بعد عامين من الحرب.. ذكاء روسيا أنقذها وأوكرانيا تتخبط وحيدة بمستنقعها

9 مارس 2024
بعد عامين من الحرب.. ذكاء روسيا أنقذها وأوكرانيا تتخبط وحيدة بمستنقعها

كتبت سكاي نيوز عربية:

 

تُنهي الحرب في أوكرانيا بُعيد أيام عامها الثاني، وهي الحرب التي كانت ولا تزال تداعياتها الاقتصادية حاضرة وبقوة، بما تضيفه من ضغوطات واسعة على الاقتصاد العالمي. لكنّ الأمر اللافت أن الاقتصاد الروسي خالف التوقعات بما أظهره من صمود، وبما يدحض رهانات الغرب الذي عوّل بشكل كبير على العقوبات الاقتصادية من أجل خنق موسكو لدفعها للتراجع عن موقفها، على عكس الاقتصاد الأوكراني الذي يعاني من أزمات خانقة، لا سيما مع ضرب مراكز الطاقة من قبل صواريخ الفرط الصوتي الروسية، بالإضافة إلى اندلاع غضب أوروبي من المنتجات الأوكرانية التي أغرقت السوق الأوروبية، بسبب رفع الاتحاد الأوروبي الحواجز الجمركية عنها.

 

وفي منتصف كانون الثاني من هذا العام، اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الحكومة، وأشار الأخير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.5 بالمئة، قبل أن يبين بوتين مع حسابات أكثر دقة، ازدياد معدل النمو عن هذه النسبة، بناء على نتائج العام السابق، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء (تاس) الروسية.

وممّا قاله الرئيس الروسي، إن اقتصاد بلاده يمتلك احتياطيا كبيرا يمكنه من النمو، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 بالمئة، ونمت الصناعة بنسبة 6 بالمئة، والاستثمار 10 بالمئة؛ ما يعني قدرة موسكو على مواجهة العقوبات، بينما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليارا.

كما حقّقت التجارة السلعية خلال العام الجاري فائضا بلغ 308 مليارات دولار حسب الإحصاء الروسي، أو 292 مليار دولار حسب منظّمة التجارة العالمية، لتحتل روسيا بذلك الفائض الكبير المركز الثاني بعد الصين.

أمّا التضخم، فأشار إلى أنه وصل إلى 7.5 بالمئة، وربما 8 بالمئة، لكن البنك المركزي والحكومة “يتّخذان التدابير اللازمة لمواجهة ذلك”.

وصنف البنك الدولي صنف الاقتصاد الروسي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث القوة الشرائية. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 1.1 بالمئة، في عام 2024.

من جانبه، يقول خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، إن الاقتصاد الروسي فاجأ المخططين لحزم العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه، بل حتى الروس أنفسهم لم يتوقعوا صمود اقتصادهم بهذه القوة أمام العقوبات المتتالية من الولايات المتحدة الأميركية ومن الاتحاد الأوروبي، وتجميد الأصول الروسية في الخارج، بالإضافة لإيقاف خط الغاز الروسي المهم “نورد ستريم 1” وتفجير خط “نورد ستريم 2” الذي كان من المفترض أن يدخل الخدمة قبل بداية الحرب، فقد توقع الجميع أن ينهار الاقتصاد الروسي أمام هذا الكم الكبير من التحديات.

ووصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، 12حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.

ويؤكد سمير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الروس نجحوا في تجاوز هذه العقبات، بل أصبح الاقتصاد الروسي -وفق حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير للصحافي الأميركي  تاكر كارلسون- أكبر اقتصاد في أوروبا.

ويرجع خبير العلاقات الدولية صلابة الاقتصاد الروسي لعدة عوامل هي أن “الخطة الروسية المسماة “الأنبوب إلى الشرق” أي تحويل صادرات روسية من منتجات مثل الغاز والنفط إلى دول الشرق مثل الصين والهند، بعد أن كانت تتجه قبل الحرب في أوكرانيا إلى الغرب، فبعد الاعتماد على خطي “نورد ستريم 1و2” وخط يامال، وتورك ستريم، تحول –بزيادة ملحوظة- إلى خطي قوة سيبيريا 1و2، اللذين يعتبران المقابل الشرقي لخطي “نورد ستريم 1 و2” .

وأضاف:” مبيعات الغاز والنفط الروسي إلى الصين والهند تضاعفت بشكل كبير جداً، ووصل ناتج التجارة السنوية بين روسيا والصين في 2023 إلى ما يقرب من 200 مليار دولار، وهذا تقريبا ضعف معدل قبل الحرب؛ إذ كان حجم التجارة بينهما يصل إلى 120 أو 130 مليار دولار. مرونة الاقتصاد الروسي وقدرته على التحول السريع بعد فصل روسيا عن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت”، إلى الاعتماد على نظام تحويلات مالية خاص بروسيا”.

بالتوازي، فإن قدرة روسيا على الابتعاد عن العزلة السياسية، وتوسيع علاقاتها مع دول الجنوب والدول الآسيوية ودول أميركا اللاتينية التي تضاعفت التجارة بينها وبين روسيان ساهمت بذلك ايضا.

أضف إلى الذكاء روسيا في بناء شراكات مع كتل اقتصادية مهمة مثل مجلس التعاون الخليجي؛ ففي العام الماضي زار بوتين الإمارات والسعودية في أوج الحرب، بالإضافة إلى تعاون روسيا مع السعودية للحفاظ على سعر النفط من خلال التنسيق في “أوبك بلس” في وقت فشلت فيه الولايات المتحدة والدول الأوروبية في سعيها لوضع سقف لسعر النفط الروسي. ويضاف إلى ما سبق توسع تكتل البريكس، ما فتح أسواق جديدة للمنتجات الروسية.

بينما عن الاقتصاد الأوكراني، يرى سمير أنه يعاني من مشاكل كبيرة جداً نتيجة ضرب مراكز الطاقة من قبل صواريخ الفرط الصوتي الروسية، بالإضافة إلى الغضب الأوروبي من المنتجات الأوكرانية، تحديدًا الحبوب والذرة التي أغرقت السوق الأوروبية بسبب رفع الاتحاد الأوروبي الحواجز الجمركية عن المنتجات الأوكرانية منذ 22 مايو2022؛ ما أدى إلى صعوبة منافسة المنتج الأوروبي للمنتجات الأوكرانية رخيصة الثمن، ولهذا السبب تطالب مظاهرات المزارعين في بروكسيل وألمانيا وغيرهما من العواصم الأوروبية، بمنع المنتجات الأوكرانية من الدخول للسوق الأوروبي دون جمارك.

ويوضح خبير العلاقات الدولية أن معدل الفساد العالي في أوكرانيا –والذي يعترف به الأوكرانيون أنفسهم- يؤثر على أداء الاقتصاد الأوكراني الذي بات يعتمد الآن على الإعانات الأميركية والأوربية، مشيرًا إلى أن الحرب في الأساس تجري على الأراضي الأوكرانية، في جبهة طولها 1300 كيلو متر من خط كييف شمالًا إلى خريسون وأوديسا قرب البحر الأسود، وتحوي هذه المناطق على مراكز صناعية المهمة مثل ماريوبول التي تعرف بأنها أرض الحديد.

من جانبه، يشير الباحث المتخصص في الشأن الروسي، رامي القليوبي، إلى أن الاقتصاد الروسي رغم تراجعه في بداية الحرب في العام 2022 إلا أنه عوّض هذا التراجع في العام التالي 2023، وحقق تقدما ونموًا ملحوظاً بالناتج المحلي الإجمالي، محطمًا الصورة النمطية الخاطئة القائلة بأن الدولة التي تخوض حربًا تعاني من مشكلات اقتصادية أو مجاعات، ولكن ما يحدث في روسيا عكس ذلك تمامًا؛ لأن الدولة التي تكون في حالة حرب محكوم عليها بالنجاح الاقتصادي؛ لأن الحرب تؤدي إلى تنشيط مصانع التصنيع العسكري.

ويشير القليوبي في تصريحاته لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى وجود تقديرات تبين عمل نحو مليوني شخص بالمصانع الحربية في روسيا، ما جعل هذه المصانع تعمل حالياً بكامل طاقتها، وتحولها إلى قاطرة للاقتصاد الروسي، وبالتالي يمكن القول إن الاقتصاد الروسي بعيد عن الانهيار، بل يسجل أداءً جيدًا على المدى القصير على الأقل.

بينما يرى المتخصص في الشأن الروسي إلى وجود تداعيات سلبية طويلة الأجل على الاقتصاد الروسي، من بين عواملها الأساسية، أيرزها خسارة روسيا حصتها في سوق الطاقة الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالنفط، لا سيما الحظر المفروض من جانب الغرب، ما جعل روسيا تلجأ إلى توجيه فوائض النفط إلى الصين والهند مع منح خصومات على الأسعار، ناهيك عن مشكلات مثل دفع الهند قيمة النفط بالروبية الهندية فقط، والروبية الهندية ليست عملة احتياط في روسيا، عكس الوضع مع الصين، وهو أفضل حالًا، لأن روسيا يمكنها استثمار اليوان عن طريق شراء السلع من الصين.\

بالاضافة إلى تراجع قيمة الروبل الروسي، فقبل بدء الحرب كان سعر صرف الدولار يبلغ نحو 75 روبلًا، والآن يفوق الـ90 روبل، رغم أن السلطات المالية اتخذت إجراءات غير اقتصادية كثيرة لكبح جماح تراجع الروبل، ومنها إلزام المصدرين ببيع العوائد بالعملة الصعبة، ورفع سعر الفائدة الأساسية إلى 16 بالمئة حاليًا لاستقطاب ودائع بالروبل، لكن المحللين الاقتصاديين يجمعون على أن الدولار سيتخطى عتبة الـ 100 روبل بعد الانتخابات الرئاسية الروسية في آذار المقبل.(سكاي نيوز عربية)

 

المصدر:
سكاي نيوز عربية