الموازنة البريطانية… أوّل اختبار عملي لريشي سوناك

17 نوفمبر 2022
الموازنة البريطانية… أوّل اختبار عملي لريشي سوناك


أكد خبراء أن الموازنة الجديدة في بريطانيا تمثل أول اختبار عملي لرئيس الوزراء ريشي سوناك، وأن سياسات تنفيذ هذه الخطة ستكشف انحياز سوناك إما لإرضاء الشارع أو لتنفيذ الرؤية الاقتصادية لحزب المحافظين الساعية للقضاء على العجز.

وأعلنت الحكومة البريطانية عن رفع الضرائب وخفض الإنفاق بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني (65.11 مليار دولار).وقال وزير المالية البريطاني جيرمي هانت، إن أرقام التضخم في المملكة المتحدة تؤكد ضرورة استمرار السعي لخفضها، مشيرا إلى أن اقتصاد بريطانيا في حالة ركود بالفعل.وتتضمن خطة التقشف البريطانية زيادة الضريبة الاستثنائية على أرباح شركات الطاقة العملاقة من 25 بالمئة إلى 35 بالمئة، وتمديدها حتى عام 2028.

وستفرض الحكومة أيضا ضريبة جديدة مؤقتة نسبتها 45 بالمئة على الشركات المنتجة للكهرباء.أيدلوجية حزب المحافظينمن جانبه قال المحلل المالي في جريدة فايننشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، إن ريشي سوناك اقتصادي ماهر، لكنه يسير في حقل من الألغام، وسط أزمة اقتصادية خانقة أسقطت ثلاثة رؤساء وزراء من حزب المحافظين منذ عام 2016.وتابغ أن سوناك يحاول مع وزير ماليته جيرمي هانت استعادة مصداقية بريطانيا بين المستثمرين مع التعهد بالتراجع عن أخطاء ليز تراس في السياسة الاقتصادية، وعلى رأسها سلسلة التخفيضات الضريبية غير الممولة.وشدد على أن هذه لحظة اختيار كبيرة للبلاد ولسوناك، هل سيكون المواطنون البريطانيون في المقدمة أم أيديولوجية حزب المحافظين؟، مستطردا أن التركيز الآن على تنفيذ أكبر تخفيضات في الإنفاق التي تضمنتها الموازنة الجديدة، وتأهيل المواطنين للزيادات الضريبية، التي يمكن أن تعيد إشعال التوترات في الحزب.

وأوضح أن التركيز في الميزانية الجديدة انصب على سد فجوة تبلغ 55 مليار جنيه إسترليني (65.1 مليار دولار) في الميزانية البريطانية من خلال تجميد حدود وزيادة ضريبة الدخل والتأمين العام وضريبة الميراث والمعاشات لمدة عامين آخرين.وتابع أن الموازنة كذلك ركزت على خفض الإعفاء الضريبي لضريبة الأرباح الرأسمالية إلى النصف وخفض حدود دفع المعدل الإضافي لضريبة الدخل من 150 ألف جنيه إلى 125 ألف جنيه سنويا، كما تشمل خطة الميزانية أيضا توقعات مماثلة لتلك الخاصة ببنك إنجلترا الذي حذر في وقت سابق من هذا الشهر من مواجهة البلاد ركودا طويلا في المستقبل.وحسب القاسم فإنه بالنظر إلى كل ما سبق يرى هانت أن “السؤال ليس فعلا ما إذا كانت بريطانيا في حالة ركود، ولكن ما الذي يمكن القيام به لجعله أقصر وأقل عمقا”.وشدد على أن الجميع في بريطانيا ينتظر أيضا تقديم حزمة دعم بمليارات الجنيهات لحماية أصحاب المعاشات والذين يحصلون على إعانات بطالة من ارتفاع فواتير الكهرباء، مشيرا إلى أن التعاون سيتم بشكل وثيق مع بنك إنجلترا لخفض التضخم والسيطرة على أسعار الفائدة المتوقع لها أن تستمر في الارتفاع بعد زيادتها سبع مرات حتى الآن في سابقة تاريخية.البحث عن حلول أخرىوقالت عضو حزب المحافظين البريطاني، سامية الأطرش، إن موازنة سوناك والتي أعدها وزير ماليته هانت تركز على رفع الضرائب وذلك من أجل إصلاح الاقتصاد وتخفيف الآثار السلبية لركود طويل محتمل، وكذلك سد الفجوة البالغة 55 مليار جنيه استرليني في الميزانية الجديدة.وأضافت أن الحكومة البريطانية الجديدة تحاول معالجة الوضع الاقتصادي في البلاد، وتضع في اعتبارها ما إذا كان ذلك سيكون على حساب المواطن فقط والذي يعاني أساسا من ارتفاع الأسعار ومن ثم زادت معاناته برفع الضريبة عليه، مشيرا إلى صعوبة تمرير تلك الخطة في البرلمان، حيث يحتاج سوناك إلى دعم الأغلبية لموازنته وحزب المحافظين صحيح أن له الأغلبية المريحة في البرلمان، ولكن هناك في البرلمان من يرى ضرورة البحث عن حلول أخرى وليس فقط التركيز على السحب من جيب المواطن.وأوضحت أن موازنة سوناك وهانت تمثل محاولة لطمأنة الأسواق حول استقرار المالية العامة، ولذلك تضمنت قرارات صعبة لمعالجة الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبت في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، التي اضطرت للاستقالة بعد فشل برنامجها الاقتصادي.ورأت الأطرش أن موازنة سوناك رغم ما فيها من جرأة فهي قد تحل جزءا من أسباب الأزمة الاقتصادية وليس الأزمة نفسها، لأن المواطن البريطاني لا يريد اليوم لغة لتحليل الواقع بل يطالب بإجراءات ملموسة على أرض الواقع، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وفواتير الطاقة والغلاء الفاحش، والتضخم المهول الذي أعلن عنه مكتب الإحصاء الوطني والبالغ 11.1 في المئة بالنسبة للطبقة الغنية والمتوسطة، و16 في المئة بالنسبة للطبقة الفقيرة.وأشارت إلى أن سوناك اتخذ إجراء حاسما وهو وضع مستوى القروض والديون على مستوى مستدام لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، ولكنه يجب عليه أن يسعى إلى عدم جعل هذه المعالجة على حساب جيب المواطن حتى لا يخسر الشارع.موازنة لمكافحة التضخموقال الباحث في الشأن البريطاني المقيم في لندن، محمد أبو العينين، إن الموازنة الجديدة في بريطانيا يمكن وصفها بأنها موازنة لمكافحة التضخم، حيث يظهر فيها بقوة ارتدادات حالة التضخم الكبيرة الحالية في البلاد.وأشار إلى أن هناك أسباب كثيرة أدت لهذا التضخم والميزانية جاءت انعكاسا لهذا التضخم، بالإضافة إلى وجود أسباب أخرى نتج عنها العجز الموجود في الموازنة والذي يبلغ 55 مليار جنيه إسترليني، وركز سوناك ووزير ماليته هانت على محاولة سد هذا العجز.وتابع أنه وفق سياسة حزب المحافظين لابد من توفير هذا المبلغ لسد العجز، وقد تم تقسيمه إلى 35 مليار جنيه إسترليني يتم توفيرها من تقليص الإنفاق على الخدمات العامة، و20 مليار جنيه إسترليني يتم توفيرها من الزيادات الضريبية.وأكد أنه في ظل رؤية سوناك وهانت فهناك محاولات لتجنب الضغط الكبير على الموازنة العامة وتجنب ترشيد الإنفاق على الخدمات حتى لا يؤثر ذلك على قرار الناخب البريطاني في انتخابات 2024، وهناك ضغط كبير آخر من جانب بنك إنجلترا المركزي لضرورة ضبط الميزانية.وأوضح أبو العينين أن حكومة حزب المحافظين ستعمل جاهدة لتقسم أعباء سد العجز بالموازنة على السنوات المقبلة حتى 2028 لتتجنب الضغط الشديد على جيب المواطن، ولكن مع ذلك ستكون نتيجة تلك الخطة أعباء كبيرة على الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، وهو رهان محفوف بالمخاطر لمستقبل حكومة المحافظين.