أوقف النائب العام التمييزي جمال الحجار، الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بعد التحقيق معه أمس، في قصر العدل في ملف شركة “اوبتيموم” وعقودها المبرمة مع مصرف لبنان من أجل شراء وبيع سندات خزينة وشهادات إيداع بالليرة، مع اتهامات بغسيل أموال وحصول الشركة على عمولات، في حين أن شركة أوبتيموم لم يتم استدعاؤها إلى الجلسة في ما يتعلق بتعاملاتها مع سلامة، علماً أنها اعلنت انها أجرت تدقيقا ماليا في وقت سابق هذا العام لتعاملاتها مع مصرف لبنان المركزي ولم تجد أي دليل على ارتكاب الشركة أي مخالفات، كما أعلنت رئيستها التنفيذية.
إن طبيعة الاتهامات الموجهة إلى سلامة، بحسب مصادر متابعة للملف، لا تزال غير واضحة وأنها قد تكون مرتبطة بملفات أخرى لم يتم الإعلان عنها بعد، وربما ترتبط بمعلومات أودعها حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري مكتب القاضي الحجار وتتصل بتقرير من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان ويتضمن معطيات عن اختلاسات تقارب قيمتها واحداً وأربعين مليون دولار. ويأتي ذلك بعدما اتخذ منصوري في تموز الماضي صفة الادعاء أمام القضاء الفرنسي، ودخل شريكاً رسمياً في الدعوى المرفوعة ضد سلامة، ليصبح طرفاً مدنياً يحفظ حقه في استرداد أي مصادرات بعد المحاكمة إلى جانب الدولة التي تطالب بحقها من أموال سلامة.
وكان منصوري أصدر في آب العام 2023 قرارا أشار فيه إلى أن هيئة التحقيق الخاصة قررت بالإجماع تجميد جميع الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لكل من رياض وندي ورجا سلامة وماريان الحويك وآنا كوزاكوفا، وذلك بصورة نهائية لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، ورفع السرية المصرفية عنها تجاه المراجع القضائية المختصة، على أن لا يشمل هذا القرار حسابات توطين الراتب. وتجدر الإشارة إلى أن القاضي الحجار لم يفصح عن نوع الجرم قائلا إن “خطوة التوقيف احتجاز احترازي ومفاعيلها لمدة أربعة أيام، على أن يُحال في ما بعد من قبل استئنافية بيروت إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتّخذ القرار القضائي المناسب بحقه، ومن ضمن هذه الإجراءات قد تكون مذكرة توقيف وجاهية”.
وعليه، فإن الملف القضائي للحاكم السابق للمركزي سيحال من النيابة العامة الاستئنافية في بيروت إلى قاضي التحقيق في بيروت الذي يمكن أن يصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة. وبحسب المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن مدة الإحتجاز، بحسب رئيس مؤسسة JUSTICIA في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، تكون خلال 48 ساعة فقط، قابلة للتمديد مدة مماثلة بعد موافقة النائب العام.
أما الخبير الدّستوري الدّكتور عادل يمين فيقول: “يفترض ان يستمع المدعي العام له وتجرى تحقيقات أولية معه وبناء عليها إما يتم الادعاء عليه ويحال إلى قاضي التحقيق وقد يحال موقوفا من أجل إجراء التحقيق وإصدار القرار الظني وفي حال الظن يحال على المحاكمة ، أو في حال عدم الادعاء يصدر قرار ترك”.
وسبق أن طلبت النيابة العامة في لبنان في حزيران 2022، الادّعاء على سلامة للاشتباه في جرائم “اختلاس الأموال عامة والتزوير وتبييض الأموال وتهريب أموال إلى الخارج والتهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع. وسبق أن حقق المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان مع سلامة وصادر جوازي سفره، اللبناني والفرنسي، وذلك في أيار من العام الماضي، بعد تحويل مذكرتي التوقيف الألمانية والفرنسية إلى مذكرتين دوليتين عممتا عبر الإنتربول.
ويشير مرقص في حديث لـ”لبنان24″ إلى أن “قرار النائب العام التمييزي ملفت دون شك لكنه لا يؤدي بذاته إلى تحرير الودائع المصرفية العالقة ولا علاقة له بها ولا يندرج ضمن حملة عارمة لمكافحة الفساد في لبنان لم تقم بعد ولا أراها في الأفق بسبب إحكام قبضة معظم الزعامات التقليدية على حياة اللبنانيين الغارقين في همومهم اليومية وعدم اكتراثهم كثيرا لمعاناتهم”.
ويقول مرقص: “ربما ثمة اعتبارات أخرى وراء التوقيف لا نراها بوضوح راهناً. فقد يكون لهذا التوقيف تأثير على عدم إدراج لبنان على اللائحة الرمادية،باعتبار أن لبنان قام باتخاذ إجراءات محاسبة ومساءلة مالية، وكذلك على التحقيقات الأوروبية وهذا ما قصدته بالاعتبارات وربما الأبعاد غير المرئية لهذا التوقيف”.
وكان منصوري قال في “الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب “إن “قرار مجموعة العمل المالي FATF سوف يقرّ في الخريف المقبل ونحن لانزال نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على القائمة الرمادية. ويظهر تقرير التقييم المنجز من المجموعة الإقليمية، وجوب مبادرة السلطات المحلية إلى إجراء تحسينات جوهرية في حزمة من التوصيات الأساسية وهذا يتطلب إجراء بعض التعديلات في القوانين والتدابير النافذة، بما يتناسب مع مقتضيات الامتثال لكامل المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال”.