تزداد أزمة سعر صرف الدولار في مصر تعقيدا، في حين تخنق حالة عدم اليقين بشأن انخفاض قيمة الجنيه قطاع الأعمال ويعيق قدرتهم على التخطيط والاستثمار، وفقا لرصد أجرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وتحدث أصحاب أعمال ومواطنون لموقع “الحرة” عن الصعوبات التي يواجهونها في ظل الأزمة التي طالب غالبية فئات المجتمع المصري.خنق التصدير والاستيرادوقال صاحب شركة استيراد وتصدير أجهزة هندسية، حسام عبد العظيم، لموقع “الحرة” إن قطاع الاستيراد والتصدير يعاني من أزمة حادة منذ أكثر من سنة، وتتفاقم حاليا، بسبب التضارب بين شروط البنك المركزي بالحصول على العملة الأجنبية اللازمة لإتمام صفقات الاستيراد والتصدير من خلاله فقط، وبين نقص الدولار في البنوك المصرية.وأضاف أن المشكلة تتمحور في أن البنك يشترط أن تتم جميع معاملات الاستيراد والتصدير من خلاله، بمعنى أنه لابد من الحصول على العملة الأجنبية من البنك لكي تتمكن أي شركة من إتمام المعاملات الجمركية وإدخال البضائع التي تستوردها. وفي حالة التصدير، يجب أن يحصل البنك على المستندات المطلوبة المتعلقة بالصفقة ليقبل تحويل المبالغ المالية لحساب الشركة في مصر.وأوضح عبدالعظيم، ٥٤ عاما، أن البنك المركزي يُثبت سعر الدولار حاليا عند 30.9 جنيه، وفي الوقت نفسه وبسبب نقص السيولة الأجنبية يرفض البنك أن يمنحك المبالغ الدولارية التي تحتاجها أي شركة لإتمام صفقات الاستيراد والتصدير.وقال إن هذه الشروط غير المدروسة جيدا أثرت على كثير من الشركات التي تعمل بالاستيراد، وتسببت في إفلاس بعضها وخروج البعض الآخر خارج مصر، إلى دول الخليج، على سبيل المثال.وأضاف أن التعنت في هذه الشروط تسبب في ظهور أزمة جديدة، وهي احتجاز البضائع في الجمارك لأشهر عدة، ما يسبب خسارة كبيرة للتاجر ويتسبب في تلف البضائع ونقص السلع المعروضة في الأسواق، وبالتالي ارتفاع الأسعار.وأوضح أن العديد من الأجهزة الهندسية الخاصة بالليزر التي يستوردها تظل في الجمارك لأشهر بسبب عدم قدرته على الحصول على العملة الأجنبية من البنوك، وبالتالي يتحمل خسائر كبيرة بسبب توقف عمله.ويرى عبدالعظيم أنه لا بديل لمصر إذا أرادت الخروج من أزمتها الاقتصادية سوى تشجيع التصنيع، وزيادة الصادرات، وتسهيل استيراد السلع الأساسية تجنبا لحدوث عجز وأزمة في الأسواق.وتابع عبدالعظيم، الذي لديه ابنتان في الجامعة، أنه ظل طوال أكثر من 15 عاما مصمما على العمل في بناء شركته الهندسية في مصر ورفض العديد من العروض للعمل بالخارج سواء في أوروبا أو الخليج، لكنه الآن لا يستطيع أن يكمل حياته وعمله في ظل هذا الوضع، وبدأ فعليا في البحث عن فرص في الخارج.وأدت سلسلة من التخفيضات منذ مارس 2022، إلى خفض قيمة الجنيه المصري إلى النصف مقابل الدولار، لكنها فشلت في تعزيز تدفقات النقد الأجنبي. ويتوقع الاقتصاديون وقادة الأعمال حدوث تخفيض جديد في قيمة العملة، لكن الحكومة تؤجل هذه الخطوة، بحسب “فاينانشيال تايمز”.وبدأت الأزمة عندما سحب مستثمرو السندات الأجنبية حوالي 20 مليار دولار من الديون المصرية، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، وأرسلوها إلى الملاذات الآمنة، بحسب الصحيفة.وتدخلت دول الخليج لحل الأزمة في مصر من خلال ودائع بقيمة 13 مليار دولار ومشتريات أصول أخرى بقيمة 3.3 مليار دولار، لكن مستثمري المحافظ المالية ظلوا غير منجذبين للسوق المصري، وواجه القطاع الخاص صعوبة في تمويل الواردات.تدهور قطاع العقارات والتشطيباتوقال المهندس المعماري، مايكل ميلاد، الذي يمتلك شركة خاصة لأعمال البناء والتشطيبات، لموقع “الحرة” إن أزمة نقص الدولار أثرت على قطاع العقارات والتشطيبات بشكل كبير، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام بما يتجاوز 5 أو 6 أضعاف، لأن التجار يحددون الأسعار بناء على توقعاتهم المختلفة بسعر صرف الجنيه بعد التعويم.أزمة أخري تحدث عنها المهندس المعماري يواجهها قطاع العقارات والتشطيبات في مصر، تتمثل في مشاكل استيراد المواد الخام المهمة مثل البلاستيك والدهانات.وأضاف أن الأسعار تزداد يوميا بشكل غير منطقي وغير مفهوم، لدرجة تجعل من الصعب عليه أن يحدد تكلفة تشطيب شقة أو فيلا ما عند دخوله في عقود مع العملاء قد تستمر لعدة أشهر.وتحدث فرانسيس، 33 عاما، عن أزمة متعددة الزوايا يعيشها يوميا وهي أنه بسبب الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار يضطر لأن يرفع اليوميات اليومية العمال، وفي الوقت نفسه، يتحمل الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الخام التي يستخدمها في التشطيب، وبالتالي أصبحت مكاسبه محدودة للغاية وأحيانا معدومة.وأشار إلى أنه لا يستطيع تحميل العميل الزيادة في التكاليف بأكملها لأن ذلك من الممكن أن يتسبب في انسحاب العميل من الاتفاقية بسبب تعثره هو الآخر ماديا، وبالتالي يضطر لأن يشارك عملاءه التكاليف المرتفعة.وتحدث فرانسيس عن أزمة قطاع العقارات والمقاولات بأكمله في مصر، مشيرا إلى أن أكبر الشركات في مصر، مثل “طلعت مصطفى” تعاني تعثرا في مشاريعها، مثل مشروع “نور” الذي توقف حاليا بسبب عدم اليقين بشأن سعر صرف الدولار، وبالتالي المواد الخام، وعلى رأسها أطنان الحديد، ما دفع الشركة لتسريح عدد من موظفيها.وأكد أن الناس في مصر باتوا يتفادون تمام التعامل مع البنوك في ما يتعلق بالدولار، واتجهوا للسوق السوداء التي انتعشت بشدة في الفترة الحالية.وقال فرانسيس، وهو أب لصبي في السادسة، إنه على المستوى الشخصي يواجه حاليا أزمة ارتفاع أسعار المدارس الخاصة والأجنبية من دون رقابة، مشيرا إلى أن مدرسة ابنه طالبت بزيادة قدرها 17 في المئة عن العام الماضي، وهو ما يعتبر زيادة كبيرة في ظل الأزمة الحالية.وتُظهر أرقام البنك المركزي المصري، في مايو الجاري، انخفاض الواردات في النصف الثاني من عام 2022 إلى 37 مليار دولار مقارنة بـ 42 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، بحسب “فاينانشيال تايمز”.كما تراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وهي مصدر مهم للعملة الأجنبية، من 15.5 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2021 إلى 12 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. ويعزو المصرفيون الانخفاض إلى الأشخاص الذين يبيعون عملاتهم الأجنبية في السوق السوداء أو يحتفظون بها في توقع انخفاض قيمة الجنيه، وفقا للصحيفة.وأوضحت الصحيفة أن أزمة العملة زادت من الضغط على القطاع الخاص الذي يعاني بالفعل من ارتفاع التضخم، الذي بلغ 31.5 في المئة في أبريل، وسعر فائدة وصل 19 في المائة.انخفاض تحويلات العملات من الخارجوتحدث طبيب جراحة العظام، أحمد هشام أبو المجد، الذي يعمل في ألمانيا، لموقع الحرة”، عن تراجعه في الفترة الأخيرة عن إرسال المبالغ المالية لعائلته كما اعتاد في الأعوام السابقة، بسبب رفض البنك تسليم هذه المبالغ لأهله قبل تحويلها للجنيه المصري وبسعر البنك، الذي يعتبر أقل بكثير من الرقم الذي يتم تداوله به في السوق السوداء.وقال أبو المجد إنه في السابق وقبل تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية اعتاد تحويل مبلغ مالي شهري لعائلته لمساعدتهم في شؤون الحياة، ومن أجل استثمار هذه الأموال في امتلاك إحدى الشقق.وأضاف أنه بعد الارتفاع الشديد في أسعار جميع السلع، ومع اشتراط البنك تحويل المبالغ بالجنيه ورفضه منح المبالغ بأي عملة أجنبية، أصبحت الخسارة كبيرة.وتابع أنه مثل العديد من المصريين في الخارج حاليا، أصبح ينتظر لأن يذهب إلى مصر في إجازة أو أحد من أصدقائه لكي يرسل معه المالغ الشهرية التي تحتاجها عائلته، ثم يحولونها من خلال السوق السوداء إلى الجنيه المصري.وكجزء من حزمة قروض بقيمة 3 مليارات دولار تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، في أكتوبر 2022، وافقت القاهرة على الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن وتقليل تدخل الحكومة في الاقتصاد، بحسب “فاينانشيال تايمز”.ولطالما كانت الحكومات المصرية مترددة في السماح لقوى السوق بتحديد قيمة الجنيه، مفضلة توظيف موارد النقد الأجنبي لدعم قيمته والحفاظ على استقراره مقابل الدولار. والهدف من ذلك هو تجنب صدمات التضخم الناجمة عن الانخفاضات الحادة في العملة المحلية، وفقا لـ”فايننشال تايمز”.ونقلت الصحيفة عن تقرير مؤسسة الخدمات مالية والاستثمارية الأميركية، غولدمان ساكس، في مايو الجاري، قوله إن تداول العملة الأجنبية في السوق السوداء بقيمة أعلى من البنوك ستؤدي إلى “تشوهات اقتصادية تجعل التخفيضات الدورية لقيمة الجنيه أمرا مرجحا للغاية على المدى المتوسط، بغض النظر عما إذا كانت السلطات ستنتقل إلى نظام سعر صرف مرن بالكامل”.ارتفاع الأسعار يضغط على البسطاءوقالت عاملة التنظيف، عبير عبدالصمد، الشهيرة بـ”أم آدم”، لموقع “الحرة” إنها تعاني بشدة من الارتفاع اليومي للأسعار، وفي المقابل لا يستجيب أصحاب المنازل التي تعمل فيها لطلبها بزيادة المبلغ اليومي الذي تتقاضاه بسبب تأثرهم أيضا بالوضع الاقتصادي.وتحدثت أم آدم، 39 عاما، عن ظروفها المعيشية الصعبة، إذ أنها تتحمل مسؤولية الإنفاق على أولادها الثلاثة، بسبب مرض زوجها بالقلب، ما يتطلب منها كذلك توفير تكلفة الدواء الباهظة.وأوضحت أن أبناءها ما زالوا في مراحل التعليم الابتدائي، وتحاول توفير مصاريف الحياة لهم من خلال العمل في تنظيف البيوت يوميا، لكنها تقول إن لا أحد ينظر لها أو يشعر بها.وأشارت إلى أن التأمين الطبي التابع للحكومة لا يوفر لزوجها، الذي أصبح طريح الفراش، سوى أدوية محدودة لا تكفي لعلاجه، مشيرة إلى أن باقي الأدوية تتكلف آلاف الجنيهات شهريا.(الحرة) وتحدثت عن ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، بداية من المواصلات، ومرورا بالطعام والملابس، ووصولا إلى إيجار الغرفة التي تعيش بها مع أسرتها، والتي بلغ سعرها 900 جنيه شهريا.وقالت أم آدم إن الدعم الحكومي لبعض السلع التموينية أصبح لا يساوي شيئا بعد ارتفاع أسعار هذه المنتجات في الأيام الأخيرة.وختمت أم آدم حديثها أنها لا تعرف ما عليها فعله ولم يعد أمامها سوى طلب المساعدة من أصحاب المنازل التي تذهب للعمل فيها، لكن ليس بمقدور الجميع تقديم المساعدة في ظل هذه الظروف.