هكذا تؤثر معدلات التضخم على احتفالات عيد الفطر

14 أبريل 2023
هكذا تؤثر معدلات التضخم على احتفالات عيد الفطر


ذكر موقع “سكاي نيوز”، أنّ أياماً قليلة ويحل عيد الفطر المُبارك، والذي عادة ما تصاحبه مظاهر احتفالية خاصة لدى الشعوب العربية والإسلامية، مرتبطة بأشكالٍ من الحلوى والسلع الاستهلاكية الأخرى.غير أنّ الضغوطات الاقتصادية التي تواجهها عديد من تلك الشعوب، ومع ارتفاع معدلات التضخم، تلقي بظلالٍ قاسية على العادات السنوية في مثل هذا الموسم، وتفرض مجموعة من المتغيرات الأساسية على نمط الاحتفالات في خطٍ متوازٍ مع تراجع القدرة الشرائية.

وما بين أسواق معرّضة لمزيدٍ من الركود في مواسم كانت عادة ما تكون عامرة بالطلب والإقبال الواسعين، وأسر دفعتها الضغوطات الاقتصادية إلى ترشيد نفقاتها من خلال إعادة ترتيب أولويات الإنفاق على النفقات الإلزامية الأساسية (الطعام والشراب والمسكن.. إلخ)، يأتي عيد الفطر هذا العام وكثير من الأسر العربية مُحملة بأعباء غير مسبوقة، وبما ينعكس بشكل واضح على عاداتها السنوية في مثل هذا الموسم المُنتظر.يأتي ذلك أيضاً في وقت ترسم فيه تقديرات المؤسسات الدولية صورة قاتمة لأوضاع دول المنطقة الأقل دخلاً، وهو ما أبرزته على سبيل المثال دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي، ذكرت أن:- نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف يشهد تباطؤاً في العام الجاري 2023.
– من المتوقع ارتفاع إجمالي الاحتياجات التمويلية للدول العربية (غير النفطية) إلى 384 مليار دولار خلال العامين المقبلين، لعديد من الأسباب (من بينها استمرار العجز الأولي وارتفاع مدفوعات الفائدة، وزيادة الاعتماد على التمويل قصير الأجل).
– استمرار زيادة أسعار السلع الأولية إضافة إلى نقص الغذاء، من بين أكثر المهددات حالياً، وبما تقود إليه من تبعات اجتماعية خطيرة، وكذلك تداعيات سلبية على الاستقرار المالي.
 
وتشير إحصاءات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في هذا السياق، إلى أن:- معدلات البطالة بين سكان العالم العربي هي الأعلى عالمياً بحوالي 12 بالمئة.
– ناهز عدد الفقراء الـ 130 مليون شخص في المنطقة (مع توقعات بزيادة إلى 36 بالمئة من السكان خلال 2023 و2024).
– تنعكس تلك الأوضاع الاقتصادية بشكل أساسي على القدرة الشرائية للمواطنين، وبما يدفعهم إلى الإحجام عن طلب الرفاهيات من خلال تركيز جل نفقاتهم على الأساسيات الضرورية، وبالتالي تراجع الإقبال على المظاهر الاحتفالية بالعيد بدءاً من شراء الملابس الجديدة وحتى الحلوى وخلافه.أثر جائحة كورونا والحرب في أوكرانيايقول الخبير الاقتصادي الجزائري، مختار علالي، إنه “نظراً للمستجدات الإقليمية والدولية بعد تداعيات كورونا والحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا، فإن ذلك انعكس على معدلات التضخم في العالم العربي وتأثيراتها السلبية الواسعة، وبالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط والقمح بشكل خاص”.ويشدد على أن ارتفاع معدلات التضخم ينعكس بشكل مباشر على المواطن وحجم النفقات والأعباء السنوية، الكثيرون غير قادرين على تحمل نفقات بعض السلع التي كانوا يستطيعون شراءها من قبل، في ضوء زيادة الأسعار التي تشكل عقبة كبيرة أمام النمو الاقتصادي والأوضاع المعيشية، وبما يؤدي إلى احتمال زيادة التوترات الاجتماعية والاقتصادية تبعاً لذلك.يؤثر ذلك المشهد على عادات الشعوب وتقاليدهم، لا سيما في إحياء المواسم والشعائر الدينية، وفق علالي الذي يرى أن “انخفاض الطلب بسبب ارتفاع الأسعار له دواعٍ سلبية من حيث التخلي عن إحياء بعض تلك المناسبات، وضعف الإقبال على مستلزمات الحلوى لتحضير الأطباق المعروفة والعادات المعتادة في استقبال وإحياء مثل تلك المناسبات كعيد الفطر.وفي سياق متصل، يشير إلى أن هذا التضخم المفرط أدى إلى تقليص القيمة الحقيقية للعملة المحلية في بعض الدول، وهو تضخم جامح يؤكد خروج الأوضاع الاقتصادية عن السيطرة في كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية بصفة ظاهرة، وبما ينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين.ويتابع: “السلع التي شهدت أسعارها ارتفاعاً مذهلاً هي سلع استراتيجية مثل القمح، على اعتبار أن أوكرانيا وروسيا اثنتان من كبرى الدول المصدرة له في العالم، وهما في حالة حرب ضارية، بينما الكثير من البلدان كانوا يعتمدون على واردات القمح من البلدين المذكورين، ما أدى في نهاية المطاف إلى انخفاض الإمدادات وارتفاع الأسعار، الأمر الذي تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، ولهذا أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، والأجور في كثير من الدول أصبحت لا تستطيع مواكبة ارتفاع معدل التضخم، وبالتالي انخفاض القدرة الشرائية، وبما ما يجعل من الصعب الاحتفاظ بنفس المستويات المعيشية الأساسية للمواطنين”.زخفّض صندوق النقد توقعاته لنمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بواقع 0.1 بالمئة للعامين 2023 و2024، مقارنة بتقديرات يناير، وذلك إلى 3.1 بالمئة و3.4 بالمئة على التوالي (بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي).
أمر مقلق
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي العراقي، نبيل المرسومي، إن ارتفاع مستويات الأسعار في الفترة الأخيرة بشكل خاص، أصبح أمراً مقلقاً بالنسبة لأصحاب الدخول الثابتة، وينعكس على القوة الشرائية للمواطنين، وهو مرتبط بمتغيرين رئيسيين فيما يخص العراق على سبيل المثال، هما:- العامل الأول: ارتفاع مستويات أسعار السلع المستوردة عالمياً، وفي ظل استيراد العراق بأكثر من 50 مليار دولار سنوياً كواردات لمعظم الاحتياجات، ومعظمها ارتفعت أسعارها عالمياً.- العامل الثاني: سعر صرف الدينار مقابل الدولار، والفجوة الواضحة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية. ومع تراجع قيمة العملة.
ويشدد على أن “كل هذه الأمور انعكست على الأسواق بشكل مباشر، لتواصل الأسعار ارتفاعاتها، وبما ألحق الضرر بأصحاب الدخول الثابتة”، موضحاً أن أكثر من ثلثي إنفاق ودخل المواطن العراقي على سبيل المثال يذهب للسلع الاستهلاكية الأساسية التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار.ويلفت إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى ما يقارب الـ 8 بالمئة، نتيجة ارتفاع أسعار المجاميع السلعية، وهو ما كان له انعكاس سلبي واسع، ولا سيما فيما يخص أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والحليب ومشتقاته وغير ذلك، وبالتالي “بعض المواطنين أحجموا عن شراء بعض تلك المنتجات”، فيما تتأثر الاحتفالات والعادات المرتبطة برمضان وعيد الفطر، بما يشمل أيضاً العادات الخاصة بملابس العيد وغيرها من العادات الاستهلاكية.ويشدد الخبير الاقتصادي العراقي، في الوقت نفسه على أنه “إلى جانب الارتفاعات الكبيرة بالأسعار التي طالت كل السلع وأثرت على القوى الشرائية للمواطنين، فإنه ربما لو تم إقرار موازنة 2023 وبما تضمنه من ضرائب جديدة على الوقود فإن ذلك سيؤدي بدوره إلى ارتفاع جديد في مستويات الأسعار، وهذا أمر مقلق جديد سيحدث في القريب العاجل”.تأثير سلبي على القدرة الشرائيةما ينطلق على العراق ينطبق في كثير من تفاصيله على عديد من الدول العربية الأخرى التي وإن كانت تواجه تحديات متفاوتة فإنها تشترك معا في ظاهرة ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم وبما لذلك من انعكاسات كبيرة على القدرة الشرائية للمواطنين، تُحجمهم عن ممارسة عاداتهم بشكل طبيعي، ومن بينها عادات الاحتفال في الأعياد.من المغرب، يقول الخبير الاقتصادي هشام بنفضول، إن “المستويات الحالية غير المسبوقة من التضخم (8.9 بالمئة على أساس سنوي في يناير الماضي في المغرب) كانت ولا تزال ذات تأثير سلبي على القدرة الشرائية لأغلب المواطنين في رمضان، بحيث أن غلاء جل المواد الغذائية من خضر وفواكه ولحوم جعل أغلب الأسر في حيرة يومية من أجل تشكيل مائدة الإفطار والمعروف أنها متنوعة وغنية بالمغرب”.يمتد ذلك إلى المشهد إلى العادات المغربية في الأعياد، وهو ما يشير إليه بنفضول بقوله: “اليوم تواجه هذه الأسر عيد الفطر المبارك بنفس الحيرة وربما بحسرة؛ لأن التقاليد المغربية تجعل من هذه المناسبة السنوية فرصة لتبادل الزيارات وصلة الرحم والتجمع حول ما لذ من المأكولات المتنوعة، لا سيما الحلويات بمختلف أشكالها ومكوناتها”.ويضيف الخبير الاقتصادي: “إلا أنه من الصعب الالتزام بهذه التقاليد والعادات اليوم في البلد (الذي سجلت فيه أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً بنسبة 16.8 بالمئة، والمواد غير الغذائية ارتفاعًا بنسبة 3.9 بالمئة وفق أحدث البيانات) أو على الأقل بالشكل الذي كان عليه الحال في السنوات القليلة الماضية”.ويشدد على أن “ثمن المحروقات والمواد الأولية الأخرى يجعل من التنقل عبئاً لا يُطاق وأثمان المواد الغذائية تحد من إمكانية الأسر، حتى المتوسطة منها، من إنجاز أشكال الحلويات والعصائر والأطباق التقليدية المرتبطة بعيد الفطر الكريم”.وفي الوقت عينه تتطلع الأسر المغربية في ترشيد إنفاقها بحيث تهتم بالأولويات الأساسية مثل واجبات المدارس الخصوصية، والتنقل من أجل العمل أو الدراسة، والمصاريف المتعلقة بالصحة والسكن. أما ما يتعلق بالتقاليد والعادات، فقد أصبحت من باب الكماليات سواء تعلق الأمر باللباس التقليدي وبالمأكولات. (سكاي نيوز)