على الرغم من موسم الأعياد، والحجوزات “المفولة” إلى لبنان، وبدء نفاذ بطاقات حفلات رأس السنة، التي أسعارها كلها بـ “الفريش” دولار، وعكس كل التوقعات، ارتفع الدولار ارتفاعاً جنونياً، كاد يلامس الـ 47 ألف ليرة، قبل أن ينخفض فجأة ومن دون أي مقدمات بعد ظهر امس، وتسبب هذا الارتفاع السريع بفوضى عارمة في الأسواق اللبنانية. فما الأسباب خلف ارتفاع سعر صرف الدولار، وكيف انخفض؟ وما انعكاس هذا التقلب على اللبنانيين؟
لا منطق اقتصادي لارتفاع الدولار وانخفاضه بالطريقة التي يحصل فيها، هذا ما تؤكده غالبية الخبراء الاقتصاديين. وأكد مصدر اقتصادي رفيع في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “المسؤولين يعرفون تماماً من يقف خلف تقلب سعر الدولار، بل ان بعضهم يقف فعلاً خلف التلاعب بسعره، أو على الأقل المضاربون المحسوبون عليهم، وما يحصل هو تجارة وتحقيق أرباح لتجار السوق السوداء وبعض النافذين”.
ورأى الخبير الاقتصادي عماد فران أن ما يحصل في سوق الدولار لا يرتكز على الواقع المالي والاقتصادي في البلد، لافتاً الى أن “من الواضح وجود مافيا كبرى تحرّك الدولار كما تشاء، وهناك فلتان في السوق، ولا رقابة، وهناك دور لا تقوم به المؤسسات، لذلك من الطبيعي أن يحصل ارتفاع في سعر صرف الدولار، على الرغم من أنه من المحتم أن يرتفع، ولكن ليس بهذه السرعة، ولا بهذا الهامش الكبير لارتفاع الأسعار، وهنا حكماً المافيا هي التي تتحكم بمفاصل سعر صرف الدولار، وسط غياب شبه كلي للمعالجة المالية والاقتصادية، وهذا ما يتسبب بغياب الثقة لدى الناس، فتتفاعل مع الأرقام سلباً أو ايجاباً حتى لو كانت وهمية”.
واعتبر فران أن “سوق الدولار أصبح مثل سوق المراهنات المدبرة، فالكثيرون من التجار يعتمدون سياسة، إما إغراق السوق بالدولار لتنزيله، مثلما حصل منذ فترة وهبط 10 آلاف ليرة في يوم واحد، وإما سحبه وبدء رفع سعره كما حصل بين يوم أمس وما قبله، وهم يعرفون كم سيكون سعر الصرف، وكيف يحققون أرباحاً طائلة عبر المراهنة على ارتفاعه أو انخفاضه، وهذا ما يتسبب بفروق شاسعة في الموضوع المالي. هذه المافيا تتحكم بالسوق وتشكل خطراً على الأمن الاجتماعي، ويجب أن يكون هناك تدخل مباشر من الدولة، لضبط سوق صرف الدولار، وإقرار خطة واضحة، وسياسة مالية لضبط الازدواجية الموجودة في السوق وانعدام الرقابة”.
وأكد أن “السياسة المالية والاقتصادية مسؤولية السلطة السياسية، والسياسة النقدية مسؤولية مصرف لبنان، أما الرقابة فمسؤولة عنها السلطة التفنيذية، وبما أن الكل غائب، فالتضخم سيد الموقف”.
تستطيع الدولة أن تضبط التفلت الحاصل في السوق بسهولة، هذا ما أكدته مرجعية اقتصادية كبرى لـ “لبنان الكبير”، ولكن ليس هناك حتى نية لدى المعنيين لضبط أي شيء، وكأن هناك خطة ممنهجة لترك الوضع في حالة الفوضى هذه، وفق ما ترى المرجعية، مشيرة الى أن “المسؤولين لا يقدمون حتى على أبسط الخطوات، مثل التخفيف من استعمال الكاش وتوجيه الاقتصاد نحو الرقمية، فهذه إحدى الخطوات التي تسحب البساط من تحت التجار، كون العمليات المالية فيها مراقبة، والتوجه نحوها سهل وليس بحاجة إلى عمليات معقدة، ولذلك نرى أن هناك نية لدى جهة أو أكثر بانتشار الفوضى”.