ايران تفتح الباب امام استيراد السيارات المستعملة… ما مصير السيارات داخل البلاد؟

13 فبراير 2023
ايران تفتح الباب امام استيراد السيارات المستعملة… ما مصير السيارات داخل البلاد؟


لم يمضِ شهر على وصول أول شحنة من السيارات الأجنبية إلى الأراضي الإيرانية حتى صادقت لجنة الصناعات والمناجم البرلمانية على مشروع قرار يقضي باستيراد السيارات المستعملة، في إطار سياسة الحكومة الرامية إلى “تعديل الأسواق وتنافسية قطاع صناعة السيارات”.

وكانت السلطات الإيرانية رفعت في مايو/أيار الماضي الحظر الذي فرضته الحكومة السابقة -قبل نحو 5 أعوام- على واردات السيارات الأجنبية من أجل توفير العملة الصعبة، وردا على خروج الشركات الأجنبية من الجمهورية عقب عودة العقوبات الأميركية عليها عام 2018.وخلافا لما كان متوقعا، استقبلت الأسواق الإيرانية السيارات الأجنبية بالارتفاع، في مؤشر على عطش السوق المحلية وعجز الخطوة الأخيرة عن تلبية الطلب المتزايد على سيارات الركاب، مما مهّد الطريق لموافقة البرلمان على استيراد العربات المستعملة، إلا أن الخطوة أثارت تساؤلات كثيرة عن الآلية الجديدة، وقدرتها على التحكم بالأسعار، ومصادر التمويل، في ظل العقوبات المالية على الاقتصاد الإيراني.لماذ لجأت طهران إلى استيراد السيارات الأجنبية؟يعود تاريخ استيراد السيارات في بلاد فارس إلى 123 عاما خلت إبان حقبة الملك “مظفر الدين شاه” (1896-1907) خامس سلاطين السلالة القارجارية. وفي العهد البلهوي الثاني تمكنت شركة “إيران ناسيونال” -التي تحول اسمها إلى “إيران خودرو” بعد ثورة 1979- من إنتاج سيارتها الأولى بيكان (Peykan) عام 1967، ومنذ ذلك الحين واصلت أسعار السيارات ارتفاعها ولم تنجح السياسات الحكومية المتعاقبة في التحكم بها.وإلى جانب استمرار تدفق السيارات الأجنبية إلى البلاد، سمحت السلطات الإيرانية إبان الحرب مع العراق (1988-1980) باستيراد السيارات المستعملة، لكنها سرعان ما أعلنت إخفاقها ومنع واردات العربات المستعملة.وبعد انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الأجنبية على الاقتصاد الإيراني، اتخذت الحكومة السابقة عام 2018 قرارا بحظر استيراد 1339 سلعة منها السيارات، في إطار سياسة الاقتصاد المقاوم وتوفير العملة الصعبة، مما ضاعف الطلب على الإنتاج المحلي.وإثر النقص الحاد في العرض وتزايد الأسعار في سوق السيارات تماشيا مع الطرازات الأجنبية، وجدت الحكومة الإيرانية الحالية في الواردات خيارا للموازنة بين العرض والطلب وتعديل الأسعار ورفع التنافسية في القطاع الذي يعاني تراجع الجودة منذ عقود.لماذا تراجعت الحكومة عن حظر استيراد السيارات المستعملة؟ ومن أين تستورد؟لدى إعلانه عن رفع الحظر على واردات السيارات الأجنبية، أكد وزير الصناعة والمناجم والتجارة رضا فاطمي أمين، بادئ الأمر، أن القرار الحكومي لن يشمل واردات السيارات المستعملة. لكن بعد موافقة البرلمان على استيرادها، أكد المتحدث باسم وزارة الصناعة والمناجم والتجارة، أميد قاليباف، أن السيارات المستعملة سيتم استيرادها العام الإيراني المقبل (سيبدأ في 21آذار/ المقبل) عبر المناطق الحرة حصرا.ويقع جل المناطق الحرة في المحافظات الجنوبية المطلة على المياه الخليجية، وكان قد دأب التجار خلال العقود الماضية على استيراد شتى طرازات السيارات الأجنبية من الدول الخليجية سيما الإمارات وسلطنة عُمان عبر المناطق الحرة القريبة منها.في غضون ذلك، أفادت صحيفة “جوان” برسو السفن المحملة بالسيارات المستعملة في ميناء بوشهر خلال الأيام القليلة الماضية، وتوقعت دخولها الأراضي الإيرانية خلال الفترة المقبلة.وكانت لجنة الصناعات والمناجم بالبرلمان الإيراني وافقت على استيراد السيارات المستعملة التي لم يمض على تاريخ تصنيعها مدة تزيد على 8 سنوات تسبق تاريخ الاستيراد، ولا يقل عمرها عن 5 سنوات.وجاء في بيان اللجنة البرلمانية أنها تسمح للحكومة باستيراد السيارات المستعملة بدءا من العام الإيراني المقبل، وذلك من أجل رفع الضغط عن الطلب المتزايد على السيارات المحلية، وتعديل الأسعار الآخذة في الارتفاع، ودعم قطاع النقل العام، وخفض حجم الوقود المستهلك، والمساعدة في حل أزمة تلوث الجو، وتقليل الأحداث المرورية.من جانبها، أعلنت جمعية مستوردي السيارات دعمها للجنة الصناعة والمناجم البرلمانية في مصادقتها على مشروع قرار استيراد السيارات المستعملة، واصفة الخطوة بأنها تصب في صالح الشعب، وستؤدي إلى تراجع كبير في أسعار المركبات.لماذا أثارت الخطوة معارضة بعض الأوساط الإيرانية؟يصف سكرتير جمعية مصنعي السيارات، أحمد نعمت بخش، السيارات المستعلمة بأنها مرتفعة الاستهلاك في الوقود، وأنها بحاجة إلى صيانة مستمرة وتبديل العديد من قطع الغيار، إلى جانب تداعياتها السلبية على ظاهرة تلوث البيئة، مما يجعلها “غير اقتصادية” ناهيك عن أن بعض السيارات المحلية أرخص من نظيراتها الأجنبية المستعملة.وفي حديثه للجزيرة نت، ينتقد عالم الاقتصاد الإيراني الدكتور حسين راغفر موافقة السلطات على استيراد السيارات الأجنبية لا سيما المستعملة منها، علی ضوء الحصار الاقتصادي المفروض علی البلاد وصعوبات إدخال عوائد الصادرات.وأضاف أن السماح للشركات المحلية المصنعة للسيارات باستيراد المركبات الأجنبية سيحرف طاقاتها نحو التجارة، وأن أغلب شركات القطاع الخاص قد تحولت بالفعل إلى ورشات لتجميع السيارات الأجنبية.وتعتبر “إيران خودرو” و”سايبا” من كبريات الشركات المصنعة للسيارات في الجمهورية، وقد سمح لهما باستيراد السيارات الأجنبية. وهما تنتجان نحو 90% من مجموع مركبات البلاد، وتمتلك الدولة بين 14 و16% من أسهم الشركتين.كما توجد العديد من الشركات الأخرى ضمن القطاع الخاص منها “بارس خودرو” و”كرمان موتو” و”زامياد” و”بهمن” و”مديران خودرو” التي تصب جل طاقاتها في تجميع السيارات الأجنبية لا سيما الصينية منها.وتشكل صناعة السيارات في إيران 3.5% من الناتج القومي الإجمالي، وفق آخر الإحصاءات التي نشرتها وكالة أنباء فارس شبه الرسمية.كيف تموّل صفقات السيارات المستوردة؟على الصعيد الرسمي، سنّ البرلمان في مايو/أيار الماضي قانونا يلزم البنك المركزي بتوفير مليار يورو لاستيراد السيارات الأجنبية بالمرحلة الأولى، كما أن الحكومة اقترحت ملياري دولار لهذا الغرض بميزانية العام المقبل (سيبدأ في 21 آذار المقبل).ويعود الدكتور راغفر فيقول إن الثروة الوطنية وفي مقدمتها عوائد النفط ستكون الضحية الأولى لسياسة استيراد السيارات، موضحا أن هناك أصولا إيرانية مجمدة في عدد من الدول الأجنبية بما فيها الصين وكوريا الجنوبية ستتم مقايضتها مع السيارات المستوردة من تلك الدول.وتابع أنه -إلى جانب عوائد النفط المجمدة بالخارج- تواجه بعض الشركات الأخرى صعوبات كبيرة جدا في إعادة عوائد صادراتها إلى البلاد ليتم استخدامها لتمويل صفقات السيارات المستوردة، على أن يتم تسديد تلك المبالغ جراء بيع الواردات بالداخل.وبالرغم من أنه لا توجد إحصاءات موحدة عن عدد العاملين بقطاع السيارات في إيران، فإن بعض وسائل الإعلام تتحدث عن مليون عامل وموظف يعملون بشكل مباشر وغير مباشر بالقطاعين الحكومي والخاص.(الجزيرة)