تحت عنوان: “الذهب والفضة والاستقرار النقدي”، جاء في موقع “الاقتصادية”: إن ستينيات القرن الـ19 لم تقدم حلا سهلا للخروج من نظام المعدنين. ففرنسا كانت المتحكمة في نظام المعدنين، لكنها أصبحت أسيرة له، فقد كان بمقدورها منع الدول الأخرى من المساس بالنظام، لكنها لم تستطع إلغاء النظام دون تحمل تكلفة هائلة. وهكذا ساد نظام المعدنين، وكان محط ثقة كبيرة في الأسواق التي تعاملت مع الأصول القائمة على الذهب والفضة كبدائل شبه تامة.
وبشأن الإصلاحات في ألمانيا فقد شهدت سبعينيات القرن الـ19 تطورات هائلة. فكان النصر حليف الائتلاف الألماني بقيادة بروسيا في حربها ضد فرنسا، وسقط نابليون الثالث، ونشأت الجمهورية الثالثة والإمبراطورية الألمانية. واحتلت قوات بروسيا باريس، وكان انسحابها مرهونا بالحصول على دية ضخمة تدفعها فرنسا “أكثر من 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي” في صورة فضة وأصول أخرى. ولم يكن بمقدور فرنسا التخلي آنذاك عن نظام المعدنين. فإبطال الوظيفة النقدية للفضة كان ليحد من قدرتها على الدفع واسترداد سيادتها.وكان ذلك بمنزلة إشارة لصناع السياسات في برلين لإطلاق العنان لإصلاحات العملة – لحين نجاح فرنسا في دفع الدية فقط. لذلك تحرك الألمان بسرعة بلغت حد التهور. ففي تموز 1871، علقت مصلحة سك العملة في برلين إصدار العملات المعدنية الفضية. وبعدها بأسابيع قليلة، بدأت الحكومة الاتحادية في شراء الذهب في لندن، وفي مطلع كانون الأول، أصدر برلمان الرايخستاغ قانونا يجيز سك العملات الذهبية. وطرحت الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية العملات الذهبية الجديدة للتداول من خلال إنفاق الدية “دون البدء بالسحب من العملات الفضية”. وازداد حجم العملات المعدنية المتداولة، ما نتجت عنه دفعة تنشيطية مالية ونقدية كبيرة “وقصيرة الأجل أيضا”. وفي تموز 1873، أقر الرايخستاغ قاعدة الذهب رسميا.وربما يتساءل البعض عن السبب وراء إقرار ألمانيا عملة قائمة على الذهب وحده وليس المعدنين معا – قبل 1870، نال نظام المعدنين تأييدا واسعا بين الاقتصاديين في ألمانيا. لكن حجم العملات المعدنية المتداولة في ألمانيا لم يكن كافيا وحده لدعم نظام المعدنين العالمي. فألمانيا كانت تحتاج إلى استمرار فرنسا في الحفاظ على الرابط بين المعدنين، قبل دفع الدية وبعدها، وإلا كانت عودتها إلى قاعدة الفضة أمرا محتوما. وفشلت مساعي التعاون النقدي بالفعل في ستينيات القرن الـ19، وتراجعت احتمالات التعاون بالطبع في أعقاب النزاع المسلح.في الخامس من أيلول 1873، دفعت فرنسا القسط الأخير من الدية، حيث طرحت إصدارين من السندات لم يعرف حجمهما حتى الآن “سندات رانت تيير الفرنسية”، ما مكنها من الدفع في وقت مبكر للغاية عن التاريخ الأصلي المتوقع. وفي اليوم التالي، قررت مصلحة سك العملة في فرنسا تقليص إصدار العملات المعدنية الفضية، لينحل الرابط بين المعدنين.وكانت هذه الخطوة غير متوقعة. ففرنسا كان بمقدورها مواصلة تطبيق نظام المعدنين حتى في أعقاب إصلاحات العملة في ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية حال قبولها بتداول نسبة أكبر من العملات الفضية. لماذا عرضت نفسها والعالم إذن إلى حالة من عدم الاستقرار النقدي؟ بدت هذه الخطوة من قبيل التدمير الذاتي حتى إن دراسة Flandreau 1996 ظنت أنها بدافع القصاص. وتسبب إسقاط نظام المعدنين في أضرار لفرنسا، لكنه كان أكثر ضررا لألمانيا التي كانت تمتلك مخزونا أكبر من الفضة لم يكن من الممكن بيعه الآن إلا بخسارة كبيرة. (الاقتصادية)