اشتعال التوترات في الشرق الأوسط… وأسعار ملتهبة بانتظار الأسواق في رمضان

4 فبراير 2024
اشتعال التوترات في الشرق الأوسط… وأسعار ملتهبة بانتظار الأسواق في رمضان


مع اشتعال التوترات الإقليمية والأوضاع الاقتصادية في الشرق الأوسط، يتوقع محللون أن تشهد أسعار السلع والغذاء ارتفاعات كبيرة خاصة مع اقتراب شهر رمضان الذي يحل بعد نحو 40 يوما.

ورغم تباين الأوضاع الاقتصادية بين الدول العربية، وتأثيرات ما يحدث في المنطقة عليها، إلا أن الغالبية يتخوفون من “أسعار ملتهبة” في رمضان المقبل، وفق ما أكد محللون وخبراء اقتصاديون تحدثوا لموقع “الحرة”.

حتى الآن لا تزال أسعار السلع والخدمات مرتفعة جدا في مصر، حتى أنها تصدرت تقرير للبنك الدولي عن تزايد انعدام الأمن الغذائي حول العالم، بسبب ارتفاع الأسعار فيها بشكل كبير مقارنة مع الدول الأخرى.

ويشير محللون إلى أن أسباب ارتفاع السلع والغذاء في الدول العربية، محلية بسبب وجود احتكارات وهيمنة وشح السلع في بعض الأسواق أو لزيادة الطلب عليها، أو أسباب مستوردة، بسبب ارتفاع أسعار السلع في مصدرها أو زيادة تكاليف نقلها بسبب التوترات التي تحصل في المنطقة.

ويشن الحوثيون في اليمن منذ نوفمبر الماضي هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئها، تضامنا مع قطاع غزة الذي يشهد حربا بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من تشرين الاول.

وتعيق هجمات الحوثيين حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يمر عبره 12 في المئة من التجارة العالمية، وتسببت بمضاعفة كلفة النقل، نتيجة تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب إفريقيا الذي يطيل الرحلة بين آسيا وأوروبا.

وشنت إسرائيل الحرب بعد هجوم غير مسبوق نفذته حماس في 7 تشرين الاول في إسرائيل وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصا معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية. 

وخطف نحو 250 شخصا خلال الهجوم وافرج عن حوالي مئة نهاية نوفمبر خلال هدنة. ولا يزال 132 رهينة محتجزين بينهم 28 تفترض اسرائيل أنهم قتلوا.

وتوعدت إسرائيل “القضاء” على حماس التي استولت على السلطة في غزة عام 2007، وشنت عملية عسكرية واسعة النطاق خلفت أكثر من 27 ألف قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.

وتأتي هذه التحديات الجديدة في أعقاب جائحة كوفيد-19 وأزمة التضخم التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأدت إلى تعطيل سلاسل الإنتاج والتوريد بشكل كبير في جميع أنحاء العالم.
 
مصر.. مستويات أسعار غير مسبوقة
 

الخبير الاقتصادي المصري، علاء عبدالحليم قال إن “أسعار السلع والغذاء في مصر وصلت لمستويات غير مسبوقة، وهي في ارتفاع متزايد”.

وتابع في حديثه لموقع “الحرة” أننا “عادة ما نتوقع أسعار ملتهبة في فصل الصيف، ولكننا الآن في الشتاء والأسعار ملتهبة أيضا، وفي رمضان قد نشهد قفزات سعرية غير منطقية” في إشارة إلى الزيادات التي طالتها أسعار السلع في مصر.

وذكر أن هناك عدة أسباب لارتفاع الأسعار في السوق المصرية خاصة مع استمرار “وجود أزمة محلية بالاقتصاد المصري بسبب شح الدولار وارتفاع سعر الصرف، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج أكانت المحلية منها أم المستوردة”.

وأشار إلى وجود “حزم دعم اجتماعي تحاول السلطات المصرية مساعدة ذوي الدخل المحدود، ولكن ما ارتفاعات الأسعار يتآكل أثر هذا الدعم”.

ويوضح عبدالحليم في رد سابق لـ”الحرة” أن “معاناة مصر مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية بدأ منذ جائحة كورونا، وتبعتها حرب أوكرانيا التي أثرت على أسعار الحبوب والزيوت بشكل مباشر”، والآن “يتبعها بسبب ما يحصل من توترات في البحر الأحمر وفي غزة”، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال تستورد مصر “أكثر من 60 في المئة من القمح، وتصل إلى 90 في المئة فيما يتعلق ببعض الحبوب”.

ويبلغ سعر الدولار نحو 30.85 جنيه في البنوك ووصل إلى نحو 71 جنيها في السوق الموازية بحسب وكالة رويترز.
 
 
تلقى اقتصاد مصر المتدهور بالفعل ضربة جديدة موجعة نتيجة التراجع الحاد في الإيرادات بعد الهجمات التي شنها الحوثيون باليمن على سفن الشحن التي أدت إلى تحويل الملاحة التجارية بعيدا عن قناة السويس لتزداد معها الحاجة الملحة إلى إجراءات إصلاحات والحصول على مساعدات من الخارج.

وباتت الآن كل المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية تقريبا، وهي صادرات الغاز الطبيعي والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج ومؤخرا قناة السويس، تحت ضغط شديد.
 
تعمق متلازمة التضخم من معاناة المصريين، إذ يواجهون ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأغذية، جعلتهم في أعلى قائمة الدول الأكثر تضررا من “تضخم الغذاء” بحسب بيانات البنك الدولي.
 
قال البنك المركزي المصري الخميس إنه رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس، بهدف الحد من التضخم في البلاد، في خطوة قال محللون لموقع “الحرة” إنها قد تشير إلى خفض وشيك لقيمة العملة.

وتحتاج مصر إلى العملة الأجنبية ليس فقط لاستيراد السلع الأساسية ولكن أيضا لسداد 189.7 مليار دولار من الديون الخارجية، تراكم معظمها في السنوات العشر الماضية. ومن المقرر سداد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون هذا العام، على الرغم من توقع محللين إرجاء سداد بعض هذه المبالغ إلى فترات لاحقة.
 
 
العراق.. التضخم يتراجع ومخاوف من عودته للزيادة
 

وبلغ معدل التضخم 33.7 بالمئة في ديسمبر، وسجل مستويات قياسية منذ حزيران.الخبيرة الاقتصادية العراقية، سلام سميسم تقول إن أسعار السلع الأساسية في العراق أو دول الشرق الأوسط “تشهد زيادات مضطردة منذ أكثر من عامين بسبب جائحة كورونا وما تبعها من الحرب الأوكرانية، والآن التوترات في البحر الأحمر حيث تعبر السفن من شريان رئيسي للنقل البحري”.

وتشرح في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن هناك “العديد من العوامل المحلية على الصعيد الداخلي، والتي جميعها تدفع بزيادات الأسعار، إذ سيشعر المواطنون فيها بشكل أكبر في رمضان، بسبب تركز الشراء في هذا الوقت على السلع الغذائية”.

وترى أن الأسعار قد تبقى مقبولة إذا ما كان “هناك إدارة اقتصادية حصيفة من خلال ضمان وجود مخزون استراتيجي يقلل من أثر الزيادات في تكاليف الاستيراد”.

وقالت إن المواطنين في دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي تعاني من مشاكل اقتصادية “مغلوب على أمره، إذ سيبقى في مواجهة التضخم وحيدا، إذ أنه سيضطر لتلبية متطلباته بشراء السلع الغذائية رغم ارتفاع أسعار وسط سوق ملتهبة”.

ودعت حكومات دول المنطقة إلى “زيادة الدعم المقدم للمواطنين، وتعزيز حزم الحماية الاجتماعية”، مشيرة إلى أن هذا “قد يزيد من العجوزات لدى هذه الدول، ولكن عليها أن تتحمل ذلك لمساعدة شعوبها على تجاوز المرحلة”.

وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، قد قال لوكالة الأنباء العراقية “واع” إن “مؤشرات التضخم تشهد استقرارا وتراجعا في معدلاتها خلال السنتين الأخيرتين، إذ كانت نسبة التضخم 6 في المئة في 2021، وانخفضت في 2022 إلى 5 في المئة ثم في 2023 كانت النسبة 4.4، في المئة”.

وأضاف أنه مستوى الأشهر الأخيرة من 2023 “سجلت البيانات استقرارا في معدلات التضخم.. ويعود ذلك إلى استقرار أسعار المواد الغذائية بل وانخفاضها في بعض المراحل”.

وكشف الهنداوي توسع شبكة الحماية الاجتماعية حتى وصل عدد الأسر المشمولة لأكثر من مليوني أسرة وبواقع 8 ملايين فرد يستفيدون من شبكة الحماية الاجتماعية.
الأردن.. إجراءات حكومية قد تؤجل “المحتوم” لما بعد رمضان
 

الخبير المالي والاقتصادي الأردني، وجدي مخامرة يقول إن “الأردن استطاع السيطرة على ارتفاع التضخم من 4.2 في المئة في فترات سابقة، لتصبح عن معدلات 2.1 حاليا، من خلال اتباع سياسة نقدية متشددة ورفع أسعار الفائدة”.

ويوضح في حديث لموقع “الحرة” أنه مع “التوترات الحاصلة في البحر الأحمر ارتفعت أسعار الشحن وزادت تكاليف التأمين للسفن لمستويات عالية وهو ما سينعكس على تكاليف الاستيراد والتي سيدفعها المستهلك بالنهاية”.

ويتخوف من أن استمرار الأزمة في البحر الأحمر ستبقى هناك مشكلة في سلاسل التزويد وارتفاع تكاليفها، مشيرا إلى أن هناك “إجراءات حكومية قد تعطي أملا بعدم زيادة الأسعار بشكل كبير، من خلال تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية خاصة الحبوب”، ناهيك عن “التزام الحكومة بشكل رسمي بعدم زيادة الأسعار خلال رمضان، وتثبيت أسعار المحروقات”.

وتوقع مخامرة أن “نرى انعكاسا للزيادات في الأسعار بعد رمضان بشكل أوضح وحتمي”، ناهيك عما بدأنا “نشهده من تغيير في العادات الاستهلاكية والذي بدأ منذ الحرب على غزة، بشراء المنتج الوطني والابتعاد عن المنتجات المستوردة”.
 
وقال رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة في تصريحات مؤخرا إن تعطل الشحن في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين كان أحدث ضربة إلى جانب تراجع السياحة التي شهدت طفرة قبل هجوم السابع من أكتوبر إسرائيل تجاوزت مستويات ما يقرب من خمس سنوات.

وأشار إلى أن تكاليف نقل البضائع القادمة إلى ميناء العقبة على البحر الأحمر من جنوب شرق آسيا ارتفعت بنحو 160 بالمئة بينما ارتفعت تكاليف الشحن المتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة بما يتراوح بين 60 بالمئة و100 بالمئة.

ويخشى رجال الأعمال أن يسبب ذلك ضغوطا تضخمية في بلد كان يتوقع أن يصل فيه التضخم إلى مستوى منخفض يبلغ 2.6 بالمئة هذا العام، وفقا لوكالة رويترز.

كبير المحللين في مجموعة “سي أف أي” المالية، مهند عريقات يقلل من المخاوف من ارتفاع أسعار الغذاء خلال الفترة القليلة المقبلة، مشيرا إلى أن أسعار الغذاء بحسب منظمة الغذاء العالمية “فاو” تراجعت لأدنى مستوياتها في ثلاثة أعوام.

وقال في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن ما يحدث في البحر الأحمر “يخلق ضغوطا تضخمية خاصة للدول العربية التي تعتمد على تزوديها بشحنات السلع عبر سفن الشحن، والتي زادت تكاليفها بأكثر من 150 في المئة في بعض الحالات”.

ولا يتوقع عريقات “أن تشهد الأسواق العربية ارتفاعات كبيرة وواضحة على معدلات التضخم، وخاصة أن أسعار النفط أيضا تواصل تراجعها المستمر، وبالتالي يتوقع استقرار الأسعار باستثناء الارتفاع المعتاد في بداية كل رمضان بسبب زيادة الطلب المفاجيء”. (الحرة)