لا تخفي سلطات الإحتلال تطلعاتها لاستغلال الموارد الاقتصادية التي تسيطر عليها لزيادة نفوذها السياسي ومراكمة أرباحها المالية. وفعلياً، فإن قطاع الطاقة بات من المجالات التي تسعى إسرائيل للإستثمار به بكثافة وقوة بغية الوصول إلى موقع إستراتيجي متقدم ضمنه، مع العلم أن الهدف الأول والأساس يرتبط بالخطوات على صعيد تكريس صادرات الغاز إلى العالم وسط الحرب الروسية – الأوكرانية.
وفي السياق، يقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق مايكل هراري أن “ما قد يشجع الاحتلال على مزيد من استغلال موارد الطاقة هو أن الحملات الانتخابية في تركيا واليونان وقبرص انتهت، وبات لكل منها حكومة مستقرة بما يسمح لها بدراسة السياسات المناسبة بطريقة أكثر توازنا وواقعية”، وأضاف: “أما إسرائيل فلديها وضع مختلف ومثير للقلق، رغم تشكيل حكومة بأغلبية في الكنيست. وحالياً، فإن تل أبيب تصدّر الغاز إلى الأردن ومصر التي تستهلك الغاز للسوق الداخلي المتعطش لمصادر الطاقة. كذلك، فإن إسرائيل تسعى الآن للسماح بتصدير غاز إضافي من حقل ليفياثان، وتعلق آمالها على الجولة الرابعة من العطاءات التي أغلقت منذ وقت ليس ببعيد”.
ولفت هراري إلى أنّ “تل أبيب ستستمر في تصدير الغاز إلى مصر والأردن، رغم أن لديها فكرة قائلة بأن هناك حاجة لطريق تصدير إضافي، اقتصاديًا واستراتيجيًا، ولديها اليوم 3 بدائل رئيسية: أولاها منشأة الإسالة في البحر قرب حقل ليفياثان، وهو بديل تم رفضه تمامًا في الماضي نظرًا لارتفاع تكلفته”.وأكد هراري أنَّ “البديل الثاني يتمثل في خط أنابيب إلى قبرص، ومن هناك يجري نقل الغاز عبر منشأة التسييل الكائنة عند الساحل القبرصي إلى أسواق التصدير ذات الصلة”، وأردف: “هذا البديل الذي تم طرحه في الماضي جرى وضعه الآن على جدول الأعمال مرة أخرى من قبل الرئيس القبرصي خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل. أما البديل الثالث فيرتبط بالتصدير إلى تركيا وهي سوق طاقة كبير وقريب جغرافيًا، عبر خط أنابيب من حقل الغاز”.وأشار إلى أن “لكل بديل مزايا وعيوباً اقتصادية وسياسية واستراتيجية، لكن الاعتبار الاقتصادي في ما يتعلق بتكلفة البديل الذي سيتم اختياره والتوقعات المستقبلية لأسعار الطاقة في السنوات القادمة، سيكون له وزن كبير بالتأكيد، لأن الوضع السياسي في المنطقة يعطي تل أبيب مساحة للمناورة، حتى لو لم تخل من معضلات معقدة، وفي هذه الحالة يجب على إسرائيل أن تبحث عن 4 خيارات رئيسية أولها العلاقة الوثيقة المتطورة خلال السنوات القليلة الماضية مع اليونان وقبرص، بسبب مجموعة واسعة وعميقة من المصالح، بما فيها المتعلقة بالمستوى الأمني”.وأوضح هراري أن “الخيار الثاني متعلق بالصراع القائم مع تركيا بشأن مشكلة قبرص، لأنه سيكون من الصعب للغاية الترويج لبديل قبرصي لصادرات الغاز دون إحراز بعض التقدم”، وأكمل: “أما الخيار الثالث فيرتبط بالعلاقة مع مصر، لأن تحسن علاقتها مع تركيا في الأشهر الأخيرة يخدم مصالحهما، ويتطلب جهدًا مشتركًا لتوسيعها، رغم عدم انتهاء خلافات الرأي بين تل أبيب وأنقرة، وبوادر التساؤل والشك بينهما. أما الخيار الرابع فهو الاتفاق البحري بين إسرائيل ولبنان، ورغم الطبيعة الإشكالية والمتفجرة للساحة اللبنانية، لكن الحاجة ملحة لاستغلال الاتفاق بشكل إيجابي في ظروف إقليمية ودولية مواتية لصالح الطرفين”.تشير هذه الخيارات والبدائل الإسرائيلية حول الغاز والطاقة إلى أنّ التحدي الذي يواجهها ليس سهلاً، رغم حاجتها لتحسين موقعها الإقليمي في شرق البحر المتوسط، وأجواء الانفراج السائدة في المنطقة في الأشهر الأخيرة، لكن الانقسام الداخلي فيها، والتشكيل المتطرف لحكومتها، لا يؤديان في الوقت الحالي للاستغلال المطلوب للغاز، مما يزيد من حدة التساؤل والقلق بشأن استقرار الساحة الإسرائيلية اقتصاديًا وسياسيًا وأمنياً. (عربي21)