هل تصبح مصر مركزا إقليميا للهيدروجين الأخضر؟

29 نوفمبر 2022
هل تصبح مصر مركزا إقليميا للهيدروجين الأخضر؟


بات مصطلح الهيدروجين الأخضر حاضرا في تصريحات مسؤولين رسميين باعتباره وسيلة مربحة وآمنة لتحقيق التنمية المستدامة في مصر، بل وثمة طموحات لأن تكون البلاد مركزا إقليميا لهذا النوع من الطاقة.وقال وزير الكهرباء المصري، محمد شاكر، إن بإمكان بلاده عبر قدرتها التنافسية تحقيق خطة طموحة والوصول إلى 8% من السوق العالمي للهيدروجين.

وأشار خلال اجتماعه مع رئيس مجلس الوزراء، أول أمس السبت، إلى استهداف زيادة الناتج المحلي بنحو 18 مليار دولار بحلول 2025، وتوفير 100 ألف فرصة عمل عبر الاستثمار في صناعات الهيدروجين الأخضر.وخلال فعاليات قمة المناخ “كوب 27” (COP27)، التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ خلال الشهر الجاري، أعلنت السلطات المصرية إطلاق المرحلة الأولى لمشروع إنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالتعاون مع دولة النرويج، بقدرة إنتاج 100 ميغاوات في منطقة العين السخنة، شرقي القاهرة.

وعلق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على بدء المرحلة الأولى للمشروع واصفا إياه بالنموذج العملي للشراكة الاستثمارية المحفزة للتنمية الاقتصادية المستدامة.وأكد خلال مائدة حوار ضمن فعاليات قمة المناخ، امتلاك بلاده القدرات التي تمكنها من التحول إلى مركز عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر على المدى المتوسط وكذلك البعيد، لافتا إلى دور القطاع الخاص الوطني والأجنبي في الاستثمار بهذا المجال.ما الهيدروجين الأخضر؟وفق مختصين، يُنتَج الهيدروجين الأخضر من الماء حيث يتم فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين المكونة للمياه بواسطة كهرباء يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة وهو ما يُعرف بطريقة “التحليل الكهربائي”.ويعد الهيدروجين الأخضر وقودا نظيفا كونه خاليا من الكربون ولا يتسبب في أي انبعاثات ضارة، فضلا عن كونه يحتوي على 3 أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري.

ويمكن استخلاص الهيدروجين من الفحم وفي هذه الحالة يطلق عليه “الهيدروجين البنّي”، كما يُستخلص من الغاز والنفط ويطلق عليه “الهيدروجين الرمادي”.وفي الوقت الراهن يعد الغاز الطبيعي هو المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين على مستوى العالم.وحاليا يتم إنتاج نحو 120 مليون طن من الهيدروجين سنويا على مستوى العالم، وتعتمد الجهات المصنعة على الغاز والفحم الأحفوري لإنتاج 95% من الكميات المتاحة عالميا من الهيدروجين.وقد دعت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير أصدرته عام 2019، إلى الاستثمار في الهيدروجين باعتباره وسيلة مرنة متعددة الاستخدامات، بحيث يمكن استخدامه وقودا نظيفا يوازن بين مصادر الطاقة المتجددة الأخرى في توليد الكهرباء وتوفير الطاقة منخفضة الكربون لمسافات طويلة، وتخزين الكهرباء.وتتجه دول كثيرة نحو الاستثمار في إنتاج الوقود الأخضر، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي، والمعاناة العالمية من أزمة الطاقة، وتنشط في ذلك بشكل خاص كل من فرنسا وألمانيا والدانمارك وإسبانيا وبلجيكا والهند.ويُتوقع وصول الاستثمارات في هذا السوق إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2050، حيث سيُستخدم الهيدروجين الأخضر بشكل رئيسي في قطاعات الصناعة والنقل والإنشاءات والطاقة.الإستراتيجية الوطنيةفي تموز عام 2021، وجه السيسي بإعداد إستراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر باشتراك القطاعات المختلفة في الدولة، ومن المتوقع أن يتم إصدار تلك الإستراتيجية نهاية العام الجاري، وفق تصريحات مسؤولين معنيين.وأعلنت الحكومة، منتصف الشهر الجاري، توقيع 16 مذكرة تفاهم مع شركات عالمية للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، خلال قمة المناخ بقيمة 83 مليار دولار.وتوقع مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية، مهاب مميش، أن تشهد مصر خلال الفترة المقبلة تطورا كبيرا في مجال الهيدروجين الأخضر يؤهلها لأن تصبح مركزا مهما لإنتاج هذا النوع من الطاقة.وأشار، خلال ندوة تثقيفية بمكتبة الإسكندرية، عقدت الأسبوع الماضي، إلى توقيع القاهرة عدد من الاتفاقيات في مجال الطاقة النظيفة خلال قمة المناخ.ووفق بيانات رسمية؛ ارتفع إنتاج مصر من الطاقة المتجددة بأكثر من 22% على أساس سنوي خلال العام المالي الماضي 2020-2021، ووصل إلى 4.5 آلاف ميغاوات في الساعة، وعزت هيئة الطاقة المتجددة زيادة الإنتاج إلى تحسن كفاءة أعمال التشغيل والصيانة للمشروعات.خطوات نحو الريادةووفق تقرير صادر عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، تحاول مصر قطع خطوات واسعة نحو ريادة المنطقة العربية في إنتاج الهيدروجين الأخضر مثلما سعت من قبل لريادتها في قطاع الطاقة المتجددة.وأوضح التقرير أن إمكانات مصر تجعلها متقاربة مع الدول الأخرى من حيث الاستعداد لإطلاق مشاريع الهيدروجين الأخضر، مشيرا إلى امتلاكها مصادر رخيصة للطاقة المتجددة.وذكر التقرير أن الحكومة سنّت عدة تشريعات خلال الأعوام الثمانية الأخيرة ساعدت في إيجاد حوافز جديدة للقطاع الخاص لتحفيز إنتاج الطاقة المتجددة مثل توسيع نطاق قانون الاستثمار لعام 2017 بما يمنح الشركات العاملة في إنتاج وتخزين وتصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء خصم 30% إلى 50% من فواتيرها الضريبية وإعفاء لمدة 5 سنوات من رسوم الدمغة والتوثيق على بعض النفقات.وبيّن أن هناك حاجة إلى تطوير إجراءات تضمن حلولا تشاركية أسهل بين القطاع العام والخاص في هذا المجال، وتحسين فرص التسعير التنافسي للكهرباء المولدة من مشاريع الهيدروجين الأخضر.فرص وتحدياتورغم التصريحات المحلية والدولية المبشرة بنقلة حضارية لمصر جراء الاستثمار في الهيدروجين الأخضر إلا أن ثمة تحديات تواجه القاهرة لتوطين الاقتصاد الأخضر بها، وفق رؤية الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب.وأشار عبد المطلب في تصريحات للجزيرة نت إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تتراوح بين 4 إلى 6 دولارات للكيلوغرام، فضلا عن الاحتياج لإنشاء بنية تحتية لاحتضان تلك الصناعة.وأضاف عبد المطلب أن بعض المناطق المرشحة لإقامة مصانع إنتاج الهيدروجين الأخضر تفتقر إلى الخدمات التي تساعد على إنشاء هذه المشروعات، مبديا تخوفه من أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر قد يُرغم الحكومة على التخلي عن أنشطة اقتصادية مرتفعة العائد لكنها تضر بالبيئة.ومع ذلك، لا يستبعد الخبير الاقتصادي فرص نجاح الاقتصاد الأخضر بمصر، لافتا إلى أن الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة سيساهم في زيادة فرص النجاح.وقال “في العاصمة الإدارية، ستكون كافة المنشآت متوافقة مع البيئة، وسيتم حظر كل نشاط يسبب مشاكل للبيئة، أي أنها ستكون بداية التطبيق العملي لاعتماد الاقتصاد الأخضر بشكل فعلي”.الحكومة تستهدف الاستحواذ على 8 بالمائة من السوق العالمي للهيدروجين الأخضر- رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمد شاكر- صفحة رئاسة مجلس الوزراء على فيسبوكعوامل النجاحمن جهته أرجع مصطفى يوسف المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية أهمية الاستثمار في الهيدروجين الأخضر إلى أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولة دول الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الغاز الروسي.ويعد تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وما يستدعيه من التحول إلى الطاقة النظيفة عاملا مهما لضرورة الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وفق قول يوسف للجزيرة نت.وعن العوائد الاقتصادية للاستثمار في الهيدروجين الأخضر، أوضح أن تكنولوجيا تصنيع الهيدروجين الأخضر لا تزال في بدايتها وتستلزم وقتا حتى تصل إلى نقطة التعادل وتبدأ في تحقيق أرباح.في الوقت نفسه أكد أن تحقيق الفائدة يتوقف على عدة عوامل، منها ضخ استثمارات ضخمة في مكونات محلية الصنع ودرجة سهولة الأعمال ومؤشر مدركات الفساد.وأضاف “الاستثمار في مكونات محلية الصنع لا يتوفر في مصر حتى الآن، كما أن ترتيب القاهرة في مؤشر سهولة الأعمال هو 114عالميا وترتيبها في مؤشر مدركات الفساد هو 117 عالميا”.وأضاف الباحث الاقتصادي أن احتمالية التوسع في الاستثمار المباشر داخل مصر تبقى ضعيفة ومحدودة.واستدرك “لكن الفرصة لا تزال سانحة في حال سيادة القانون وسن تشريعات محفزة للاستثمار والقضاء على البيروقراطية ورفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد وإطلاق يد القطاع الخاص الوطني لكي يقوم بدوره في عمل شراكات مع نظرائه الدوليين”.واختتم بأن تهيئة بيئة الاستثمار داخل مصر ستنعكس إيجابيا على التنمية الاقتصادية المستدامة.”الجزيرة”