثوا في سحب دولاراتهم وفقاً للتعميم 151 بانتظار قرار “المركزي” لتحقيق بعض المكاسب بالليرة اللبنانية، يترقبون في الوقت نفسه سعر الصرف في السوق الموازية الذي عاود الارتفاع من جديد ملامساً عتبة الـ 40000 ليرة. فهل يحسمها مصرف لبنان قريباً أم أن نقطة الصفر لم تحن بعد؟
في حديث مع موقع “لبنان الكبير”، اعتبر رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية في مجموعة “بنك بيبلوس” نسيب غبريل، أن السؤال الأساس اليوم ليس من هو المستفيد من رفع الدولار المصرفي إلى 15000 بل ما هو الهدف منه، موضحاً أن هذا القرار يهدف بالدرجة الأولى إلى توحيد أسعار صرف الدولار وليس رفع قيمة الدولار المصرفي من المستوى الذي هو عليه اليوم فقط.
وبحسب غبريل، فإن تصريح وزير المالية أواخر أيلول الماضي برفع سعر صرف الدولار الرسمي إلى 15000 ليرة ابتداءً من أول تشرين الثاني، كان بمثابة الخطوة الأولى نحو عملية توحيد أسعار الصرف في الأسواق بصورة تدريجية، بالتزامن مع بدء تطبيق الدولار الجمركي، خصوصاً وأن توحيد هذه الأسعار والتخلص من تعدديتها هو أحد بنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يتضمن تسعة إجراءات مسبقة على لبنان تنفيذها، بحيث سيكون تعويم سعر صرف الليرة اللبنانية الاجراء الأخير منها.
غبريل الذي أكّد أنه لا يمكن للاقتصاد أن يعمل بصورة طبيعية في ظل وجود تعددية في أسعار الصرف لا سيما في ظل وجود سوق موازية، رأى أن التخلص من وجود سعر صرف ثابت للدولار، وترك تحديد السعر لعمليات العرض والطلب، سيكون حتماً في نهاية المسار الاصلاحي أي بعد تطبيق الاجراءات الثمانية الأولى.
حينها سيوقف العمل بالتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والتي هي تعاميم مؤقتة ويمدد لها بسبب عدم إجراء أي من الاصلاحات، وسيصبح هدف “المركزي” أن يكون سعر صرف الدولار على منصة “صيرفة” هو سعر السوق لا سيما وأن موازنة العام 2023 تضعها وزارة المالية اليوم على سعر صرف “صيرفة” وليس على سعر الـ 15 ألفاً.
لكن الأفضل أن يبدأ هذا المسار عندما يضع صندوق النقد إمضاءه النهائي على البرنامج الاصلاحي الذي على أساسه سيمنح لبنان قرض الـ 3 مليارات دولار.
وعن كيفية تأمين مصرف لبنان الكميات اللازمة من الليرة لتغطية نفقات اللولار الجديد، قال غبريل: “إن الدولار المصرفي عندما يصبح لدى مستوى الـ 15000، سيكون إجراءً من ضمن إجراءات عديدة وليس إجراءً وحيداً منعزلاً عن غيره”.
وأشار إلى أنه “كان من المفترض أن يبدأ عند نشر موازنة العام 2022 في الجريدة الرسمية والتي احتسبت إيراداتها على الدولار الجمركي (15000)، وهو أيضاً إجراء مؤقت كي يصبح هناك سعر موحد للدولار، لكنه اليوم ينتظر قراراً رسمياً من وزير المالية، بالتزامن مع بدء العمل بسعر الصرف الرسمي الـ 15000 الذي تأجل نظراً الى اعتراض مجلس النواب بسبب عدم اقترانه بخطة متكاملة.
وإذ رأى غبريل أن هذه الاجراءات يجب أن تترافق مع بعضها، وعليه يدخل تعديل الدولار المصرفي في هذا السياق، اعتبر أن قرار “المركزي” سواء كان قبل البدء بتنفيذ الدولار الجمركي أو الرسمي يبقى عملية تقنية.
ولم يستبعد أن يُخفض مصرف لبنان سقف السحوبات التي تبلغ بموجب التعميم 151 ما قيمته 3000 دولار، لدى رفع الدولار المصرفي من 8000 إلى 15000، كي يحافظ على المبالغ المتداولة نفسها للسحوبات ومنعاً لأي تضخم جديد في الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية.
أضاف: “إن التركيز لا يجب أن يكون على التعميم المنتظر وعلى رفع سعر الدولار المصرفي لأنه ليس هدفاً بحد ذاته، بل الهدف من وراء ذلك توحيد أسعار الصرف وتعويم سعر صرف الليرة وترك مهمة تحديد سعر الدولار في الاقتصاد اللبناني لعمليات العرض والطلب فقط ودعم العجلة الاقتصادية وانتظامها، على أن يتدخل مصرف لبنان انتقائياً للجم أي تقلبات حادة في سعر الصرف، وأن تقوم السياسة النقدية بعد التوقيع مع صندوق النقد على استهداف التضخم ولجمه وخفض معدلاته”.