الاقتصاد الفرنسي بات مهدداً.. الانقلابات الافريقية تنعكس سلباً عليه

1 سبتمبر 2023
الاقتصاد الفرنسي بات مهدداً.. الانقلابات الافريقية تنعكس سلباً عليه


كورقات الدومينو تتساقط مجموعة من الدول الأفريقية التي كانت تشكل منفذاً رئيسياً للنفوذ الفرنسي في القارة السمراء، بما يعمق التحديات التي تواجهها باريس في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم بما تزخر به من ثروات هائلة، لا سيما فيما يخص المواد الأولية والمعادن.

من مالي وبوركينا فاسو وصولاً إلى النيجر والغابون أخيراً، ضربت عدوى الانقلابات حصون فرنسا واحداً تلو الآخر في إفريقيا، وبما يفضي إلى قلق فرنسي عميق جراء تصاعد التهديدات المرتبطة بخسائرها للأنظمة الحليفة لها في تلك البلدان، وتحت وطأة تنامي الأصوات المحلية الرافضة للوجود الفرنسي، والداعية إلى ضرورة بناء شراكات متوازنة تُخرج دول القارة من نطاق التبعية.تفاقم تلك الأحداث والتطورات الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد الفرنسي، المُثقل أساساً بتبعات الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولا سيما في ضوء اعتماد باريس على حلفائها في القارة السمراء فيما يخص واردات بعض المواد الأساسية، ومن بينها اليورانيوم من النيجر المستخدم في محطات توليد الطاقة الكهربائية في باريس على نطاق واسع.خسارة فرنسا لتلك البقع الاستراتيجية في القارة، ووسط تصاعد احتمالات توسع حمى التوترات السياسية في دول أخرى في المرحلة المقبلة، يعد اختباراً قوياً للدبلوماسية الفرنسية التي تتعرض لهزّات عنيفة في الوقت الحالي، كما أنها تشكل اختباراً مماثلاً لقدرة وصلابة الاقتصاد الفرنسي على استيعاب أية خسائر قادمة من أفريقيا، في ضوء توسع الشركات الفرنسية العاملة في دول القارة، فضلاً عن اعتبار عدد من بلدان القارة كأسواق مهمة للمنتجات الفرنسية، ومع ارتباطات العملة في تلك البلدان بباريس.
يقول خبير العلاقات الدولية، رضوان قاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الوضع بالنسبة لفرنسا متأزم إلى حد كبير، بالنظر إلى الأحداث الجارية في إفريقيا وسلسلة الانقلابات التي تشهدها القارة وفي الدول التي كانت ترتبط بشكل مباشر ببياريس، وبما يؤثر على المصالح الفرنسية بصورة واضحة.ويشير إلى أن الأحداث المتتابعة تؤثر على الاقتصاد الفرنسي على عدة صعد، لا سيما عند الأخذ في الاعتبار طبيعة الثروات التي تزخر بها تلك الدول والعلاقات الاقتصادية التي تربطها بفرنسا، وما توفره للشركات الفرنسية من فرص واسعة، بما في ذلك ما يتعلق باليورانيوم (كما هو الحال بالنسبة للنيجر) وكذلك النفط (كما هو الحال بالنسبة للغابون) ومواد أخرى مثل الخشب والذهب والمغنسيوم والمنغنيز وما إلى ذلك.ويلفت إلى أن الاقتصاد الفرنسي يعتمد في كثيرٍ من تلك الموارد على دول أفريقية، وبالتالي تشكل الأحداث المتتابعة في القارة صفعة كبيرة بالنسبة لباريس، خاصة الانقلاب الحالي في الغابون ومن قبله في النيجر، وبما يؤثر بدوره على السياسة الخارجية لفرنسا والتي طالب مجلس النواب الفرنسي بإعادة النظر فيها.ويتابع خبير العلاقات الدولية: “ربما لا تتوقف الأحداث عند ذلك الحد، ونرى تساقطاً لأحجار الدومينو في القارة الأفريقية دولة تلو الأخرى، وهو ما يؤزم الأوضاع بالنسبة للاقتصاد الفرنسي، لا سيما وأنه يعاني فعلياً من مشكلات جوهرية بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ومع اعتماد أوروبا السابق على الغاز الروسي.. وبالتالي فإن الاقتصاد الفرنسي أمام تحديات صعبة تفرزها تلك التطورات”.ويلفت قاسم إلى أن باريس مُهددة بشتاء أكثر برودة لا سيما وأن المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء تعتمد على اليورانيوم من النيجر (منظومة الكهرباء في فرنسا تستورد 70 بالمئة من اليورانيوم المستخدم بتصنيع الكهرباء من النيجير).وتفضي التوترات التي تشهدها دول القارة، لا سيما في غرب أفريقيا، إلى قلق فرنسي واسع حيال تصاعد التهديدات المرتبطة بتراجع واسع للدور الفرنسي في تلك المنطقة الاستراتيجية، والتي تجمعها وباريس علاقات اقتصادية مهمة لكل من الطرفين.
تشير بيانات وزارة المالية الفرنسية، إلى أنه في العام 2022 نما التبادل التجاري بين فرنسا والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا بنسبة 9.8 بالمئة مقارنة بالعام 2021، وصولاً إلى 5.1 مليار يورو.. كما تشير البيانات نفسها إلى أن:الصادرات الفرنسية إلى دول المنطقة ارتفعت بنسبة 6.8 بالمئة، لتصل إلى 3.7 مليار يورو، بما في ذلك الثلثين المتجهة إلى ساحل العاج والسنغال.تظل كوت ديفوار العميل الرئيسي لفرنسا في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، متقدمة على السنغال.المنتجات من الصناعات الغذائية والصناعات الدوائية هي سلعة المبيعات الرائدة لفرنسا لدول الاتحاد.ارتفعت الواردات الفرنسية من المنطقة بشكل حاد بنسبة 18.6 بالمئة لتصل إلى 1.4 مليار يورو، جاء 75 بالمئة منها من كوت ديفوار، لا سيما فيما يتعلق بشكل رئيسي بالمنتجات الزراعية والصناعات الغذائية الزراعية.النيجر تأتي في المرتبة الثانية ارتباطاً بالواردات الفرنسية من المنتجات المعدنية (بقيمة 142.3 مليون يورو)، المكونة حصرياً من اليورانيوم. والتي تمثل أكثر من 98 بالمئة من مشتريات باريس في الإقليم.ترى فرنسا أن فائضها التجاري مع الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا يظل مستقراً تقريباً (+0.7 بالمئة مقارنة بالعام 2021) عند 2.3 مليار يورو.وتنشط في القارة الأفريقية أكثر من 1100 مجموعة استثمارية فرنسية عملاقة، وحوالي 2100 شركة كبرى. كما تعد فرنسا ثالث أكبر مستثمر في أفريقيا بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن دخول منافسين أقويا حلبة المنافسة في القارة السمراء (مثل الصين وروسيا) هدد بشكل كبير الحضور الفرنسي، فضلاً عن الحركات الشعبية الرافضة للوجود الفرنسي في أفريقيا.