يعاني الاقتصاد السوري من ركود شديد، ومن اضطرابات تتمثل في ارتفاع معدل التضخم وانخفاض الدخل، وقد أدت هذه الأزمة الرئيسية إلى تدهور المستوى المعيشي للمواطنين. فالاقتصاد السوري لم يكن بمنأى عن التأثيرات السلبية الحادة التي شهدها الاقتصاد العالمي بسبب الأزمات السياسية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، إضافة لاستمرار تداعيات جائحة كورونا. لكن ولعل التدابير القسرية الاحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري من قبل الغرب قد زادت من شدة قساوة هذه التأثيرات ،إضافة لتداعيات الحرب الإرهابية في عامها ال12.
Advertisement
شهدت سوريا في 6 شباط الماضي كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال سوريا بقوّة 7.8 درجات وأعقبته هزّات ارتدادية عنيفة وكان له تداعيات كبيرة على الاقتصاد السوري، وقد انكمش إجمالي الناتج المحلّي بنسبة تجاوزت 5.5%بالمئة العام 2023.
ومن المتوقّع أن “يزداد انكماش إجمالي الناتج المحلّي بمقدار 2.3 نقطة مئوية” في سوريا، بحسب ما يؤكد استاذ الاقتصاد والعلاقات الدولية في دامعة دمشق عدي سلطان لـ”لبنان24″، لأن النمو الاقتصادي قد يشهد مزيداً من الانكماش إذا تباطأت أعمال إعادة الإعمار وخاصة البنية التحتية الأساسية .
ان الانكماش الإضافي، بحسب سلطان، يعود في الدرجة الأولى إلى تدمير رأس المال المادّي بفعل الإرهاب وتعطّل النشاط التجاري، ومن بين العناصر التي يمكن أن تفاقم التداعيات على الاقتصاد، محدودية الموارد العامّة، وضعف الإمكانات، فالاقتصاد يعتمد على روابط سلاسل التوريد ذات التكاليف العالية، ونعلم بأن الاقتصاد السوري يعمل بخليط من الصناعة والزراعة ، ونتائجه نصف نمو مع صفر تنمية في عالم اقتصاد المعرفة.
لقد زاد معدّل التضخّم في سوريا بنسبة عالية، والسبب الرئيسي في ذلك، وفق سلطان، النقص في السلع المتوفّرة، وزيادة تكاليف النقل، وارتفاع الطلب الكلّي على مواد إعادة البناء، والاهم العقوبات الغربية التي أضرت كثيرًا بالاقتصاد السوري وبثقة المستثمرين،رغم اتخاذ عدة إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار وإعادة المستثمرين العرب والأجانب.
بقيت غالبية المواطنين السوريين تعاني أزمة مالية متصاعدة باستمرار، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الأدوية والاتصالات والمواصلات، إضافةً إلى شريحة الخضار والفواكه والمواد الغذائية الضرورية التي ازدادت تكاليف نقلها وتسويقها وصولاً إلى حلقة المستهلك. لذا، وأمام كل تلك التحديات، فإنّ محاولات زيادة القوة الشرائية لليرة السورية وزيادة الرواتب الحكومية ستبقى، بحسب قراءة سلطان، صعبة التحقيق والمنال في الوقت الحالي، بسبب ارتفاع حجم كتلة الرواتب والاجور في الموازنة العامة للدولة ،وهذا يقتضي ضرورة أن تتسارع الخطى بشكل جدي وإسعافي لدعم الانتاج أولًا كخيار استراتيجي لأنه الكفيل بمحاربة التضخم وضرورة النهوض بالواقع الكهربائي في سوريا بشكل حقيقي ومُتسارع فذلك يحقّق تربة خصبة للصناعيين والتجار لحثّهم على البقاء في سوريا، الأمر ذاته الذي سيشجّع المغتربين السوريين من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة للعودة إلى وطنهم الأم و تدوير عجلة إنتاجهم.
إنّ بداية أي إصلاح اقتصادي يجب أن ترتبط، كما يقول سلطان، بزيادة إنتاج الكهرباء التي تُعدّ النواة الأولى لأي نشاط اقتصادي،لأن توفير الكهرباء بشكل وافٍ وكافٍ، سيؤدي إلى زيادة الإنتاج في المصانع السورية وزيادة نسبة العرض في الأسواق، كما إنّ تأمين الكهرباء بأسعار مقبولة سيؤدي إلى انخفاض الطلب على المحروقات بشكل كبير نتيجة عدم حاجة أصحاب الفعاليات الصناعية والتجارية لتشغيل مولداتهم الكهربائية الخاصة، ما سيؤدي بدوره في نهاية المطاف إلى تخفيض أسعار جميع المنتجات السورية، نظراً إلى انخفاض تكاليف إنتاجها وتسويقها، لدرجة قد نرى فيها المنتجين السوريين قادرين على تصدير الفائض من منتجاتهم بأسعار منافسة حتى في الأسواق الخارجية.
ان الخطوات السابقة إن تمّ العمل بها سريعاً، ستساهم، كما يقول استاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، في تحفيز الاستثمارات وتقليص هجرة رؤوس الأموال والكفاءات العلمية والفنية والمهنية من سوريا، وبالتالي ستُسهم تلك الخطوات في تعزيز البنية الاقتصادية السورية. والمستقبل الاقتصادي الافضل سيتحقق في حال تم التوجه الحقيقي لدعم الانتاج ودمج اقتصاد الظل في الاقتصاد الرسمي، وتوفير الكهرباء اللازمة للصناعة فكيف يمكن للصناعي أن يستمر بمشروعه من دون توفّر الكهرباء بشكل مستقرّ،كما أنّ دعم أي حكومة للشركات الصغيرة والمتوسطة يجب أن يبدأ من خلال نظام ضريبي عادل وكفؤ وتوفير الرخص والامتيازات للمشاريع الاستثمارية بشكل سلس وبسرعة لا تعرقلها أي إجراءات بيروقراطية.
وأخيرًا فإن تحقيق أي ثبات في سعر الصرف ستكون له انعكاسات إيجابية واضحة وملموسة على صعيد الادخار بالليرة السورية، الأمر الذي سيدفع العديد من المواطنين إلى إيداع ملايين الليرات في البنوك وعدم الحاجة إلى استعمال أي عملات أجنبية.
إن هناك حاجة ملحة لإصلاح الوضع الاقتصادي المتوقع في سيناريوهات الاقتصاد السوري لعام 2024، الذي يتسم بارتفاع معدل التضخم ونقص السلع والمشتقات البترولية مع رواتب ضعيفة، لذلك، يجب اللجوء بحسب اكثر من تصريح لوزيرة الاقتصاد السورية السابقة لمياء عاصي إلى قوى تغيير رئيسية ودافعة، وهي كالتالي: اللامركزية الاقتصادية. المشروعات الصغيرة والصغيرة جدًا. تحسين القدرة الشرائية للمواطنين. مراجعة السياسات النقدية والمالية، فمن أجل أن تكون السياسات النقدية مرنة لتعزيز العجلة الاقتصادية وتحفيز عمليات الإنتاج والتشغيل، يجب على الحكومة مراجعة السياسات النقدية والمالية لتعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التوازن في الاقتصاد.