ستكون انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا في الـ 14 من مايو محطة فاصلة، ما قبلها لن يكون كما بعدها بحسب مراقبين، ووفق ما تشير إليه المعطيات التي يفرضها المتنافسون. وبينما تُطلق سلسلة من الوعود، يسود كثير من التكهنات حول الخيارات الاقتصادية التي سيتبعها الرئيس الثالث عشر بعد انتخابه.
هذه الخيارات قد تختلف في حالة فوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بكرسي الرئاسة مجددا، أو في حالة فوز منافسه الأبرز زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو.وكان عام 2022 شهد تطبيق النموذج الاقتصادي المبتكر من جانب الحكومة، الذي قام على فكرة غير تقليدية، وهي أن الفائدة هي سبب التضخم، على خلاف النظرية الاقتصادية التي تقول إن معالجة التضخم تتطلب رفع أسعار الفائدة.وبموجب السياسة غير التقليدية استمر البنك المركزي التركي بتخفيض أسعار الفائدة بشكل متسلسل، بدءا من الحد الأول 19 ووصولا إلى تثبيتها عند 8.5 بالمئة، أي فئة “الآحاد”، وهو الوعد الذي كرره إردوغان مرارا.في الوقت ذاته واصلت الليرة التركية مسلسل انخفاضها في سوق العملات الأجنبية ووصلت إلى حد 20 مقابل الدولار الواحد في حين ثبتت معدلات التضخم عند 43.68 بالمئة في شهر أبريل.في مقابل ذلك، عاد إردوغان ليكرر شعاره مؤخرا، بأن “الاستثمار والإنتاج والصادرات وفائض الحساب الجاري ستدعم الناتج المحلي الإجمالي”.وإلى جانب الفائدة قال إردوغان “سنخفض التضخم إلى رقم في خانة الآحاد، وسننقذ بلادنا بالتأكيد من هذه المشكلة”، معلنا أنه شكّل فريقا لتعزيز السياسات الاقتصادية، بتنسيق الاقتصادي المعروف محمد شيمشك، الذي يحظى باحترام المستثمرين الدوليين”.في المقابل قدمت أحزاب المعارضة ومرشحها المنافس لإردوغان كمال كلشدار أوغلو وعودا بالعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية.ووفق خارطة الطريق التي نشروا تفاصيلها في مذكرة تفاهم السياسات المشتركة “تعهدوا بإدارة الاقتصاد بشكل عقلاني وفقا للقواعد العلمية، مع مراعاة الاهتمامات الاجتماعية، في إطار القانون والأخلاق”.وأوضحوا أن “هدفهم الأساسي هو الحد من التضخم، وزيادة جودة الإنتاج، وزيادة الابتكار والإنتاجية في عوامل الإنتاج”.”3 وزراء و4 محافظين”ولطالما تصدّر الحديث وحالة الجدل الخاصة بالاقتصاد ومسار الليرة التركية المشهد السياسي في السنوات الخمس الماضية، منذ انتخاب الرئيس إردوغان في عام 2018.وقبل أن يتّبع إردوغان نموذج الاقتصاد الجديد الذي أعلن عنه في أواخر عام 2021 تعاقب على منصب وزير الخزانة والمالية ثلاثة شخصيات، أولها بيرات البيرق الذي استقال في نوفمبر 2020، ليخلفه لطفي علوان ويستقيل في ديسمبر 2021، وصولا إلى تسلم دفة القيادة من جانب الوزير الحالي، نور الدين نباتي.وبالمثل، شاركت أربعة أسماء مختلفة في إدارة البنك المركزي، بعدما أقال إردوغان ثلاثة محافظين في 2019 و 2020 و 2021، حتى تسليم المنصب لشهاب كافجي أوغلو، حتى تاريخنا الحالي.وكان لهذه التغييرات دور في سلسلة الأزمات التي عصفت بعملة البلاد، وأدخلتها في مسلسل الانخفاض التدريجي، حسب خبراء اقتصاد.ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان الرئيس التركي سيواصل السير بسياسته غير التقليدية في إدارة دفة الاقتصاد في البلاد، على عكس أحزاب المعارضة التي تعد بتغييّر ما كان سائدا رأسا على عقب.في غضون ذلك، ورغم ما قيل إنه في حالة الفوز في الانتخابات سيترك إردوغان إدارة الاقتصاد لوزير المالية السابق محمد شيمشك، لم يحسم الأخير موقفه بأنه سيمضي بهذه المهمة بعد إعلان النتائج.A man counts notes as he leaves an exchange office in Ankara, Turkey, on February 23, 2022. – Turkey’s annual inflation rate…الليرة التركية فقدت الكثير من قيمتها خلال الأعوام الماضية ما خيارات الرئيس الثالث عشر؟بناء على المعطيات المفروضة حاليا يرى الأستاذ الجامعي، الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر أن “حكومة الرئيس التركي رفعت أسعار الفائدة بطريقة ضمنية خلال الفترة الأخيرة كي لا تؤثر على المشهد الانتخابي”، وأن هذه الطريقة جاءت من خلال “رفع البنك المركزي سقف الفائدة على ودائع الليرة المحمية”.ومن الصعب على أي حكومة أن تُخرج البلاد من الوضع الاقتصادي السائد حاليا، سواء إن فاز إردوغان أو مرشح المعارضة. ويقول الناظر لموقع “الحرة”: “قد يستمر الأمر لعشر سنوات، إلى أن يعود الفائض في الحساب الجاري لتركيا”.وفي حال فوز الرئيس التركي مجددا يستبعد الباحث الاقتصادي أن يتم رفع معدلات الفائدة، من منطلق فكرة مفادها “عندما تترك التضخم يستفحل فإن أسعار الفائدة لم تعد مفيدة”.ويضيف الناظر أن “إردوغان عاد إلى سياسة تقليدية مع بقاء بعض الرتوش”، ويتوقع أن “يعود إلى الاقتصاد الليبرالي، وهو ما اتضح في أثناء الحديث ولقائه مع شيمشك الذي يتبنى الفكر الاقتصادي الليبرالي”.في ما يتعلق بحالة فوز كلشدار أوغلو يشير ذات المتحدث إلى أن “المعارضة لديها علي باباجان وهو منظر ومهندس الطفرة الاقتصادية، التي كانت مبنية على النظرية التقليدية”.”كلاهما عائدان للاقتصاد الليبرالي، كون إردوغان سيكون مرتاحا والمعارضة حديثها واضح في هذا الخصوص”.ومع ذلك يرى الباحث الاقتصادي أن “التأثير على الاقتصاد بالإيجاب لن يكون مباشرا بل يحتاج الوضع لعدة سنوات، حتى تحقيق فائض في الحساب الجاري، أي الصادرات أكبر من الواردات”.وقبل عشرة أيام من الانتخابات خرج كلشدار أوغلو برفقة علي باباجان في تسجيل مصور من المطبخ، وقال زعيم “حزب الشعب” إن “السيد علي باباجان هو سياسي كفء كان على رأس الإدارة الاقتصادية لسنوات، وقد تبنى سياسة عقلانية في الاقتصاد”.كما جادل كلشدار أوغلو بأن “علي باباجان هو اسم موثوق به في الأوساط المالية الدولية”.في المقابل يرى أستاذ الإدارة المالية في جامعة “باشاك شهير”، الدكتور فراس شعبو إن الرئيس التركي وفي حال احتفظ بكرسي الرئاسة “سيستمر في نهج السياسة غير التقليدية، لكن ليس بنفس الحدة والشدة، بل بشكل متباطئ”.ويوضح لموقع “الحرة”: “سيتم اللعب على خفض أسعار التضخم، كونها ما زالت مرتفعة، وتحسين مستوى الدخل والاستفادة من الموارد التي تم إيجادها، وزيادة الصادرات والاستفادة من قيمة الليرة أمام العملات، مايزيد من تشغيل المصانع”.وفي حال كانت الأمور لصالح المعارضة يتوقع شعبو “خللا”، بسبب “وجود قناعة لدى الناخب التركي بأن الاقتصاد سيكون مسيّرا وبعيدا عن الاستقلالية، وبالتالي سيصبح منقادا من الدول التي ستدعمه”، حسب تعبيره.ويتفق أستاذ الإدارة المالية مع فكرة الباحث الناظر بأن الوضع الاقتصادي لن يتحسن بسرعة في البلاد وفي أعقاب الانتخابات وحسم نتائجها، وأن “الليرة ستستمر بالتدهور، لأن مشكلتها غير متعلقة بالمحطة المقبلة”.”سواء ربح هذا أو ذاك على الصعيد الاقتصادي لن يكون هناك عصا سحرية. هناك ديون على الاقتصاد وتجاوزت في مرحلة نصف ترليون، إلى جانب أعباء كبيرة خلفها الزلزال”.ويضيف شعبو: “قد نشهد تحسنا وليس استقرارا. على صعيد التضخم قد نرى هبوطا ولكن في المقابل لن يكون هناك استقرار في أسعار الصرف”.”سيناريوهات ما بعد الانتخابات”وبسبب ما حدث في السنوات الخمس الماضية، ليس من السهل التنبؤ بمسار الاقتصاد إذا فاز إردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات، وكذلك الأمر بالنسبة لكلشدار أوغلو وتحالفه المعارض.ومع ذلك يواصل “تحالف الأمة” التأكيد على أنه سيعود إلى السياسات التقليدية في الاقتصاد.وبالتالي إذا انتصر هذا التحالف، فمن المرجح أن يعطي الأولوية لرفع أسعار الفائدة وخفض التضخم.على عكس ذلك لم تشر تصريحات الرئيس التركي ووعوده إلى أنه سيتراجع عن سياسته التقليدية، وبينما نفذ وعد خفض الفائدة إلى فئة الآحاد فقد وسع دائرة التضخم.ويشرح الباحث الاقتصادي، دينيز استقبال في مقال تحليلي على موقع “سيتا” المقرب من الحكومة أن تركيا كانت قد واجهت في السنوات الأخيرة العديد من الأزمات، مثل وباء كورونا والتضخم العالمي وكارثة الزلزال المدمّر في شهر فبراير الماضي.وبينما أضر الوباء بخطوط الإمداد والإنتاج والصحة العامة، فقد دفع الاقتصاد العالمي إلى أزمة. وفي هذه الفترة؛ فضلت تركيا السياسات النقدية والمالية التوسعية التي تتمحور حول التوظيف والتصدير والإنتاج.ويقول الباحث إن الانتخابات، التي ستجرى في 14 مايو، تمثل عتبة مهمة في الذكرى المئوية للجمهورية، ومن المتوقع أن يواصل الدخل القومي، الذي تجاوز 905 مليارات دولار في عام 2022 ومن المرجح أن يتجاوز تريليون دولار في عام 2023، اتجاهه التصاعدي في الفترة 2024-2028. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، سيبلغ الدخل القومي 1.5 تريليون دولار ودخل الفرد ما يقارب 17 ألف دولار في عام 2028، “بفضل إمكانيات تركيا الإنتاجية ونموها”. ويعتقد الكاتب أن تركيا يمكنها تحقيق مزيد من الاختراقات في عام 2023 مع انخفاض حدة الصدمات العالمية، باكتساب زخم في مختلف القطاعات، وخاصة السياحة.كما أن تعزيز الأداء الاقتصادي المتوقع في الفترة 2024-2028 بالإصلاحات الهيكلية سيساعد نموذج الاقتصاد التركي، الذي يركز على العمالة والإنتاج والتصدير، على أن يصبح أكثر فاعلية، بحسب استقبال.من جانبه يقول الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر إن الليرة التركية وبمجرد الإعلان عن الانتخابات “سترتفع إلى 14 وذلك خلال 48 ساعة إلى 96 ساعة، لأن المصرف المركزي سيكون قد رفع يده، ولم يعد لديه القدرة للضغط الشديد للتدخل في أسعار الصرف والحفاظ على القيمة”.وعلى مستوى التضخم، يوضح الناظر أن مستوياته ستبقى مرتفعة لفترة طويلة وأنه “كارثة تركيا الحقيقية”، فيما يجب على أي حكومة مقبلة أن تعمل على “سياسة تقليدية مع تشديد الائتمان والحفاظ على استقلالية البنك المركزي، حتى تعاد الثقة للاقتصاد”.(الحرة)