اختفت أكثر من مليار دولار من صادرات الاتحاد الأوروبي التي استهدفتها العقوبات أثناء توريدها إلى بعض شركاء روسيا الاقتصاديين، حيث يعتقد مسؤولون غربيون أنها ساعدت في الحفاظ على اقتصاد الكرملين خلال زمن الحرب.
ووجدت البيانات العامة التي جرى تحليلها بواسطة صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أن حوالي نصف صادرات بقيمة ملياري دولار من العناصر “ذات الاستخدام المزدوج” الخاضعة للرقابة والتي تم شحنها من الاتحاد الأوروبي وصلت بالفعل إلى وجهاتها المحددة في كازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا، بينما اختفى النصف الآخر.وعلى الأرجح فإن تلك البضائع المفقودة التي لم تصل إلى وجهتها، والتي يعتبرها الاتحاد الأوروبي أن لها استخدامات محتملة للخدمات العسكرية أو الاستخباراتية وتخضع لضوابط التصدير، قد حصلت عليها موسكو مباشرة من الاتحاد الأوروبي بحجة أنها كانت تمر فقط أراضي روسيا.”وجهات وهمية”وكانت تلك “الصادرات الوهمية” قد وصلت موسكو عبر دول البلطيق المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا.وجرى إرسال المواد في العام 2022 بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، عندما قفزت تجارة الاتحاد الأوروبي الحساسة مع كازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا، وهي ثلاث دول سوفيتية سابقة، إلى مستويات غير مسبوقة.ويشير عدم التطابق في السجلات إلى أن روسيا قد تجنبت العقوبات الكاسحة من قبل الوسطاء أو الوكلاء أو الموردين الذين وضعوا “وجهات وهمية” على بيانات جمركية للاتحاد الأوروبي.وساعدت هذه التكتيكات موسكو في الحفاظ على الوصول إلى المنتجات الأوروبية المهمة، بما في ذلك مكونات الطائرات والمعدات الحساسة وتوربينات الغاز.وبالنسبة لبعض الفئات المحددة من البضائع، بما في ذلك التوربينات الغازية ومكاوي اللحام ومعدات البث الإذاعي، المرسلة من الاتحاد الأوروبي فإنها لم تصل إلى وجهتها المزعومة، وفقًا لبيانات الاستيراد.وتؤكد هذه “التجارة الشبحية” مدى تعقيد الجهود المبذولة لإغلاق وصول روسيا إلى السلع الحساسة، حتى عندما خضعت تلك المواد لقيود منسقة من قبل دول مجموعة السبع.وقالت إلينا ريباكوفا، الزميلة الأولى في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: “بعض التناقضات في إحصاءات التجارة العالمية تتجاوز الأخطاء البسيطة المعتادة”.”فتش عن روسيا”من جانبه، تساءل معاون وزير خارجية أستونيا عن الوجهة التي ذهبت إليها تلك الصادرات المفقودة، قائلا:”لماذا تحتاج هذه البلدان (أرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان) فجأة إلى تلك السلع في هذا الوقت؟”.وتابع:”من الذي يحتاج إلى هذه السلع أكثر من غيرها في المنطقة؟ من الواضح أنها روسيا “.وركزت الجهود الغربية لتشديد العقوبات إلى حد كبير على الثغرات بشأن إعادة التصدير، حيث تصل البضائع إلى روسيا عبر دولة ثالثة. ويشير تحليل “فاينانشيال تايمز” إلى أن “التجارة الشبحية”، حيث تختفي بعض العناصر أثناء النقل ولا تصل إلى وجهتها أبدًا، قد أصبحت ركيزة اقتصادية كبيرة لروسيا على الأرجح.”حظر غير كاف”وفي فبراير، حظر الاتحاد الأوروبي البضائع ذات الاستخدام المزدوج من المرور عبر روسيا، مما يعني أنها لا تستطيع دخول روسيا مباشرة من الاتحاد الأوروبي، حتى لو كانت متجهة في نهاية المطاف إلى دولة أخرى.لكن المسؤولين في دول البلطيق يخشون أن يظل ذلك الحظر غير كاف لوقف التدفق، وبالتالي فأنهم يحاولون وقف التهريب على المستوى الوطني.وفي هذا الصدد، عمدت ليتوانيا إلى فرض قيود أكثر صرامة على مجموعة أوسع من السلع ذات الاستخدام المزدوج والسلع الحساسة، ولا سيما التكنولوجيا المتقدمة وقطع غيار الطيران، كما تسعى إلى وقف إرسال البضائع المحظورة إلى بيلاروسيا التي تعتبر حليفة وثيقة لبوتين.وأوضح وزير خارجية ليتوانيا، غابريليوس لاندسبيرغيس، أن الاتحاد الأوروبي سوف يحتاج إلى الكثير من “الإرادة السياسية” لاعتماد التدابير اللازمة لفرض نظام العقوبات ضد الدول أو الشركات غير الممتثلة. وقال: “نحن على استعداد لاتخاذ خطوات وطنية للتأكد من عدم ظهور التقنيات الحساسة في ميدان المعركة”.ومن جانبهم، أيد الإستونيون أيضًا فرض حظر كامل على عبور المواد التي تغادر الاتحاد الأوروبي، والتي لا تغطي فقط السلع ذات الاستخدام المزدوج، ولكن أيضًا الفئات الأخرى من السلع الخاضعة للعقوبات والقيود.ولكن السؤال المطروح يتعلق فيما إذا كان من الأفضل فرض حظر كامل على العبور مع استثناءات إنسانية، وهنا يقول نائب وزير الخارجية الأستوني: “من الأسهل تنفيذ حظر كامل عوضا عن اعتماد قائمة مفتوحة تضاف إليها المواد الممنوعة بالتدريج”.والرقم الحقيقي لتدفق “الواردات الشبحية” المحتمل لروسيا أعلى بكثير، نظرًا لأن مبلغ المليار دولار يتعلق فقط بعينة من السلع المقيدة التي تمكنت “فاينانشيال تايمز” من مطابقتها مع بيانات تدفقات التجارة الدولية.وبالنظر إلى كل تجارة الاتحاد الأوروبي معًا في العام الذي تلا بدء الحرب على أوكرانيا، تشير الفجوة بين إحصاءات الاتحاد الأوروبي وكازاخستان إلى أن 2.9 مليار دولار من التجارة قد اختفت.وفي عام 2021، آخر سنة تقويمية كاملة قبل الغزو الشامل لأوكرانيا، كان الرقم المكافئ 450 مليون دولار.ويؤكد تحليل “فاينانشيال تايمز” أيضًا أن العناصر الخاضعة للقيود من المرجح أن تصبح “صادرات وهمية” أكثر من العناصر والمواد الأخرى.وفي هذا السياق، تقول كبيرة الاقتصاديين في معهد بنك فنلندا للاقتصادات الناشئة، هيلي سيمولا: “هذه البيانات (مطابقة سجلات التصدير والاستيراد) ليست متطابقة أبدًا، وبالتالي فإن التناقضات والزيادة المفاجئة تخبرك بوجود خطب ما”. وزادت: “هناك صادرات حقيقية إلى كازاخستان، ولكن في بعض الحالات من الواضح أن هناك تهرب من العقوبات”.وأما قيرغيزستان فلم تنشر سوى بيانات التجارة حتى أكتوبر 2022، وبالتالي هناك نقص في المعلومات.ولا تشمل الأرقام التي استشهدت بها “فاينانشيال تايمز” التدفقات الكبيرة المنفصلة للسلع التي يبدو أنها تصل إلى كازاخستان، ثم يُعاد تصديرها بعد ذلك إلى روسيا.وبحسب خبراء، فإن الزيادة في السلع الخاضعة للرقابة من الاتحاد الأوروبي مع إدراج كازاخستان كوجهة لا يزال كاف لتعويض حوالي 40 في المائة من انخفاض الصادرات إلى روسيا وبيلاروسيا بعد فرض العقوبات في بداية الحرب.وتشير البيانات إلى مشاكل طويلة الأجل محتملة مع إساءة استخدام قواعد النقل. وتخضع روسيا لعقوبات منذ أن استولت على أراض أوكرانية لأول مرة في العام 2014، مما خلق حافزًا لموسكو لاستخدام إعفاء عبور البضائع عبر روسيا للالتفاف على تلك العقوبات.وفي الأشهر الثلاثة عشر التي سبقت الحرب، أبلغت ليتوانيا عن إرسال 28 مليون دولار من السلع ذات الاستخدام المزدوج القابلة للتتبع إحصائيًا إلى كازاخستان، في حين أفاد الكازاخستانيون بتلقيهم ما قيمته 9 ملايين دولار فقط.وأدى الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير من العام المنصرم إلى زيادة كبيرة في حجم التدفقات وفجوة الواردات.وفي الأشهر الثلاثة عشر التي أعقبت بدء الحرب، تُظهر بيانات ليتوانيا أنها أرسلت 84 مليون دولار من هذه السلع إلى كازاخستان، التي أبلغت عن تلقيها ما قيمته 11 مليون دولار فقط، مما يعني أن الصادرات المعلنة إلى البلاد ارتفعت بمقدار 56 مليون دولار خلال هذه الفترة، لكن الواردات المعلنة زادت بمقدار ضئيل لم يتجاوز 2 مليون دولار.وكانت الحكومة الكازاخستانية أعلنت مؤخرًا أنها بصدد اتخاذ إجراءات ضد إعادة تصدير البضائع إلى روسيا.وقال مسؤول كازاخستاني كبير: “من حيث المبدأ، نحن كحكومة لم ننضم إلى العقوبات (المفروضة على روسيا)، لكننا نبذل قصارى جهدنا لحماية اقتصادنا من عواقبها غير المقصودة”.وختم بالقول: “وهذا يعني أننا نتخذ إجراءات لمنع استخدام أراضينا للالتفاف على هذه العقوبات. ونجري حوارًا منتظمًا وصريحًا مع شركائنا حول ذلك”.(الحرة)