تشير بيانات التضخم الأخيرة في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وكذلك تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن “المركزي الأوروبي” في طريقه إلى خفض أسعار الفائدة في حزيران المقبل.
بينما الفيدرالي سيبقي الفائدة أعلى لفترة أطول مما توقعها، حتى الأسواق باتت مقتنعة بهذه الفرضية، لكن خبراء اقتصاد رجحوا أن هذا التباين حول توقيت تخفيض الفائدة سيؤثر سلباً على العملة الأوروبية الموحدة.
وقال دانييل لاكالي، كبير الاقتصاديين في شركة تريسيس جيسيون، “إن مشكلة خفض أسعار الفائدة في الوقت الحالي هي أن البنك المركزي الأوروبي يعتقد أن قوة اليورو أمراً مسلما به، وإذا بدأوا في خفض أسعار الفائدة قبل الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذا سيسبب مشاكل لليورو سيبعث برسالة للعالم بأن قيمته ستنخفض”.
وأوضح لاكال في تقرير نشرته “سي إن بي سي”، أن خفض البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة في يونيو المقبل لن يجعل الشركات الألمانية أو الفرنسية أو الإسبانية تحصل على المزيد من الائتمان، لأن التخفيض البسيط في سعر الفائدة ليس هو المحرك للطلب على الائتمان، لافتاً إلى أـن الذي يجعل الطلب على الائتمان مثيراً للاهتمام، هو حقيقة أن هناك فرصاً اقتصادية واستثمارية يتم كبحها من خلال التنظيم وسياسة الطاقة المضللة في منطقة اليورو”.
وتشير إحدى الروايات السائدة في السوق إلى أن معدلاتالفائدة المرتفعة في أوروبا هي المسؤولة عن تباطؤ النمو الاقتصادي، ومع ذلك، فإن تباطؤ منطقة اليورو ليس له أي علاقة على الإطلاق بارتفاع أسعار الفائدة، بحسب لاكال، الذي أكد أن الضعف الاقتصادي الأخير في جميع أنحاء منطقة اليورو يجب أن يعزى إلى سياسة الطاقة في التكتل والإجراءات التنظيمية والسياسة الزراعية.
وأبقى البنك المركزي الأوروبي، على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير، في أبريل الجاري للمرة الخامسة على التوالي، لتظل عند مستوى 4 بالمئة الذي وصل إليه في سبتمبر 2023، بعد 10 زيادات منذ كانون الاول 2021.
كما أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الأول من مايو الجاري على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة السادسة على التوالي عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، حيث كان قد توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في أيلول 2023، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ اذار 2022.
وفي حين تسارع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة خلال مارس الماضي، بأكثر من التوقعات، وسط ارتفاع تكاليف البنزين والمعيشة، مع ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 3.5 بالمئة في مارس، من 3.2 بالمئة في فبراير، جاءت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي “يورو ستات” لمؤشر أسعار المستهلكين السنوي بمنطقة اليورو متوافقة مع توقعات الأسواق، حيث تباطأ التضخم السنوي ليسجل 2.4 بالمئة خلال مارس الماضي، مقارنة مع 2.6 بالمئة في فبراير، وبذلك يقترب من مستهدف المركزي الأوربي 2 بالمئة.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في تصريحات سابقة إن البنك المركزي لا يزال في طريقه لخفض أسعار الفائدة على المدى القريب، مع مراعاة أي صدمات إضافية، و”نحتاج فقط إلى بناء المزيد من الثقة في عملية مكافحة التضخم هذه، ولكن إذا تحركت وفقاً لتوقعاتنا، وإذا لم نواجه صدمة كبيرة في التنمية، فإننا نتجه نحو لحظة يتعين علينا فيها تخفيف السياسة النقدية التقييدية”.
وتصريحات لاغارد جاءت بعد أن أعطى البنك المركزي الأوروبي إشارات واضحة على احتمالية البدء في خفض أسعار الفائدة خلال اجتماع يونيو المقبل.
في حين قال مجلس الاحتياطي الفيدرالي في بيان بعد تثبيت سعر الفائدة أخيراً إنه “لا يتوقع خفض أسعار الفائدة حتى يكتسب ثقة أكبر في أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو المستوى المستهدف، مكرراً اللغة ذاتها التي استخدمها بعد اجتماعات اذار كانون الثاني.
الخفض سيعمق الفجوة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا
وقال نضال الشعار كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لقد أصبح من الواضح أن البنك المركزي الأوروبي سيخفّض أسعار الفائدة إيماناً منه بأن الركود الاقتصادي لم يعد مقلقاً كما كان في عام 2023، حيث إن هذه الخفض سيعمّق الفجوة ما بين أسعار الفائدة في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة على الرغم من أن هذه الفجوة موجودة حالياً ويمكن اعتبارها جزئياً إحدى أسباب انخفاض سعر صرف اليورو”.
وأوضح أنه “منذ بداية عام 2024 انخفض سعر صرف اليورو بنحو 5 بالمئة، لكن البنك المركزي الأوروبي لا يبدو مهتماً بهذا الانخفاض حتى أن بعض الدول الأوروبية الأعضاء وبشكل خاص المصدرة منها رحبت بذلك، ولكن ليس في العلن إنما من خلال توقع أداء اقتصادي أفضل”.
ويستعرض الشعار الآثار المحتملة لخفض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قبل الولايات المتحدة كما يلي:
الآثار قصيرة الأـجل: من الطبيعي أن ينخفض سعر صرف اليورو على المدى القصير، ومن الممكن أن تتقلص الفجوة في أسعار الفائدة في حال تبعه الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة.
الآثار متوسطة الأجل: قد يساعد خفض أسعار الفائدة الميزان التجاري لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص المصدرة منها، ولكنه سيكون ضاراً للدول الأوروبية المستوردة، وبالتالي لا يمكن التعميم على الاتحاد الأوروبي كما نفعل ذلك في الولايات المتحدة باعتبار أنها كتلة اقتصادية متجانسة أكثر بكثير من الاتحاد الأوروبي الذي لا يمكن اعتباره في حالة تجانس كامل، بل هناك فروقات تعتمد على طبيعة الدول الأعضاء والموارد الاقتصادية الموجودة فيها.
الآثار طويلة الأجل: أما على المدى الطويل فقد يكون لهذا الانخفاض تأثير على المستوى العام للأسعار وعلى توازن الميزان التجاري في منطقة اليورو إذ نعلم أن النمو الاقتصادي المتوقع حالياً يعني بشكل ما زيادة في حجم الطلب الكلي وهذا من شأنه أن يؤثر في المستوى العام للأسعار ارتفاعاً.
وبسبب قرب الاتحاد الأوروبي الجغرافي من الشرق الأوسط واعتماده الكبير على الطاقة المستوردة فسيكون عرضة للتقلبات الجيوسياسية بشكل أكبر مما يؤدي إلى عودة التضخم إلى المشهد الاقتصادي وإجبار المركزي الأوروبي للعودة إلى دوامة رقع أسعار الفائدة لتجنب التضخم وهو ما تابعناه خلال الحرب الروسية الأوكرانية وحرب إسرائيل على غزة إذ أن الاتحاد الأوروبي كان من أكثر المتأثرين بسبب اعتماده على موارد الطاقة من الخارج، بحسب تعبيره.
هل يمكن أن يحصل التعادل ما بين اليورو والدولار؟
لكن السؤال المهم ههنا هل يمكن أن يحصل التعادل ما بين اليورو والدولار؟ كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا يطرح التساؤل ويجيب تعليه بنفسه قائلاً: “يمكن أن يحصل هذا التعادل بشرط تعرض الاتحاد الأوروبي لصدمة من ناحية العرض (التكلفة)، كما حدث في عام 2022 عندما ارتفعت أسعار الطاقة، إذ انخفض سعر صرف اليورو إلى 96 سنتاً مقابل الدولار”.
وهنا يشير خبير الأسواق الشعار إلى أن المركزي الأوروبي لا يضع هدفاً معيناً فيما يخص سعر صرف اليورو لكنه يراقب تحركات سعر الصرف بهدف إحلال التوازن في الميزان التجاري للدول الأعضاء، كما أن ليس من أهدافه خفض معدل البطالة في الدول الأعضاء على عكس الفيدرالي الأميركي حيث يعد خفض معدلات البطالة والسيطرة على التضخم من أهدافه.
وبحسب الوضع العالمي الحالي قد يكون هدف المركزي الأوروبي هو خفض التضخم والمحافظة على النمو الاقتصادي لأن الاتحاد الأوروبي يعتقد بأن أوروبا خرجت من خطر الركود وتالياً ستكون أهداف المركزي تنشيط الاقتصاد من خلال تخفيض أسعار الفائدة بحيث يسهم ذلك كما يعتقد في تحقيق النمو الاقتصادي.
ورداً على سؤال حول تأثير بيانات سوق العمل الجديدة في أميركا على قرار الفيدرالي فيما يخص الفائدة قال الدكتور الشعار: “أضاف الاقتصاد الأميركي 175 ألف وظيفة جديدة بينما المتوقع 250 ألف وهذا قد يحفز الفيدرالي لتخفيض سعر الفائدة، ولكنه عودنا أنه لا يأخذ ببيانات مؤقتة، ويمكن أن يبقى على وضعة الحالي أي لن يكون هناك تخفيض قريب لسعر الفائدة على الأقل لنهاية العام”.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “في حال سبق البنك المركزي الأوربي الفيدرالي الأميركي في تخفيض سعر الفائدة في ظل عدم وجود مفاجآت فهذا سيزيد من الحركة الاقتصادية في منطقة اليورو، ولكن الدولار سيكون الغالب في الحركة الاقتصادية العالمية، وسيؤثر على مجريات الأمور في الاتحاد الأوروبي، إذ أن العالم يحتفظ بالدولار والاستثمار فيه أكثر من اليورو”.
وأردف بقوله: “في هذه الحالة من المرجح أن يضعف اليورو خال الفترة المقبلة، مقابل تماسك الدولار جراء التشدد النقدي في أميركا فضلاً عن أن الوضع الاقتصادي في أميركا أفضل منه في الاتحاد الأوروبي، فلو لاحظنا خلال الفترة الماضية بما يسمى قياس مؤشر التضخم في مقابل أسعار الفائدة كانت تعتبر صفر تقريباً، أي كان التضخم بحدود 4 بالمئة مقابل الفائدة التي وصلت لأعلى نقطة 4 بالمئة، وبالتالي فإن انخفاض التضخم الحالي إلى نحو 2.4 بالمئة مقابل أسعار الفائدة الراهنة يضعف قيمة اليورو أمام الدولار”.
ولكن الولايات المتحدة يمكن أن تتحمل هذا الأمر أكثر من ذلك في الدولار وتستطيع دعم الأوضاع الاقتصادية والمساهمة في تحسين الاقتصاد الكلي الأميركي، بحسب الخبير الاقتصادي بدرة، الذي أوضح أن الاقتصاد الأميركي قوي بسبب التحفيز المالي خلال الفترة الماضية (منذ الجائحة) إذ أن زيادة الإنتاجية الكبيرة دفعت الناتج المحلي الإجمالي للارتفاع إلى 3.5 بالمئة وهذا قدرة كبيرة للاقتصاد الأميركي وتنعكس على قيمة الدولار في مواجهة العملات الأخرى مثل اليورو واليوان، بمعنى أن الاقتصاد الأميركي يستطيع تحمل أسعار الفائدة المرتفعة، ولكن الفيدرالي يفكر مراراً قبل تحريكها. (سكاي نيوز)