تجدد شركات الطيران مقصورات درجتها الأولى مع عودة الأثرياء إلى السفر مجدداً، لترفع مستوى الرفاهية إلى عنان السماء.تحوّلت مقصورات الدرجة الأولى إلى ما يشبه الغرف الفندقية المصغرة بشكل أكبر، حيث تضم الأرائك، وأَسرّة لفردين، وتلفزيونات، ومكاتب، وخزانات ملابس، ومشارب مصغرة في بعض الحالات، وحجرات استحمام. وكلما زاد الإبداع؛ كان ذلك أفضل، فضلاً عن أنَّه يمكنك حجز من يطهو الطعام أيضاً.
يتم الاستثمار في هذا القطاع برغم بطء النمو الاقتصادي وأزمة تكلفة المعيشة. وتراهن الخطوط الجوية على رغبة عدد كاف من الناس لزيادة الإنفاق على الرحلات الجوية المميزة بعد أن قيّدتهم كورونا وحرمتهم من فرصة السفر.قال الرئيس التنفيذي لشركة “دويتشه لوفتهانزا” (Deutsche Lufthansa AG)، كارستن شبور، خلال اجتماع للإعلان عن الأرباح في مارس: “يستمر المسافرون للترفيه في حجز رحلات الطيران في درجة رجال الأعمال أو حتى الدرجة الأولى”، وقد أبلغ المستثمرين الأسبوع الماضي بأنَّ العام الجاري هو أول عام يطلب منه فريقه زيادة عدد مقصورات الدرجة الأولى.تستثمر شركة الطيران الألمانية 2,7 مليار دولار على مدى عامين لتجديد طائرات الرحلات الطويلة في ظل برنامج أطلق عليه “لوفتهانزا أليغريس” (Lufthansa Allegris). كما سلطت شركة “كانتاس إيرويز” (Qantas Airways Ltd) الضوء على مقصورات فاخرة للدرجة الأولى، وهي بمثابة عالم يكون بعيداً في العادة عن منال المسافرين العاديين، كما أنَّ أدنى ما يصل إليه أغلب الناس يتحدد في لمحة خاطفة للدرجة الأولى، بينما يصطفون للخروج من أبواب الطائرة.لماذا التجديد الآن؟يُقدّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي -“إياتا”- (IATA) أنَّ شركات الطيران تكبّدت خسائر بنحو 200 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية بعد أن تسبّبت جائحة كورونا في فوضى غير مسبوقة، لذا؛ فهي في أمس الحاجة لتعويض قدر من تلك الخسائر، إذ أصبحت الدرجة الأولى فرصة ذهبية محتملة.عادت الرحلات الفاخرة، التي تشمل درجة رجال الأعمال، إلى 86% من مستوياتها في 2019، وفقاً لـ”إياتا”، بينما وصل إجمالي الطلب على السفر بالطيران، بما يتضمن الدرجة الاقتصادية، إلى 81%.”بوينغ” متفائلة باستئناف تسليم طائرات “737 ماكس” للصين قريباًحتى مع ارتفاع أسعار تذاكر مقصورة الدرجة الأولى عن مقاعد الدرجة الاقتصادية بأكثر من 10 مرات؛ لكنَّ الطلب عليها ما يزال موجوداً، سواء كان بالحجز النقدي أو الفرصة النادرة للاستفادة من الكيلومترات المجمعة على بطاقات الائتمان خلال الجائحة.ديفيد مان، كبير اقتصاديي آسيا في شركة “ماستر كارد”، قال: “ما زال هناك قدر كبير من المدخرات الفائضة. ولا يبدو أنَّ الرغبة في الإنفاق والقدرة عليه ستتراجعان قريباً، مما يفسر على الأرجح سبب إعلانات شركات الطيران”.تخطط “كاثي باسيفيك إيرويز” أيضاً لتحديث الدرجة الأولى، حيث يوجد طلب كبير على مقصوراتها الحالية الأعلى مستوى، والمتاحة على متن إحدى رحلاتها من هونغ كونغ إلى لندن.”بوينغ” تعزز إنتاج طائرات “737” سعياً وراء السيولةتحتوي المقصورات على “أحد أكبر الأَسرة المسطحة بالكامل في الجو”، ومجموعة من الوسائد الناعمة ومعطر للوسائد، وفقاً لموقع الشركة. وبالطبع يتمتع مسافرو الدرجة الأولى بميزة الدخول إلى أرقى صالات الانتظار بالمطارات إلى جانب ثياب النوم.هل هناك عروض أخرى؟كشفت “كانتاس” و”لوفتهانزا” عن شكل جديد من مقصورات الدرجة الأولى يمكن إحكام إغلاقها ببابين، لتنضم إلى “سنغابور إيرلاينز” (Singapore Airlines Ltd.)، و”طيران الإمارات” و”الاتحاد للطيران”، رواد تحويل مقاعد الدرجة الأولى إلى أجنحة فندقية.يمكن تدفئة أو تبريد المقاعد في مقصورات “لوفتهانزا” الجديدة، كما توجد بها خزانات ملابس توفّر مساحة تخزين إضافية، مما يشكل تحولاً كبيراً عن نظام المساحة المفتوحة السابق الذي لم يُتحْ إلا قدراً ضئيلاً من الخصوصية. وقالت شركة الطيران الألمانية إنَّ هناك مساعداً شخصياً، وهو موجود بمركزها في مطار فرانكفورت، إذ يقوم بتحية عملاء الدرجة الأولى، ويعتني بكل رسميات السفر بسرعة وتكتم.”قد تشكل الضغوط لمواكبة التغيرات مبرراً كافياً لهذا الاستثمار الضخم”، وفقاً لوصف دانييل بارون، العضو المنتدب بشركة “ليفت إيرو ديزاين” (Lift Aero Design)، ومقرها في طوكيو، خلال حديثه عن استثمار شركات الطيران في تغيير مقصورات الدرجة الأولى.يبلغ ثمن رحلة العودة من سيدني إلى لوس أنجلوس في الدرجة الأولى على متن طائرة شركة “كانتاس” 18 ألف دولار تقريباً، بينما يقارب سعر الرحلة من فرانكفورت إلى طوكيو على متن “لوفتهانزا” 15 ألف دولار، لكنَّه ما زال أقل بكثير مما ينفقه المسافرون من بالغي الثراء على الطائرات النفاثة الخاصة، وهو قطاع شهد انتعاشاً خلال الجائحة، مع سعي الأفراد لتجنّب الزحام والقيود المرتبطة بكورونا.