في غضون أسابيع قليلة في شهر آذار، أفلتت مصر من أسوأ أزمة عملة تشهدها منذ عقود لتصبح السوق الأكثر جاذبية وسخونة في الأسواق الناشئة.
وبدأ التغير السريع في ثروة مصر من خلال صفقة تطوير سياحي بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، وهي خطوة تعد أكبر استثمار أجنبي في تاريخ مصر.
وعملياً، فقد أدى ذلك إلى ضخ الدولارات التي مهّدت السبيل لرفع أسعار الفائدة بشكل قياسي، وتوسيع قيمة قرض صندوق النقد الدولي.
إلا أنه ومع ذلك، تُطرح تساؤلات عديدة عن المسار الذي سلكته مصر منذ بدء الأزمة وحتى الآن.. فما هي أبرز تلك المحطات.. وماذا حصل؟
1. ما سبب الأزمة؟
تحصل مصر على معظم احتياجاتها من العملة الصعبة عبر صادرات الطاقة والسياحة ورسوم السفن التي تعبر قناة السويس، وتحويلات المغتربين في الخارج.
وتعاني الصناعات المحلية من ضعف الاستثمار، وتشكو الشركات الخاصة من المنافسة غير العادلة من جانب الكيانات المرتبطة بالجيش الذي يحظى بنفوذ في البلاد.
ويعرقل هذا الاستثمار الأجنبي المباشر خارج صناعة النفط والغاز، مما يجعل الموارد المالية لمصر أكثر عُرضة للتدفقات المتقلبة من “الأموال الساخنة” التي تستثمرها الصناديق العالمية على مدى فترات أقصر.
وأدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري، الذي بدأ في عام 2022، إلى تفاقم التضخم، مما أوجد وضعاً قابلاً للانفجار في بلد تعتمد فيه العديد من الأسر على دعم الدولة لشراء السلع الأساسية.
وأدى هروب رؤوس الأموال وندرة العملة الصعبة إلى وصول المعروض من الدولارات لمستويات منخفضة بشكل خطير في عام 2023.
كذلك، بدأ الجنيه يُتداول في السوق السوداء بضعف سعره الرسمي، مما أدى إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستوردين، كما أدت الهجمات على السفن في البحر الأحمر من قبل المسلحين الحوثيين في اليمن إلى انخفاض رسوم قناة السويس.
2- ماذا كان العلاج؟
الاتفاق مع الإمارات على تحويل “رأس الحكمة”، وهو شريط يمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إلى ملاذ سياحي، عزز الثقة بشكل فوري وأنقذ البلاد من حافة الهاوية.
في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، قال البنك المركزي إنه سيسمح بتعويم العملة، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه بنسبة 40% تقريباً مقابل الدولار في يوم واحد.
وكان صندوق النقد الدولي يدعو إلى نظام عملة مرن لعدة أشهر، وكافأ الصندوق المُقرض متعدد الأطراف الحكومة المصرية بمضاعفة حجم برنامج القروض الذي تمت الموافقة عليه لأول مرة في عام 2022 إلى 8 مليارات دولار تقريباً. وكان هذا حافزاً لتدفق إضافي بقيمة حوالي 14 مليار دولار من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
3- كيف كان رد فعل المستثمرين الأجانب؟
كان هناك تدافع على شراء سندات مصر بالعملة المحلية. في الوقت الحالي، استهدف المستثمرون عمليات تداول تكتيكية، ويترقبون المزيد من الأدلة على أن البلاد قد تجاوزت مرحلة صعبة قبل أن يستثمروا أموالهم في استثمارات أكثر استراتيجية وأطول أجلاً. لهذا السبب، تدفقت معظم الأموال إلى فرص قصيرة الأجل مثل صفقات الشراء بالاقتراض بدلاً من السندات المصرية الدولارية.
4- كيف وصلت مصر إلى هذه المرحلة؟
تعاني مصر من أزمات اقتصادية دورية منذ انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، وتواجه الحكومة تحديات لتغطية فواتير ضخمة لواردات القمح والدعم ورواتب القطاع العام.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جاء إلى سُدة الحكم في عام 2013 بعد أن أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس السابق محمد مرسي، حاول إنعاش الاقتصاد من خلال إطلاق مشاريع أشغال عامة ضخمة، بما في ذلك توسيع قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة في الصحراء.
وكانت عوائد هذه الاستثمارات متفاوتة، وتم تمويل الكثير منها من خلال الاقتراض. بحلول أواخر عام 2023، كما تم إنفاق ما يقرب من نصف إيرادات الدولة على فوائد الديون.
5- ماذا حدث بعد ذلك؟
قالت الحكومة إنها ستفي بتعهدها الذي قطعته على نفسها لصندوق النقد الدولي بخفض الإنفاق الحكومي، وتعزيز المنافسة من خلال منح القطاع الخاص دور أكبر في الاقتصاد.
6- هل نفّذت مصر تعويماً حراً لعملتها؟
هناك الكثير من الشكوك حول ذلك، بما في ذلك ما أثاره زياد داود، الخبير الاقتصادي للأسواق الناشئة في “بلومبرغ”، الذي يقول إن حركة العملة “سلسة للغاية” بالنسبة لتعويم حر حقيقي.
وللإشارة ،فقد شدّد البنك المركزي على التزامه بمواصلة التحول إلى استهداف التضخم المتمدد. (بلومبيرغ الشرق)