وسط المصاعب الاقتصادية التي تعانيها مصر، تشير تقارير إعلامية إلى تحركات تجريها الجهات الرسمية لبيع حصص حكومية في الشركات، في خطوة تحاول الدولة من خلالها الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المالية الدولية، إذ يبلغ عبء خدمة الدين الذي يتعين على القاهرة سداده في 2022-2023 حوالي 42 مليار دولار، وفق البنك الدولي.
وتسعى الدولة المصرية، والتي تعتبر واحدة من بين خمس دول في العالم معرضة لفقدان قدرتها على “سداد الديون” وفق وكالة “موديز”، لتوفير أكبر قدر من عملة الدولار.ويعمل صندوق “ما قبل الطروحات” وهو صندوق تابع لـ”صندوق مصر السيادي” بالتحضير من أجل عرض شركات حكومية تقدر بنحو 6 مليارات من أجل بيعها، والتي ستتم بشكل متدرج إذ يتوقع أن يعلن عن شريحة أولى من الشركات في يناير الحالي، بهدف تحقيق إيرادات قد تصل لـ 3 مليارات دولار، بحسب تصريحات إعلامية سابقة لوزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد.
فيما أكدت تقارير إعلامية أن صندوق مصر السيادي ضم عدة شركات تمهيدا لبيع حصص فيها، والتي تضم شركات تأمين وأخرى تعمل في مجال مشتقات النفط إضافة إلى مؤسسة مالية هامة.وتأتي هذه الخطوات بعدما أقرت السلطات المصرية في نهاية ديسمبر الماضي “وثيقة سياسة ملكية الدولة” التي تحدد 62 من الأنشطة الاقتصادية التي ستنسحب الدولة منها لصالح القطاع الخاص. وكانت الوثيقة مطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي، الذي وافق هذا الشهر على حزمة دعم مالي مدتها 46 شهرا بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمصر، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.الخبير الاقتصادي المصري، وائل النحاس، قال إن “عام 2023، سيكون عام بيع الأصول والشركات التابعة للدولة المصرية، ناهيك عن أنه عام تسيطر فيه حالة عدم اليقين”، مؤكدا أن “الأسبوعين المقبلين قد يحددان مسار الاقتصاد المصري للفترة المقبلة”.ويضيف نحاس لموقع “الحرة” أن “الاقتصاد المصري في مرحلة خطيرة، وفي فبراير المقبل على الدولة سداد 3.1 مليار دولار، وفي مارس يستحق دفع 5.4 مليارات دولار، وهو ما سيشكل اختبارا حقيقيا عما إذا كانت الحكومة ستنجح في إدارة الأزمة الاقتصادية أم لا”.
وأضح النحاس أن نجاح خطة الاصلاح الاقتصادي أو فشلها سيكون لها تأثير كبير على “الانتخابات الرئاسية في البلاد، خاصة وأن باب الترشح له سيكون في الربع الأخير من العام الحالي”.لم تحدد وثيقة سياسة ملكية الدولة الأنشطة الاقتصادية التي سيتم التخارج منها لصالح القطاع الخاص، إلا أنه في مايو الماضي حددت الدولة مجموعة من الأصول الحكومية التي ستعرض على مستثمري القطاع الخاص، وشملت الأعمال صناعة السيارات الكهربائية ومراكز البيانات وشبكات النفط والغاز، بحسب رويترز.الباحث في الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام للدراسات، سامح راشد، قال إن الحكومة المصرية “تسعي إلى جذب رؤوس أموال واستثمارات جديدة لتبث الحياة في شرايين الاقتصاد، وهذا ما يدفعها إلى التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية، تحت وطأة الضغوط الشديدة التي يتعرض لها اقتصاد البلاد”.وأكد راشد لموقع “الحرة” أن هذا الأمر “يلبي مطالب صندوق النقد الدولي بالحد من الدور الحكومي أو دور المؤسسة العسكرية في حركة الاقتصاد المحلي، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للعمل”، مشيرا إلى أنه “قبل ثلاثة أعوام أعلن عن توجه لطرح بعض شركات الجيش في البورصة، إلا أن تنفيذ هذه الخطوة لم يتبلور بشكل واضح”.وتابع أن “الالتزام بوصفة صندوق النقد سبب مهم، لكنه ليس الوحيد. فسياسة الخصخصة لها دوافع ذاتية أيضا”.ووافق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار تسدد على 46 شهرا. ويبين راشد أن خطوة البيوعات سترافقها خطوات أخرى ” برفع الدعم الحكومي كاملا عن بعض السلع والخدمات الاستراتيجية، وخفض عدد العاملين في المؤسسات الحكومية، وتشجيع الاستثمارات الخاصة والأجنبية، والتي تترافق مع تحرير سعر صرف العملة الأجنبية”.وهبطت أسعار صرف الجنيه المصري، الأربعاء، بأكثر من 100 في المئة مقابل الدولار، قبل أن تصبح نسبة التراجع 91 في المئة، بعدما خفضت قيمة العملة المصرية للمرة الثالثة في 10 أشهر، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بحسب تقرير نشرته وكالة فرانس برس.الجنيه المصريوتظهر الأرقام انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 50 في المئة عما كان عليه في مارس الماضي، ليصبح يتداول ضمن مستويات 29-32 جنيه مقابل الدولار، مقابل مستوى 15 جنيه مقابل الدولار في مارس الماضي.خبير الاقتصاد أستاذ التمويل المصري، مدحت نافع، يقول إن “وثيقة ملكية الدولة حددت سياسة انسحاب الدولة من بعض القطاعات وبقائها في قطاعات استراتيجية محددة وذلك ضمن نطاق ثلاث سنوات”.وأضاف لموقع “الحرة” أن “الدولة المصرية تسير باتجاه عكسي بمختلف أذرعها للاستثمار، والتي ستتم إما من خلال آليات سهلة ببيع هذه الشركات بشكل مباشر، أو سيتم طرحها للتداول في البورصة في السوق الثانوية”.وأكد أنه ليس عام “2023 الذي سيكون عام بيع الأصول أو التخارج من الشركات، إذ أن الأعوام المقبلة ستشهد أيضا هذا النوع من الممارسات الاقتصادية، والتي ليست بهدف تلبية متطلبات الصندوق، إنما لوجود إيمان لدى الحكومة بعدم وجود أي بديل عن القطاع الخاص لتحريك الاقتصاد”.وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، بلغ “معدل التضخم السنوي حوالي 22 في المئة في شهر ديسمبر 2022 مقابل 6.5 في المئة في الشهر نفسه من العام السابق”، وأرجع الجهاز الزيادة في معدل التضخم إلى ارتفاع أسعار “الطعام والمشروبات” بنسبة 38 في المئة.الخبير نافع يرى أن “إيرادات خروج الحكومة من الشركات لا يجب توجيهها نحو الخزينة، وإنما إبقائها ضمن عجلة الاقتصاد بشكل عام، إذ أن الخزينة عادة ما تبحث عن تدفقات مالية”.ويرى أنه يمكن استغلال جزء من هذه المبالغ في المساعدة بخروج مصر من الأزمة الاقتصادية، بسداد بعض الديون وتقليل الفجوة التمويلية التي يعانيها الاقتصاد.(الحرة) من جانبه يبين النحاس أن انسحاب الدولة من الأصول والشركات والمصانع والمؤسسات المالية المملوكة أكان للحكومة أو حتى للجيش “ستوفر إيرادات للخزينة من جهة، وستعطي دفعة للقطاع الخاص من جهة أخرى ليعمل بحرية بشكل أكبر”، إذ تريد الحكومة تحقيق 10 مليارات دولار سنويا من خلال بيع أصولها على مدار عدة سنوات مقبلة.ويدعو الخبير النحاس إلى وضع ضوابط على الجهات الاستثمارية وعمليات البيع، حتى لا تتحول إلى “استثمارات سلبية” مشيرا إلى أنه خلال السنوات الماضية أعلن عن صفقات استحواذ أجنبي “لشركة للمشروبات وشركة تعمل في صناعة الغسالات والثلاجات، ولكن بعدها تم تصفية هذه الشركات بشكل متعمد وإخراجها من السوق”.وحذر من “تحويل هذه الشركات من سيطرة الحكومة المصرية، لتصبح في يد جهات استثمارية أجنبية واحدة، إذ يجب مراعاة التنويع في الملكيات حفاظا على الأمن الاقتصادي”.وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي في مصر إلى 34 مليار دولار مقابل 41 مليار في فبراير. ويشمل هذا الاحتياطي 28 مليار دولار من الودائع التي أودعتها دول الخليج الحليفة لمصر لدى البنك المركزي المصري.وبسبب أزمة النقد الأجنبي التي ساهم فيها خروج قرابة 20 مليار دولار من مصر بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، قامت معظم البنوك بتقييد السحب بالدولار خارج مصر، كما رفعت عمولة استخدام البطاقات الائتمانية في عمليات الشراء في الخارج من 3 في المئة إلى 10 في المئة.الباحث راشد يرى أن “الدوافع الرسمية ليست محصورة في طلبات الصندوق، إذ أنه يوجد عجز شديد في ميزان المدفوعات المصرية، وهو من الأسباب الأساسية وراء تراجع قيمة العملة المحلية، ما يعني أن الحكومة في حاجة ماسة إلى سيولة مالية تغطي ذلك العجز ولو جزئيا، خاصة في ظل تراكم أقساط ديون خارجية سابقة، فضلا عن استحقاقات خدمة الديون”.ولا يعتقد أن بيع الأصول والشركات سيحل “أزمة الاقتصاد المصري، لأن البيوع تجلب أموال وربما تقلل الفجوة في ميزان المدفوعات، وكذلك بالنسبة لسعر الصرف، لكن كل ذلك يندرج في نطاق السياسات النقدية، وهي مجرد جزء من نطاق أوسع ضمن السياسات المالية”.ويرى راشد أن “الأزمة الاقتصادية المصرية هيكلية أي أن الخلل في صميم دولاب الاقتصاد لأنه غير إنتاجي، فلا هو صناعي ولا زراعي، وهو اقتصاد ريعي بالأساس وخدمي إلى حد ما. وبالتالي أي معالجات جزئية للوضع النقدي ستظل مؤقتة، وعلى العكس تلك الحلول النقدية أو حتى تعديل السياسات المالية، قد يعني تأجيل الأزمة وتعميقها وليس حلها”.وأشار إلى أن “المبيعات المفترضة للأصول لن تفي باستحقاقات المستقبل خصوصا فيما يتعلق بالديون الجديدة والمتراكمة، ناهيك عن أن كل صفقة بيع هي خصم من قدرات الدولة الشاملة في جانبها الاقتصادي، خاصة إذا كانت المبيعات لأصول ذات طابع استراتيجي أو لها أهمية كبيرة، فلهذه المسكنات المؤقتة مخاطر شديدة متوسطة وطويلة الأجل، على الاقتصاد الكلي وبالتالي على الأمن القومي المصري”.ويعتبر راشد أن “نصائح ووصفات صندوق النقد لم تنجح أبدا في إنقاذ الاقتصادات المتعثرة والضعيفة، فهي كما في المثل الصيني تقرض الجائع سمكة لكنها لا تعلمه الصيد”.تراجع في قيمة عملات دول عربية أمام الدولار الأميركي. أرشيفيةأزمة الدولار عربيا.. ما المشكلة؟تشهد العديد من الدول العربية أزمات في أسعار عملتها أمام الدولار الأميركي، حيث تعاني دولا مثل العراق ومصر ولبنان والسودان وتونس من تراجع في قيمة عملاتها ناهيك عن عدم القدرة على توفير الدولار في بعضها.واتخذت الحكومة المصرية قرارات عدة نشرتها الجريدة الرسمية مؤخرا، لترشيد الإنفاق العام لمواجهة الأزمة، بينها “تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء فيها ولها مكون دولاري واضح”.وفي ديسمبر الماضي، قالت فلادكوفا هولار، رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر في مقابلة مع رويترز إن “خطوات تعزيز القطاع الخاص قد تصبح “إجراءات ذات أولوية” يجب اتخاذها قبل الحصول على أي دفعات مستقبلية من الصندوق.ويقول خبراء اقتصاديون بحسب الوكالة إن أحد أسباب مواجهة مصر صعوبات في جذب الاستثمار على الرغم من برامج الصندوق المتكررة وخطط الإصلاح هو الدور الكبير الذي تلعبه الدولة والجيش في الاقتصاد.وخفض صندوق النقد توقعاته بالنسبة لمعدل النمو الاقتصادي في مصر للعام المالي 2022/2023 ليبلغ 4 في المئة بدلا من 4.4 في المئة في السابق.