تتدحرج العلاقة بين مصارف لبنان والقاضية غادة عون من سيّئ الى أسوأ، ويتفاقم حجم المشكلات الناتجة عن إصرار القاضية عون على السير بالتحقيق مع 5 مصارف كبرى بناءً على دعوى قضائية مقدمة من مجموعة ناشطين، يجري تداول قربهم من جهات سياسية محددة، تتبنى موقفاً وعقيدة معاديين للمصارف عموماً، وللحريات الاقتصادية خصوصاً.
أمام هذا الواقع، وبعدما لجأت رئيسة الغرفة الثانية في محكمة التمييز في بيروت، القاضية مادي مطران إلى الحجز على ممتلكات وموجودات فرنسبنك، ضماناً لتنفيذ حكم لتحصيل ودائع عدد من الزبائن، أعلنت مصارف لبنان إضرابها المفتوح، تضامناً مع المصرف، مهدّدة بالتصعيد والذهاب نحو مواجهة أشمل قد تصل الى إيقاف عمل الصرافات الآلية التي لا تزال المتنفس المالي الوحيد الذي يؤمن للمواطنين السيولة بالليرة، والدولار للموظفين والعسكريين على سعر صيرفة.10 أيام وأكثر مرت على إضراب المصارف، ولا تزال الأمور عالقة في مكان يجهل معظم متابعي هذه المعضلة كيفية الخروج منها، حيث إنه كلما لاحت بوادر حلّ أو تسوية تعيد الأمور الى نصابها الطبيعي، وتفتح باباً للولوج الى حل تعيد المصارف بموجبه فتح أبوابها من جهة، ويقوم القضاء بواجبه من جهة أخرى بعيداً عن “الاستنسابية”، يحصل ما يعيد الأمور الى المربع الأول، ويزيد التشنج وشد الحبال بين الجهتين. ويضع مطلعون الحراك العنفي الذي مارسه محتجون ومتظاهرون في منطقة بدارو، على 4 فروع للمصارف، وعند مدخل منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير، في سياق تسخين الأجواء، وتوجيه الرسائل السياسية، بما يخدم مصلحة قوى سياسية وحزبية، تسعى الى فرض حلول اقتصادية نقدية تتماهى مع ثقافتها وعقيدتها، ونظرتها لمستقبل ومصير القطاع المصرفي لبنان.ثمة من يستثمر في غضب الناس المحق والمشروع، على ضياع جنى أعمارهم، لكنه أعاد ترتيب المسؤوليات وفق مصالحه في السياسة والسلطة، فأخرج الدولة من مسؤوليتها في استنزاف احتياطات مصرف لبنان، وأموال المصارف المودعة لديه، وأدار بوصلة الغضب الشعبي نحو المصارف فقط، التي تلقت الملامة والتكسير بسبب تماسّها المباشر مع المودعين، وبسبب سوء الصورة النمطية عنها، التي صنعتها الآلة الإعلامية للسلطة لشيطنة المصارف وتحميلها وحدها مسؤولية الانهيار وضياع الودائع. ماذا ينتظر القطاع بعد؟بعد الادعاء على “عوده” و”سوسيته جنرال” بجرم تبييض الأموال، قررت القاضية عون ختم مركز الداتا العائد لبنك بيروت، علماً بأن رئيس مجلس إدارته سليم صفير الموجود في أستراليا حالياً في مهمة لتعيين مدير عام لمصرفه هناك، كان قد طلب مهلة من عون لتقديم المعلومات التي تطلبها، ولكنها وفق المعلومات وتخوّفاً من التلاعب بالقيود قبل تسليم المستندات أمرت بختمه بالشمع الأحمر. فهل تلجأ جمعية المصارف الى التصعيد أكثر؟مصادر مصرفية أكدت أن “القاضية عون تتعامل بمزاجية أحياناً مع المصارف، إذ تعطي مهلاً للتعاون معها ثم تبدّل رأيها في نهاية الأسبوع، بما يوحي أن ثمة مرجعيات تضغط في اتجاه محدد. ولكن في المقابل، لا تنفي المصادر أن ثمة اتصالات ومساعي على أعلى المستويات وعلى أكثر من صعيد سياسي وقضائي للوصول الى معالجة هذه المعضلة، خصوصاً أن ثمة دعاوى يجري العمل عليها في حق مصارف جديدة بعد انتهاء المهل المعطاة لهم، علماً بأن الادعاءات التي تقوم بها عون بجرم تبييض الأموال لها تداعيات خطرة على عمل المصارف في الخارج وتعاون مصارف المراسلة مع المصارف المدعى عليها”. وعن مصير الإضراب المفتوح الذي أعلنته الجمعية، تؤكد المصادر أن الإضراب مستمر حتى الساعة ولا قرار بالعودة عنه حالياً خصوصاً في ظل عدم وجود أي بوادر إيجابية حتى الآن، علماً بأن الجمعية ستأخذ في الاعتبار مصالح المواطنين والموظفين الذين سيقبضون رواتبهم آخر الشهر، مع تسهيل الأمور الطارئة للمودعين.خلفيات الادعاء على “عوده”؟أخيراً، صدرت 3 قرارات قضائية، أضافت زيتاً على نار التشنجات، والصراع على الحقوق والصلاحيات. الأول، قضى بالحجز على موجودات وممتلكات فرنسبنك، ما دفع بجمعية المصارف الى إعلان الإضراب العام في القطاع. الثاني، ادعاء القاضية غادة عون على بنك عوده، وعلى رئيس مجلس إدارته وأحد مديريه العامين، بتهم خطيرة أثارت استهجاناً واستنكاراً في الساحتين المصرفية والقانونية، والثالث بحق “سوسيته جنرال”. مصدر في بنك عوده “أبدى استغرابه من القرار، واعتبره خروجاً عن الأصول والأعراف القانونية. فالقاضية عون تحقق مع البنك، بناءً على شكوى ملتبسة شكلاً ومضموناً. فهي من جهة الحقوق، مقدمة من مجموعة ليست من مودعي “عوده”، وتالياً كان لزاماً عليها، بعد اعتراض البنك، رد الدعوى شكلاً لعدم توفر أي صفة لديهم للادعاء، عدا عن أن الدعوى مرفوعة ضد جميع مصارف لبنان، إلا أن القاضية عون انتقت استنسابياً 6 مصارف فقط وفي مقدمها بنك عوده”. المصدر أكد أن البنك، “التزاماً بتاريخه في احترام القانون والقضاء، في لبنان وخارجه، حيث يعمل في عشر دول عربية وأوروبية، تعاون كلياً مع القاضية غادة عون، عبر خبراء انتدبتهم بنفسها للتدقيق وليس البنك، وزوّدها بمئات الصفحات عن المعلومات التي طلبتها، بخصوص قروض مصرف لبنان، وبالهندسات المالية التي أجراها البنك، وهي معلومات تتعلق بالمصارف وغير خاضعة للسرية المصرفية”، لكن يبدو وفق المصدر “أن قراراً ذا مصدر غير قضائي اتخذ مسبقاً بحق بنك عوده، والمطلوب لم يكن الحصول على هذه المعلومات التي تتطلب قراءتها شهوراً، بل المطلوب ربما هو التصعيد والحصول على معلومات مصرفية شخصية، اصطياداً لما قد ينتج عنها من معلومات قابلة للاستغلال، وللتسريب الإعلامي”. يضيف المصدر أن “مستشاري بنك عوده القانونيين، حذروه من مغبّة رفع السرية المصرفية عن هذه المعلومات، إلا من تاريخ نشر القانون رقم 306/2022 في الجريدة الرسمية، أي من تاريخ 3/11/2022، وذلك عملاً بقاعدة عدم رجعية القانون. وجاء هذا الرأي مطابقاً للدراسة القانونية التي أعدّها قبل حصول النزاع، محامي جمعية المصارف، ولرأي عدد من القضاة والمشرعين، وغيرهم من القانونيين، الذين حذروا البنك من خطورة رفعه السرية المصرفية خلافاً للقانون، نظراً للمسؤولية الجزائية الناتجة عن ذلك، فالتزم عوده بالنصائح وأبلغ القاضية عون بهذا الموقف”. لكن المصدر أشار إلى “أن بنك عوده ليس لديه ما يخفيه، وهو مستعد لأن يمنح جميع المعلومات المصرفية التي طلبتها الرئيسة عون، الى هيئة مكافحة تبييض الأموال، تطبيقاً لأحكام القانون، الذي يسمح له ولهذه الهيئة بذلك”. وفي حيثيات الادعاء، يؤكد مصدر بنك عوده ان الطامة الكبرى تكمن عبر الإشارة في نصّ الادعاء الى البند (1) من المادة الثالثة من قانون “مكافحة تبييض الأموال” وخطورة الإيحاء الناتج عنها، محلياً ودولياً، وإنعكاسها على سمعة وتعامل المصرف مع المصارف الأجنبية المراسلة، التي لا تتردد في إقفال حسابات أي مصرف لبناني أو غيره، لمجرد إثارة شكوك حولها”. يتابع المصدر “أن المصارف التي تحقق معها القاضية عون، تمثل 50% من ودائع القطاع المصرفي، لذا فإن إقفال حساباتها الخارجية، سيعزل لبنان كلياً عن العالم، ويهدّد بوقف الاستيراد من غذاء ودواء ومحروقات وسواها، أي إنه سيهدّد الاقتصاد الوطني برمّته”. ويستغرب المصدر كون “الأموال التي تحقق بها الرئيسة عون هي أموال عمومية، آتية من مصرف لبنان فقط، فهل يُعقل إطلاق شبهة الأموال غير المشروعة عليها، ووصف التعامل بها بجرم تبييض أموال؟”. أما بالنسبة لـ”سوسيته جنرال”، فقد أكد في بيان أن “الخلفيات السياسية لعمل القاضية غادة عون باتت واضحة أمام الجميع من دون استثناء، كما معروف من يحرّكها ولأيّ غايات”، مشيراً الى أن البنك ورئيس مجلس إدارته أنطون صحناوي “سوف يتقدمان أمام القضاء المختصّ بجميع الدفوع ووسائل الدفاع الآيلة الى تكريس بطلان الإجراءات المعيوبة والمنحاذة المتبعة من قبل القاضية عون، وفي مطلق الأحوال، الى إصدار قرار بمنع المحاكمة عنهما لعدم ارتكابهما أي مخالفة قانونيّة من أيّ نوع كان”.من جهته دان بنك بيروت الخرق الفوري والمتمادي لقاعدة سرية التحقيق، الذي يشكل جريمة جزائية مستقلة هدفها الإساءة إلى سمعة القطاع المصرفي اللبناني ككل، وأوضح في بيان أن “تنفيذ الخبير المعيّن من القاضية عون مهمّته المتمثّلة بالاستحصال على حسابات رئيس وأعضاء مجلس إدارة ومديري ومدققي الحسابات في بنك بيروت بمفعول رجعي بدءاً من الأول من كانون الثاني 2016، صرّح بنك بيروت بأنه بحاجة إلى وقت إضافي للتدقيق في المعلومات المطلوبة. فقرّرت القاضية عون ختم مركز الداتا في المنصورية حيث الأجهزة، بالشمع الأحمر، إلى حين ورود جواب من المصرف على مهمة الخبير”.