مرحلة عنيفة.. ما سرّ الهبوط المتسارع لليرة التركية؟

7 يونيو 2023
مرحلة عنيفة.. ما سرّ الهبوط المتسارع لليرة التركية؟


تحت عنوان “الليرة التركية.. سر الهبوط المتسارع وخيارات شيمشك “العقلانية””، جاء المقال التالي في موقع “الحرة”:”تواصل الليرة التركية مسار هبوطها في سوق العملات الأجنبية، وحطمت صباح يوم الأربعاء رقما قياسيا، إذ تجاوزت حاجز الـ23 أمام الدولار الأميركي الواحد، ما يطلق تساؤلات عن سر هذا الانخفاض المتسارع بعد الانتخابات، والخيارات التي سيتبعها وزير الخزانة والمالية الجديد، محمد شيمشك.

وينظر إلى شيمشك منذ تعيينه على أنه سيتبع سياسة تقليدية تختلف عن تلك التي سادت خلال العامين الماضيين، وبينما لم يكشف هذا الاقتصادي الكبير كثيرا عما سيتبعه خلال المرحلة المقبلة، أعطى عدة رسائل وتلميحات في مؤتمره الصحفي الأول.وأعلن شيمشك قبل يومين أنه “لا خيار أمام تركيا سوى العودة إلى أسس عقلانية”، وقال إن “الاقتصاد التركي القائم على القواعد سيكون المفتاح لتحقيق الازدهار الذي طال انتظاره”.وأضاف أن “إرساء الانضباط المالي وضمان استقرار الأسعار لتحقيق نمو مرتفع مستدام سيكون من بين أهدافنا الرئيسية، إلى جانب خفض التضخم إلى خانة الآحاد على المستوى المتوسط”.وفسر خبراء اقتصاد ومراقبون كلمات شيمشك وعبارة “الأسس العقلانية” على أنها تمهيد للابتعاد عن السياسة غير التقليدية لخفض أسعار الفائدة من أجل مكافحة التضخم المرتفع، ما انعكس على سعر صرف الليرة في الوقت الحالي، فيما ترتبط أسباب أخرى بمسار الهبوط، وتعود إلى مرحلة ما قبل الانتخابات.ما سر الهبوط المتسارع؟ووفقا لوكالة “بلومبيرغ” قد يكون الانخفاض القياسي علامة على أن المعدل يتم تحريره تدريجيا مع إدارة الاقتصاد الجديد بقيادة محمد شيمشك. ومع إعادة توظيف شيمشك في إدارة الاقتصاد، هناك توقع في الأسواق بأن تركيا ستعود إلى مسار قائم على أدوات السياسة التقليدية المطبقة في جميع أنحاء العالم لمكافحة التضخم، وبالتالي ستتم استعادة ثقة المستثمر الأجنبي في تركيا وستتم تلبية الحاجة إلى الموارد الأجنبية.ويوضح الأستاذ الجامعي، الباحث الاقتصادي، مخلص الناظر أن “المصرف المركزي خفف تدريجيا تدخله بعد فترة الانتخابات، وربما أوقف ذلك بشكل نهائي”، ما انعكس على قيمة الليرة التي نشهدها حاليا.وجاءت هذه الخطوة لسببين، الأول “هو تآكل الاحتياطي النقدي وهبوطه إلى ما دون الصفر”، والثاني “الأساس العقلاني في الاقتصاد الليبرالي الذي يسعى إليه شيمشك في الوقت الحالي”.ويقول الناظر لموقع “الحرة”: “شيمشك يعمل على تحرير سعر الصرف وجعله مرنا، ويخضع لقوة العرض والطلب الطبيعية”.ومن المتوقع أن تستمر الليرة التركية في الهبوط، حتى تتوازى مع سعر صرف يمكن أن يدافع عنه البنك المركزي “دون أن يدمر الاحتياطي النقدي لديه”.ويشير الناظر إلى أن مرحلة ما قبل الانتخابات شهدت إقدام “المركزي التركي” على ضخ 177 مليار دولار في الأسواق لمنع الوصول إلى المرحلة الحالية التي تعيشها الليرة، وكي لا تؤثر على المشهد الانتخابي.ويتابع: “الآن مع تخفيض العملة من المفترض أن تنتعش السياحة وتتشجع الصادرات، لكن التحدي الأكبر هو السيطرة على التضخم لكي لا ترتفع نسبته في المرحلة المقبلة”.وتواجه تركيا منذ أشهر هزّات اقتصادية عدة، تتمثل في ارتفاع مستوى التضخم والبطالة، وتراجع الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.ومنذ مطلع العام الجاري فقدت الليرة 13 بالمئة من قيمتها، وهو أعلى انخفاض منذ أزمة العملة التي شهدتها البلاد، عام 2021.وعلى اعتبار أن الاقتصاد هو أبرز التحديات التي تواجه الرئيس إردوغان في الوقت الحالي، تتجه الأنظار حاليا إلى سياسة شيمشك وأصداء اسمه على الأسواق. كما تتجه الأنظار إلى المصرف المركزي والاسم الذي سيكون على رأسه، ولاسيما في ظل تقارير إعلامية تشير إلى أن إردوغان يفكر بتعيين امرأة شابة في منصب المحافظ، وهي حفيظة جاي إركان.”مرحلة عنيفة”وتعمل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على رفع أسعار الفائدة في محاولة لمكافحة التضخم.لكن الرئيس إردوغان لطالما دافع عن أسعار الفائدة المنخفضة في محاولة لتحفيز النمو، ووصف ذات مرة المعدلات المرتفعة بأنها “أم وأب كل الشرور” التي تروج لها “لوبي الفوائد” الأجنبية.وفي غضون ذلك، كان عام 2022 شهد تطبيق النموذج الاقتصادي المبتكر من جانب الحكومة، الذي قام على فكرة “غير تقليدية”، وهي أن الفائدة هي سبب التضخم، على خلاف النظرية الاقتصادية التي تقول إن معالجة التضخم تتطلب رفع أسعار الفائدة.وبموجب السياسة غير التقليدية، استمر البنك المركزي التركي بتخفيض أسعار الفائدة بشكل متسلسل، بدءا من الحد الأول 19 ووصولا إلى تثبيتها عند 8.5 بالمئة، أي فئة “الآحاد”، وهو الوعد الذي كرره إردوغان مرارا، وحققه.لكن ما سبق انعكس على قيمة الليرة التركية، بعدما تأثرت سابقا وفق خبراء بسلسلة الإقالات التي اتخذها إردوغان، واستهدفت محافظي البنك المركزي ووزراء الخزانة والمالية.ومن غير الواضح ما إذا كان الفريق الاقتصادي الجديد الذي يتصدره شيمشك سيتجه إلى رفع أسعار الفائدة في المرحلة المقبلة، وخاصة أنه سبق وأكد على ضرورة “استقلالية البنك المركزي”.ومن المقرر أن تجتمع “المركزي” في يوم 22 من يونيو الحالي ليقرر سياسته النقدية.ومن جهة أخرى قد تكون أحد أسباب الهبوط الكبير والمفاجئ لليرة “هو حركة بيع قوية من مستثمري عملات يابانيين بهدف تقليص خسائر لعقود سابقة”، وفقا لكبير المحللين في مؤسسة فوجيتومو للأوراق المالية بعد أن شهد زيادة الإقبال على تعاملات الليرة و الين الياباني، حسب “بلومبيرغ”.ويعتبر الباحث الاقتصادي الناظر أن “رفع أسعار الفائدة في المرحلة المقبلة لن يفيد بالنسبة للحالة التركية، وفي حال تم ذلك سيكون الأمر بداية حزينة للسيناريو الأرجنتيني”.”العمل خطر ويبدو أنه تم اتخاذ قرار بالتعويم بعد اجتماع الحكومة يوم الثلاثاء، بأن يرفع المصرف المركزي يده”.ومع ذلك، يوضح الناظر أن “السيطرة على التضخم تبرز كتحد كبير، ولتحقيق ذلك يجب اتخاذ تقشفية عنيفة على المواطنين والشركات مثل رفع الضرائب من أصغر سلعة إلى أكبرها”.كما “يجب تقييد للواردات والاستيراد من خلال فرض ضرائب على البضائع المستوردة لإغلاق عجز الحساب الجاري”.ويؤكد الناظر على فكرته بأن “رفع الفائدة لن يكون مفيدا”، ويعتقد أن “الشعب والشركات والاقتصاد في تركيا يواجه مرحلة صعبة وعنيفة”، وأن “شيمشك يسير بحقل ألغام”.”على يمين الحقل يمكن أن ينفجر التضخم، وعلى الطرف الآخر وفي حال الذهاب إلى رفع أسعار الفائدة بشكل عنيف سيؤدي الأمر إلى انهيارات في القطاع المصرفي”.ويتابع الباحث”: “الفريق الاقتصادي الجديد تنتظره أياما صعبة، ونأمل أن يمشي بدقة ومن دون أخطاء، لأن الخطأ سيكون كارثيا”.”رسائل للخارج”وكان إردوغان أوضح في خطاب فوزه بالانتخابات أن “المسألة الأهم في الأيام المقبلة تتمثل بحل مشكلات زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم”.وأضاف أن حكومته “ستسخر كافة إمكاناتها في الفترة المقبلة لنهضة الاقتصاد وتأهيل مناطق الزلزال”، دون أن يحدد بالتفصيل ما إذا كان سيظل ماضيا في سياسته السابقة أم سيتخذ نهجا مختلفا.وبعده خرج شيمشك في أعقاب تعيينه موجها عدة رسائل، اعتبرها الصحفي الاقتصادي في صحيفة “حرييت”، سفر ليفنت على أنها تستهدف الخارج أكثر من الداخل.وأعلن شيمشك أن “الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون مبادئنا الأساسية في الفترة المقبلة”.وإلى جانب العودة للأسس “العقلانية” أوضح أن “تسريع التحول الهيكلي الذي سيقلل من عجز الحساب الجاري له أهمية حيوية لبلدنا”.ويقول الصحفي ليفنت: “إذا كانت تركيا تريد التخلص من مخاوفها الاقتصادية الحالية، فسيكون من المفيد تذكر الاستثمارات الأجنبية التي تجاهلناها مؤخرا”.ويضيف أن “تركيا تحتاج إلى استثمارات أجنبية مباشرة لتنمو، وعلى الرغم من الحوافز والجهود المبذولة في السنوات الأخيرة، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة أقل من الإمكانات”.و”لا شك في أن هدف محمد شيمشك يشمل الأجانب الذين لديهم إمكانية جلب أموال ساخنة إلى تركيا”، إذ يشير ليفنت: “إذا عاد الأجانب إلى تركيا، فلن يكون من الصعب على سوق الأسهم تحطيم الأرقام القياسية وأن تصل أسعار الأسهم إلى القيم التي يستحقونها”.من جانب آخر ذكرت صحيفة “دنيا” الاقتصادية، يوم الأربعاء أن “نظام الودائع المحمية بالليرة هي السياسة الأكثر إثارة للجدل للإدارة الاقتصادية الجديدة”.و”وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف” آلية مالية أطلقتها الحكومة التركية أواخر 2021.وتضمن هذه الآلية للمودع بالليرة عدم وقوعه ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقتي الإيداع والسحب.ويشير تقرير الصحيفة الاقتصادية إلى أنه “ومع ارتفاع سعر الصرف، تنمو تكلفة الوديعة على الخزانة، ويتشكل ثقب أسود جديد في المالية العامة”.وتوضح: “بافتراض أن معدل الفائدة السنوي للوديعة هو 20 في المئة، يتم تحميل وزارة الخزانة بعبء يبلغ حوالي 200 مليار ليرة بسبب الاختلاف في زيادة معدل الدولار بنسبة 10.3 في المائة فقط في الأيام العشرة الماضية”.ومن المنتظر “بفارغ الصبر” في الدوائر الاقتصادية أن يجد الوزير الجديد شيمشك وإدارة الاقتصاد حلا لمشكلة “الودائع”، بحسب “دنيا”.ويرى الباحث الاقتصادي الناظر أن آلية الودائع تعتبر “كارثة”، وأن “الدولة ستدفع قرابة 200 مليار ليرة تركية عن الأشهر الثلاثة الماضية فقط وبالنظر إلى فرق سعر الصرف”.لكن وزير المالية والخزانة السابق، نور الدين نباتي اعتبر في أواخر العام الماضي أن “الوديعة المحمية أثرت أيضا بشكل إيجابي على الموازنة الاقتصادية الكلية ولعبت دورا مهما في نمو الاقتصاد الوطني”.وأشار إلى أن “النتائج الإيجابية للنموذج الاقتصادي القائم على الاستثمار والإنتاج والتوظيف والتصدير والنمو لم تظهر على تراجع التضخم وحسب بل أيضا على بيانات النمو”.