“وحدة الدولار” بين لبنان وسوريا… والبلد أسير عصابة صرافة

24 ديسمبر 2022
“وحدة الدولار” بين لبنان وسوريا… والبلد أسير عصابة صرافة
ليندا مشلب

“المشكلة الأساسية في كل ما يحصل لنا أن لا دولة” هكذا يختصر مصدر مالي رسمي رفيع السبب الأساس والمباشر لأزمتنا محاولاً تفنيد وشرح بعض الأمور ذات التأثير المباشر على استعصاء الحلول، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “لدينا فجوة كانت تقدر بمئة و٣ مليارات أصبحت ٩٢ ملياراً هي ودائع الناس وودائع المصارف في البنك المركزي، هذه الأموال حالياً غير مستحقة ونحن نحتاج منها عمليا الى حوالي أقل من الثلاثين بقليل لكن المشكلة من أين سنأتي بها؟ هذه الأموال شطب منها جزء بالليرة اللبنانية وجزء آخر يتعلق بالفوائد التي تراكمت خلال الفترات الماضية، ثم سيشطب ما أقفل منها من تسليفات بالدولار وعمليات اللولار الوهمية (وصلنا الى مرحلة سنة الـ٢٠٢٠ فتحت فيها بعض المصارف حسابات خيالية فمن يحضر مثلاً مليون دولار يفتح له حساب بـ ٣ ملايين ونصف المليون) وغيرها من الخزعبلات وهندسات ومبالغ تم تحويلها الى الخارج… تضاف اليها عملية رفع الرساميل في المصارف والتي لم تعد ذات قيمة (مقبلون على افلاس سيطال أقله ١٥ مصرفاً في أول شباط عندما ينفذ الحاكم تعميماً جديداً يرفع فيه اللولار الى ١٥ ألفاً) يعني عملياً عندما يبدأ الحل، الأمور أصبحت واضحة والخسائر على الورقة والقلم والتأخير في حل المصائب هو فوائد لدى البعض الذي يلعبها بالسياسة وبالتجارة من تجار الأزمات الذين يحققون أرباحاً خيالية ويتاجرون بلقمة عيش الناس”.

يفكر المصدر لثوانٍ ثم يقول: “ما هذا الرياض سلامة؟ لعيب حريف، ساحر في سيرك يقلب النقد والعملة على أصابعه، يضخ هنا، يسحب من هناك، يهندس، يعمم، يلم، يرمي… والسبب الرئيس لارتفاع سعر الدولار كما بات الجميع يعلم هو أن الحاكم يكب العملة الوطنية ويسحب مقابلها الدولار، فقد أصبحت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ٧٤ ألف مليار ليرة عملة ورقية (عام ٢٠١٩ كانت الكتلة النقدية تقدر بـ ٤٥٠٠ مليار) اذ يطبع الحاكم كل شهر بين ١٠٠٠ و٢٠٠٠ مليار ما زاد نسبة التضخم بصورة خطيرة وصلت حالياً الى ٢٣٠٠٪؜”.

هل من حل للجم الارتفاع أقله بصورة مؤقتة؟، يجيب المصدر: “يمكن أن (نصطبح) غداً على دولار قيمته ٣٣ ألف ليرة من دون أن يخسر الحاكم أي ليرة اذا أراد.

منذ شهرين الكل يذكر واقعة الانخفاض المفاجئ للدولار عندما أعلن سلامة أنه سيتوقف عن شراء الدولار ما تسبب بخسارة كبيرة لدى الصرافين الكبار قدرت بـ ١٨ مليون دولار فذهب بعد يومين الى تعويض نصف خسارتهم وفتح لهم خصوصاً لتعويض ١٢٠٠ ليرة بكل دولار.

وسماسرة الدولار الكبار أصبحوا معروفين عبر شركاتهم المالية الثلاثة OMT و Sitex exchangeوBOB finance، بعضهم يحصل يومياً على ٦ الى ٧ مليارات ليرة من مصرف لبنان لشراء دولارات من السوق لصالح الحاكم وتدخل في العملية شبكة كبيرة من الصرافين عبر الشركات الثلاث الكبار”.

مافيا تتكون من مجموعة لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة تتحكم بمصير البلد تتفق بين بعضها البعض على رفع الدولار لتعويض خسائرها أو لكسب ربح معين، هذه هي لعبة الدولار التي يرأسها الحاكم ويحركها كالماريونت لتجميع مبالغ معينة حتى لا يضطر الى أن يمس بالاحتياط (استطاع خلال ثلاثة أشهر أن يلم ٧٥٠ مليون دولار). مافيا الدولار تتحكم بالبلد وللأسف معظم المواطنين دخل اللعبة وقبل بها من خلال منصة صيرفة التي صرفت نظرهم عن الوضع المأسوي وتحركات الشارع والنق وأصبح هم الجميع كل شهر أن يقبضوا من صيرفة ويصرفوا من السوق السوداء لكسب هامش ربح يعتقدون فيه أنهم ربحوا بينما هم الخاسر الأكبر لأن مقابل هذا الربح يخسرون من قدرتهم الشرائية ومن ودائعهم ومن كل شيء والأخطر أنهم أصبحوا يتقبلون ارتفاع الدولار، وعلى العكس يفرحون به باعتبار أنهم سيصرفون على سعر أعلى من دون أن يعوا أنهم يتلهون بلعبة خطيرة جداً سيستفيقون منها على دولار خيالي وواقع مالي ونقدي لا يمكن وصفه الا بالكارثي”.

ويشرح المصدر سبب ارتفاع سعر الدولار في الأسبوعين الأخيرين، قائلاً: “اليوم نحن بحاجة الى كمية معينة من الدولارات لسد احتياجات السوق اللبناني يضاف اليه السوق السوري فهناك من يعمل على لم دولارات بكميات هائلة للسوق السوري للاحتياط الاستراتيجي (الفيول، المازوت، القمح…) بصورة مباشرة وغير مباشرة بسبب شح العملة الأجنبية في السوق السوري بصورة مخيفة وفي الوقت نفسه السوق اللبناني زاد استهلاكه للعملة (زيادة الرواتب والأجور سبب اضافي لا يستهان به) فمنذ ثلاثة أشهر فقط اشترى الحاكم من السوق دولارات بقيمة ٧٠٠ مليون دولار من ١٥ أيلول حتى ٣٠ تشرين الأول فقط، مدة كانت كفيلة برفع الدولار من ٣٠ الى ٤٠ ألف ليرة. وحالياً يعمل على لم الدولارات لتأمين الكهرباء بالاضافة الى القطاع العام أي أن سياسة (من دهنو سقيلو) هي التي تقلب أمن الناس الاجتماعي على نار الدولار الكاوية، فكتلة الرواتب في القطاع العام وحدها التي كان حجمها ١٠٠٠ مليار شهرياً أصبحت ٣ آلاف مليار أي حوالي ٣٥ ألف مليار سنوياً، وهذا يتطلب مضاعفة تأمين الدولارات ٣ مرات (نطبع ليرات لشراء الدولارات) فدويخة صيرفة تلف اللفة وتعود الى المصرف المركزي الذي يدفع الفرق بينها وبين السوق السوداء من جيبته، والناس رضيت بهذه اللعبة ودخلت فيها من حيث تدري أو لا تدري، واللبناني الحربوق يمتهن دائماً سياسة التشاطر فيبتغي الربح على المدى القريب لكنه عملياً يخسر الكثير لأن اقتصاد البلد الى مزيد من التدهور وغلاء المعيشة يرتفع صاروخياً، تماماً كما حصل في السنوات السابقة مع تثبيت سعر الصرف والافادة من الفوائد العالية، فكلما نضخ ليرات سيزيد مقابلها الطلب على الدولارات يضاف اليها أزمة الفيول الذي زاد عالمياً (العام الماضي استوردنا بـ ٣ مليارات وهذا العام ٦ مليارات) واذا ما أضيف اليها تغذية الاقتصاد السوري باحتياجاته الأساسية الاستراتيجية والممنوع أن تمر مباشرة من سوريا بسبب قانون قيصر، تصبح كل هذه العوامل واضحة في أسباب ارتفاع سعر الدولار”.

يضيف المصدر: “لبنان استورد في الأشهر العشرة الأولى من السنة بحدود الـ ١٥ مليار دولار، وهذا الرقم ليس لاستهلاكنا المحلي الذي تراجع الى حدوده الدنيا انما لاستهلاك لبنان وأساسيات الاقتصاد السوري، ومن رفع يوماً شعار وحدة المسار والمصير لم يخطئ، فبنظرة شمولية يمكن مراقبة سعر صرف الدولار السوري ومقارنته مع اللبناني ليتبين أن نسبة هبوط العملة السورية توازي نسبة هبوط العملة اللبنانية (عندما كان الدولار في لبنان ٣٠ ألفاً كان سعره في سوريا خمسة آلاف، الآن الدولار في لبنان ٤٦ ألفاً وفي سوريا ٦٣٠٠ أي نسبة الخسارة نفسها من العملة الوطنية ٢٥٪؜ خلال شهر و٩٧٪؜ منذ بداية الأزمة) وهذا دليل على وحدة مسار الدولار الذي سيرتفع من دون مسار مرصود وواضح، والتاريخ ماثل أمامنا فقد استمرت الأزمة بالتصاعد عام ١٩٨٣ حتى العام ١٩٩٢ عندما سجل الدولار ٣٠٠٠ ليرة (٩ سنوات والعملة تخسر مقابل الدولار) حينها كانت العوامل الاقتصادية أخف بكثير من وضعنا الحالي الذي زادت عليه أثقال مخيفة من حجم استهلاك ضخم الى تضخم الى كتلة كبيرة من القطاع العام يضاف اليه مليونا نازح سوري وأزمة سورية دولارية وهذه العوامل لم تكن موجودة في الـ٨٩ والـ٩٠ ما يدفعنا الى توصيف الأزمة الحالية بأنها غير مسبوقة، واذا كنا قد احتجنا الى ٤ سنوات حينها لتثبيت سعر الصرف من ٣ آلاف الى ١٥٠٠ مع رافعة الطائف التي أرست استقراراً والشهيد رفيق الحريري عملاق الاقتصاد في ذلك الوقت، فكيف الآن ونحن متروكون لقدرنا من دون مؤشر رافعات قادمة باتجاهنا؟”.