“صيرفة” تُثير اهتمام نواب الحاكم… هل يُستغنى عنها؟

19 يوليو 2023
“صيرفة” تُثير اهتمام نواب الحاكم… هل يُستغنى عنها؟
سوليكا علاء الدين

بعد مرور أكثر من عامين على إطلاق مصرف لبنان منصّة “صيرفة” بغية ضبط المضاربات في الأسواق وتوحيد سوق الدولار المتفلّت، تزداد الأحاديث حول مدى قرب الاستغناء عن المنصّة أو على الأقل تعديل آليّة عملها عقب انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة نهاية تموز الجاري. تداعيات مرحلة ما بعد سلامة تفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات لا سيما حول المسار الذي سوف يسلكه سعر صرف الدولار، كما تطرح الكثير من التساؤلات حول مصير “صيرفة” والفائدة من الابقاء عليها في إطارها الحالي بعد فشلها في لجم جنون سعر الصرف واستمرارها في استنزاف الاحتياطي بالعملات الاجنبية.

بعيداً عن سلامة، يقع مصير “صيرفة” اليوم في أيدي نوّاب الحاكم الأربعة الذين لا يتوانون عن التصريح دائماً بضرورة إلغائها أو إدخال بعض التغييرات عليها. وهذا ما أشار إليه مؤخّراً نائب الحاكم الثالث سليم شاهين، في حديث إلى “رويترز” بقوله إنّ البنك المركزي سوف يقوم في وقتٍ لاحق من هذا الشهر، بوقف عمل المنصة المثيرة للجدل، بعد انتهاء فترة عمل سلامة التي استمرّت 30 عاماً، كاشفاً عن محادثات تُجريها قيادة “المركزي” مع صانعي السياسات في الحكومة والبرلمان وأيضاً صندوق النقد الدولي بشأن الحاجة إلى الابتعاد عن هذه المنصة، نظراً الى افتقارها إلى الشفافية والحوكمة؛ على أن تتمّ عمليّة الإلغاء بصورة تدريجية. فالمنصّة لا يُمكن وقفها فوراً تجنّباً لحدوث أي فوضى عارمة في سعر صرف الدولار أو خضات نقدية ومالية في السوق، في ظل استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، وعدم القدرة على تعيين حاكم أصيل لـ “المركزي”، وعدم إنجاز أي تقدّم على مستوى خطة التعافي. ويسعى نواب الحاكميّة عبر مفاوضاتهم الجارية إلى الاتفاق مع وكالة “بلومبرغ” الأميركية على إنشاء منصة جديدة بديلة عن “صيرفة”، مع تخلّي مصرف لبنان عن التدخل في السوق.

لا شكّ في أنّ منصّة “صيرفة” ليست منصّة مثالية بحيث يُحيط بعملها الكثير من الالتباسات والشوائب، وقد وصفها البنك الدولي بأنّها أداة نقدية غير مؤاتية أدّت إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في سعر صرف الليرة على حساب الاحتياطي والوضع المالي لمصرف لبنان، لا سيما في غياب سعر صرف وإطار نقدي جديدين، فضلاً عن تحوّلها إلى آليّة لجني أرباح من خلال اختلاف سعر الصرف، لافتاً إلى أن المشترين على منصة “صيرفة” جنوا ما يُقارب الـ 2.5 مليار دولار نتيجة فرق سعر الصرف. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ قرار وقف العمل بها من دون إيجاد منصّة بديلة أو معدّلة ضمن رؤية اقتصادية ونقدية ومالية سليمة من المتوقع أن تكون له انعكاسات سلبية وسط الانهيار السائد وفي ظل غياب أي إرادة جدية لتنفيذ الاصلاحات على اعتبار أنّ وجودها يبقى حاجة ضرورية في ظل هذه الظروف الاستثنائية من أجل الحفاظ على استقرار سوق القطع.

فالمنصّة تُوفّر ما يُقارب الـ 150 مليون دولار يومياً في السوق اللبنانية، كما أنّ المسّ بها من شأنه أن يعرّض أكثر من نصف مليون أسرة لبنانية مُستفيدة من “صيرفة” لا سيّما موظفو القطاع العام البالغ عددهم 330 ألف موظف والذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية ويعتمدون على عمليّات المنصة من أجل الافادة وتوفير بضعة دولارات إضافية لتأمين احتياجات معيشتهم اليومية. إنطلاقاً من هنا، فإنّ المسعى البديل يكمن في القدرة على إيجاد منصة تعتمد على معايير الشفافية والاستدامة وتتمتّع بإدارة نزيهة وكفوءة، من أجل ضمان حركة التداولات وضبط عمليات البيع والشراء، أي أن تكون أداة نموذجيّة وفاعلة تعمل على إعادة الوضع المالي والنقدي الى سكّة التعافي وتمهّد لتحرير سعر الصرف، لا أن تكون أداة للسرقة والفساد والمضاربة من أجل كسب أرباح غير مشروعة.

إذاً، بعد قلب نواب الحاكم الطاولة رأساً على عقب والتلويح بالاستقالة في حال عدم انتخاب حاكم جديد، يبدو أنّهم قد تراجعوا عن استقالتهم بعد رفضها ضمنياً وتعرّضهم لهجوم عنيف واتهامهم بالتهرّب والتنصّل من مسؤولياتهم. فالاستقالة لا تعني التخلي عن مناصبهم والعزوف عن مهامهم، لا بل سيبقون مسؤولين عن ممارسة مهام تصريف الأعمال إلى حين تعيين حاكم أصيل ونوّاب جدد، وبالتالي لا خيار أمامهم سوى مواصلة العمل وتكثيف الاتصالات بالأطراف المعنيّة واتخاذ كل التدابير المناسبة لتهدئة الوضع المأزوم وتوفير الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي. فهل يُقدم النواب مُجتمعين على شطب منصّة “صيرفة” من الوجود، خصوصاً وأن بعض المعلومات تُشير إلى أنّ البنية الأساسية للمنصّة البديلة، أصبحت شبه جاهزة بآليّات أكثر شفافية تعكس الواقع في السوق، أي السعر الحقيقي لليرة مقابل الدولار ، بانتظار وضوح آلية عمل المنصة الجديدة؟

وبانتظار ما ستؤول إليه أحداث آخر أيام ولاية حكم سلامة، تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة غير أنّ المشكلة لا يُمكن تصغيرها وحصرها بمنصّة “صيرفة” فقط وما إذا سيتمّ إلغاؤها أو تعديلها أو استبدالها. فالحل الحقيقي والصارم للأزمة يبدأ بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تقوم بتطبيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية المطلوبة والسير قُدماً بخطة التعافي لتحقيق الاستقرار وإعادة وضع البلاد على طريق النهوض من جديد.

المصدر لبنان الكبير