ثار إعلان السفير الروسي في القاهرة تقديم مصر طلبا رسميا للانضمام إلى مجموعة بريكس، تساؤلات حول أهمية هذه الخطوة بالنسبة للحكومة المصرية وعما إذا كانت ستساعد في حل مشكلة نقص الدولار الحالية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.
وقال السفير الروسي في القاهرة، غيورغي بوريسينكو، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية، نقلتها مواقع إخبارية روسية ناطقة بالعربية، الأربعاء، إن “مصر تقدمت بطلب للانضمام إلى مجموعة بريكس، لأن إحدى المبادرات التي تشارك فيها بريكس حاليا هي تحويل التجارة إلى عملات بديلة قدر الإمكان، سواء كانت وطنية أو إنشاء نوع من العملات المشتركة. ومصر مهتمة جدا بهذا الأمر”.ورجح الخبير الاقتصادي الأميركي، ديفيد باين، في حديث لموقع “الحرة” أن هدف مصر من الانضمام إلى بريكس يتمثل في التعامل بعملات أخرى كبديل للدولار، وكذلك إمكانية الحصول على قروض لحل أزمتها الاقتصادية وفوائد الديون.وأضاف أن مصر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة يعمقها نقص الدولار، وتفكيرها في التعامل التجاري بعملات أخرى ولو جزئيا يعتبر خطوة إيجابية قد تساعدها على المدى القصير على الأقل، خاصة في ظل تأزم المباحثات مع صندوق النقد وتراجع مساعدات دول الخليج.ووضع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية في الفترة الأخيرة، وفقا لباين، بشكل أو بآخر مزيدا من الضغوط النقدية على دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها مصر والجزائر والمغرب وتونس، ولذلك يرى أن العديد من الدول بدأت تبحث عن بدائل للدولار لتقليل الضغط على الطلب عليه ولجذب مزيد من الأموال الساخنة إليها.لكن باين لا يعتقد بشكل عام، أن الانضمام لبريكس سيكون كافيا لحل أزمة الدولار في مصر، لأنه سيظل العملة الأقوى والأساسية في التعاملات الاقتصادية في العالم، لكن لا يوجد ضرر من قيام دول مثل مصر بحل جزء من أزمتها باللجوء إلى عملات أخرى.وأشار باين إلى أن دول البريكس قد تساعد مصر في الفترة القادمة، سواء من خلال منحها قروضا أو ودائع قصيرة أو طويلة الأجل، ويمكن أن نشهد بعض الاستثمارات.وتابع الخبير الاقتصادي أن دولا مثل الصين وروسيا تريد زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومصر لا تزال مهمة بالنظر لموقعها الاستراتيجي، ولذلك قد تسعى هذه الدول لتذليل الصعوبات التي تعيق تطبيق التعامل بعملاتها مع مصر.وتحدث الاقتصادي الأميركي عن اختلاف الوضع بالنسبة لدول الخليج مقارنة بمصر، موضحا أن السعودية والإمارات على سبيل المثال لديهما فائض في الدولار، لكنهما أعلنتا تخصيص جزء من تجارتهما بعملات الصين وروسيا والهند كنوع من المناورات السياسية ضد بعض القرارات الأميركية التي لا يتفقون معها.وكانت الجريدة الرسمية في مصر نشرت، في 31 مايو الماضي، قرار تصديق الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، على اتفاقية تأسيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع بريكس ووثيقة انضمام مصر إلى البنك.وبدأت مساعي الحكومة المصرية للانضمام إلى البريكس، في يونيو 2018، عندما دعا السيسي إلى “إنشاء مجموعة الاتصال بين مجموعة بيركس والدول النامية، بغرض أن تكون مصر ضمن دول مجموعة الاتصال بما لديها من عضوية في عدد من التجمعات الاقتصادية الإفريقية والشرق أوسطية”، بحسب ما نشرته صحيفة الأهرام الرسمية المصرية.ووافق بنك التنمية الجديد على قبول مصر كعضو جديد رسميا، في مارس الماضي، وسبقها في ذلك دول عدة منها بنغلاديش، والإمارات، وأوروغواي، فضلا عن استمرار المحادثات مع السعودية والجزائر.وأكد وزير التموين والتجارة الداخلية، على المصيلحي، في 29 أبريل الماضي، إنه يجري التفكير في استيراد السلع الاستراتيجية بعملات أخرى بخلاف الدولار من أجل تخفيف الضغط على الدولار وأن هناك صفقة مع الصين بشأن ذلك، قائلا: “لم نصل حتى الآن إلى إعلان ذلك وإنما الاتفاقيات دائرة”، وفقا لما أوردته صحف رسمية.وقال الخبير الاقتصادي وزميل معهد واشنطن، ديفيد شينكر، لموقع “الحرة” إن الأزمة في مصر ليست الاعتماد على الدولار، مشككا في تأثير خطوة الانضمام لبريكس على تحسين وضع الاقتصاد المصري.وأضاف الخبير الأميركي أن “الأزمة الاقتصادية في مصر ناتجة عن سلسلة من القرارات الاقتصادية الخاطئة وعدم وجود دراسات واضحة لأولوية المشاريع والإنفاق”.وتابع أن “دولا مثل الصين أو حتى روسيا، اللذين يعانيان بالفعل من استمرار التراجع الاقتصادي، لن تهدرا أموالهما على دول متعثرة، مثل مصر، حتى لو كان الهدف نفوذا سياسيا”، مؤكدا أن الأمور ستكون “مدروسة ومحسوبة جيدا”.وأشار إلى أن “العقلية الحاكمة في مصر تسر في اتجاه واحد، وهو الاقتراض أو بيع الأصول لتسديد فوائد هذه القروض”، موضحا أنها “حاليا تتحايل على الأمر بالتوجه والانضمام لتكتلات جديدة، ظنا منها أنهم سينقذونها”.وأوضح أن “الأزمة تكمن في أن الحكومة المصرية لا تعرف كيف تضع خططا اقتصادية صائبة، وهو ما رأيناه في تعاملها مع صندوق النقد الدولي، الذي اختارت مصر بمحض إرادتها الاقتراض منه ووافقت على شروطه، والآن لا تريد أن تمضي قدما في الالتزام بهذه الشروط، سواء بتحرير سعر الصرف أو خروج الجيش من الاقتصاد”.وبريكس BRICS، حسب موقعها الرسمي على الإنترنت، منظمة تجمع خمس دول هي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا. وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها.وعُقد أول اجتماع وزاري للمجموعة، في 20 سبتمبر 2006، بدعوة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تقرر، حسب نفس المصدر، خلال قمة بريكس بالبرازيل، في 15-16 يوليو 2014، إنشاء بنك للتنمية وتبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، التي باتت تمتلك ما مجموعه 200 مليار دولار.وأوضح موقع المنظمة أنه في عام 2013، شكلت دول مجموعة بريكس حوالي 27 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (من حيث تعادل القوة الشرائية لعملاتها الوطنية). ويبلغ إجمالي عدد سكان بريكس 2.88 مليار (42 في المئة من إجمالي سكان العالم)، وتغطي البلدان بالخمسة 26 في المئة من مساحة كوكب الأرض.وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أسامة أبو العز، إن “النظام لحاجته الشديدة للمال بدأ البحث عن مستثمرين آخرين بعيدا عن دول الخليج”، لكنه أوضح أنه “لا يمكن الاعتماد على دول البريكس لحل أزمة الدولار في مصر، لأن الحل يكمن في خروج الجيش من الاقتصاد وترك السوق للمنافسة الحرة”.وأضاف أن دول بريكس، مثل الصين، يمكن أن تفكر في شراء بعض الأصول الناجحة في مصر، مشيرا إلى أن “الحكومة الحالية في طريقها لبيع محطة كهرباء بني سويف التي أنشئت منذ 5 أعوام فقط لشركتين بريطانية وماليزية بـ 2 مليار دولار، وهو سعر أقل كثيرا من قيمتها الحالية أو حتى قيمتها وقت إنشائها، وهذا الفرق طبعا لإغرائهم بالشراء”.وأكد أن “جميع من وافق على الشراء اشترط أن تبيع له الحكومة حصتها بالكامل، وتلتزم بعدم الدخول لاحقا للمنافسة في هذا المجال بإنشاء شركات جديدة”.لكن الخبير الاقتصادي، كريم أبو المجد، قال إن “تنفيذ مصر لهذه الخطة له مكاسب إيجابية، حتى لو تم بنسبة 5 أو 8 في المئة من المعاملات التجارية”.وأكد أن هذا التجمع يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي، منها ثلث تجارة الحبوب ومعدل النمو الاقتصادي وحركة التجارة الدولية بالإضافة إلى أن التجمع يضم العديد من الدول في شرق آسيا وأفريقيا.وأوضح أن من المتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لذلك فإن زيادة التعاون مع دول المجموعة ستعزز الشراكات وستسهم في دعم الاقتصاد المصري، بحسب قوله.وأشار أبو المجد إلى أن روسيا اعتمدت مؤخرا الجنيه المصري ضمن سلة عملاتها، وهناك نقاشات تتم مع كل من الصين والهند، ما يمثل دعما لنجاح مصر في الانضمام إلى بريكس، وثمة توقعات بأن تشهد الفترة المقبلة نموا للوفود السياحية القادمة من دول المجموعة إلى مصر.وقال إن من الفوائد المتوقعة من انضمام الاقتصاد المصري للتحالف يتمثل في تأمين احتياجات البلاد من السلع الضرورية كالقمح من روسيا والأجهزة الإلكترونية من الهند والصين، وكذلك البن والشاي من دول أخرى كالبرازيل والمواد الخام وغيرها من دول التحالف”.وأضاف أنه “ستكون هناك معاملة تفضيلية في التعامل التجاري مع تلك الدول باعتبارنا سنكون شركاء وحلفاء ضمن تحالف بريكس دون غيرنا من الدول الأخرى”.(الحرة)