باتت كتلة “الآسيان” أقرب أكثر للتكامل المالي والتماسك الاقتصادي، بعد إقرار نظام دفع إقليمي جديد بالعملات المحلية عبر الحدود من قبل دول جنوب شرق آسيا.البرنامج، الذي يسمح للمقيمين بالدفع مقابل السلع والخدمات بالعملات المحلية باستخدام رمز الاستجابة السريعة “QR Code”، نشط الآن في إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة. ومن المتوقع أن تنضم الفلبين قريبا، وفقاً للبنك المركزي لكل بلد.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن وقعت دول جنوب شرق آسيا الخمس اتفاقية رسمية أواخر العام الماضي. وفي قمة الآسيان الأخيرة في مايو/أيار، كرر القادة أيضاً التزامهم بالمشروع، وتعهدوا بالعمل على خريطة طريق لتوسيع روابط الدفع الإقليمية لجميع أعضاء الآسيان العشرة.ويهدف المخطط إلى دعم وتسهيل التسويات التجارية عبر الحدود والاستثمار والتحويلات والأنشطة الاقتصادية الأخرى بهدف تنفيذ نظام بيئي مالي شامل حول دول جنوب شرق آسيا، وفقاً لما ذكرته “CNBC”، واطلعت عليه “العربية.نت”.قال المحللون إن صناعات مثل التجزئة ستستفيد بشكل خاص وسط الزيادة المتوقعة في الإنفاق الاستهلاكي، ما قد يعزز بدوره السياحة.ويعتبر الاتصال الإقليمي أمراً بالغ الأهمية لتقليل اعتماد المنطقة على العملات الخارجية مثل الدولار الأميركي في المعاملات عبر الحدود، لا سيما بين الشركات. حيث أدت قوة الدولار في السنوات الأخيرة إلى ضعف عملات الآسيان، الأمر الذي أضر بتلك الاقتصادات لأن غالبية أعضاء الكتلة هم من مستوردي الطاقة والغذاء الصافي.كيف تعمل؟من خلال ربط أنظمة الدفع باستخدام رمز الاستجابة السريعة، يمكن إرسال الأموال من محفظة رقمية إلى أخرى.وتعمل هذه المحافظ الرقمية بشكل فعال كحسابات بنكية، ولكن يمكن أيضاً ربطها بحسابات مع مؤسسات مالية رسمية.وعلى سبيل المثال، يمكن للسياح الماليزيين في سنغافورة إجراء دفعة بالرينجت الماليزي في محفظتهم الرقمية الماليزية عند إجراء معاملة. ويمكن للعامل الماليزي في سنغافورة إرسال أموالاً بالدولار السنغافوري في محفظة رقمية سنغافورية إلى محفظة المستلم في ماليزيا.وسيتم تحديد الرسوم وأسعار الصرف بالاتفاق المتبادل بين البنوك المركزية نفسها.وفي الوقت الحالي، لا يوجد نظام على مستوى منطقة كاملة مثل هذا في أي منطقة أخرى من العالم، ولكن في المستقبل، يأمل بنك التسويات الدولية، ومقره سويسرا، في ربط أنظمة دفع التجزئة في جميع أنحاء العالم باستخدام رموز “QR” أو أرقام الهواتف.بدوره، يرى المستشار في قسم تأثير البحوث الاقتصادية والتنمية في بنك التنمية الآسيوي، ساتورو ياماديرا أن جهود البنوك المركزية في الآسيان “مبتكرة وجديدة”.وتابع قائلاً: “في مناطق أخرى مثل أوروبا، أصبح الاتصال عبر بطاقات الائتمان والخصم أكثر شيوعاً بينما تشتهر الصين بالدفع المتقدم باستخدام رمز الاستجابة السريعة، ولكنها غير متصلة مثل رموز “QR ASEAN”.منافع اقتصاديةلا تفرض المدفوعات بنظام “QR” رسوماً على حاملي البطاقات والتجار. كما أنها تتميز بمعدلات تحويل أفضل من تلك التي تحددها معالجات الدفع الخاصة مثل “فيزا”، و”American Express”.ويعتقد الخبراء أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون أكبر الفائزين من شبكة المدفوعات الإقليمية الجديدة. ووفقاً لبنك التنمية الآسيوي، تمثل هذه الشركات أكثر من 90% من الأعمال في جنوب شرق آسيا.وقال نيكولاس لي، المحلل التكنولوجي الرئيسي لآسيا في “Global Counsel”، وهي شركة استشارية للسياسات العامة، إن النظام الجديد لرابطة دول جنوب شرق آسيا سيمكن التجار والمستهلكين من بناء سجل دفع قوي، وتوفير بيانات قيمة لتسجيل الائتمان.وأضاف: “هذا مفيد بشكل خاص لشرائح السكان التي لا تتعامل مع البنوك وقلة فروع البنوك، والتي تفتقر تقليدياً إلى الوصول إلى بيانات تقييم الائتمان هذه”.ضغوط العملة في المستقبلفي حين أن تعزيز ربط المدفوعات داخل المنطقة لديه القدرة على تقليل الاحتكاك في الدفع وتسريع التحول الرقمي، إلا أنه قد يؤدي عن غير قصد إلى الضغط على عملات معينة، لا سيما الدولار السنغافوري.قال لي: “إن السيناريو المحتمل لظهور الدولار السنغافوري كعملة احتياطي بحكم الأمر الواقع داخل المنطقة يشكل تحدياً يتعين على دول الآسيان مواجهته”.وأوضح قائلاً: “مع قوة واستقرار الدولار السنغافوري، قد تختار الشركات الدولية والإقليمية الاحتفاظ بالمزيد من رأس مالها العامل بالدولار السنغافوري، بالاعتماد على شبكة الدفع الجديدة لتحويل العملات بكفاءة”.إذا حدث ذلك، فقد يضعف القوة الشرائية للعملات الأخرى في المنطقة ويؤدي إلى ارتفاع التضخم المستورد إذا لم تتدخل البنوك المركزية.في مثل هذا السيناريو، قد تشعر السلطات بالحاجة إلى فرض قيود على رأس المال من أجل حماية عملاتها الخاصة، مما قد يقوض الغرض الأساسي من إنشاء شبكة دفع إقليمية.(العربية)