الذهب يشغل العالم والبورصات.. هل سيستمر في الإرتفاع؟

1 أكتوبر 2024
الذهب يشغل العالم والبورصات.. هل سيستمر في الإرتفاع؟


الذهب هو الملاذ الذي تلجأ إليه عندما تكون الظروف الاقتصادية بعيدة عن الحالة المثالية. سواء كان ذلك بسبب التضخم، أو الانكماش، أو الحروب، أو الأوبئة، حيث يُنظر إلى هذا المعدن الجذاب لكنه عملياً قليل الفائدة على أنه تجسيد ملموس لحالة القلق. في مفارقة غريبة، يبدو أن الذهب نفسه يمر حالياً بفترة من المثالية، إذ سجل رقماً قياسياً جديداً الأسبوع الماضي. والأغرب من ذلك، يبدو أنه محصن تقريباً من العوامل التي عادة ما تؤدي إلى انخفاض قيمته، تقريباً.

يميل سلوك الاستثمار في الذهب إلى التغير بمرور الوقت، وغالباً ما يُقارن بأصول أخرى مثل الأسهم، أو الدولار، أو بتكوين. ولكن العلاقة التي تبدو منطقية هي بين الذهب والعوائد الحقيقية على سندات الخزانة الأميركية: عندما تكون العوائد الحقيقية إيجابية أو في ارتفاع، من المفترض أن يعاني الذهب، الذي لا يدفع أي عوائد، والعكس صحيح. هذه العلاقة انقطعت في عام 2022.

نموذج العوامل المتعددة لأسعار الذهب الذي تتمسك به “لونغفيو إيكونوميكس” (Longview Economics)، وهي شركة تحليلات مقرها في لندن، انفصل بشكل حاد عن السعر الفعلي للذهب في 2022 بعد أن ظل يتتبع الأسعار عن كثب منذ 2008. بحلول أوائل 2024، كان النموذج يشير إلى سعر أقل من 1000 دولار للأونصة، بينما كان الذهب يُتداول حينها بأكثر من ألفي دولار. وبالمثل، بدأت الصناديق المتداولة المدعومة فعلياً بالذهب في تصفية مخزوناتها بجدية في منتصف 2022، والذي كان على الأرجح استجابة لسياسة “الاحتياطي الفيدرالي” المتشددة. لكن هذا لم يؤثر على الأسعار كثيراً، بل ارتفعت أسعار الذهب حتى مع استمرار التصفية.

كيف أُنقذ الذهب؟
ما أنقذ الذهب هو تدخل البنوك المركزية. الغزو الروسي الجديد لأوكرانيا في 2022 أدى إلى فرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، مما دفع البنوك المركزية إلى تخزين الذهب كتحوط جيوسياسي وكوسيلة لتنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار. زاد مقدار الذهب الذي اشترته البنوك المركزية بأكثر من خمسة أضعاف بين الربعين الأول والثالث من عام 2022، وظل مرتفعاً منذ ذلك الحين مقارنة بالعقد الماضي، مع لعب الصين دوراً بارزاً في هذا الصدد.

قد لا ينتهي دور الصين في ارتفاع أسعار الذهب عند البنوك المركزية فقط. التباطؤ الاقتصادي في البلاد، الذي يتركز في قطاع العقارات المفرط في رأس المال، ينعكس في تراجع ثقة الأسر وحجم المعاملات العقارية منذ عام 2022. وبالمثل، شهدت الأسهم الصينية “أداءً سيئاً بشكل كارثي” منذ ذروتها بعد الجائحة في عام 2021، كما يصفها زميلي في قسم “الرأي” على “بلومبرغ” جون أوثرز.

جهود التحفيز المتجددة من بكين رفعت الأسهم، لكنها قد تكون غير فعالة في إنعاش نشاط البناء. من المثير للاهتمام أن روري جونستون، الذي ينشر النشرة الإخبارية “كوموديتي كونتكست”، يرى أن 2024 من المحتمل أن تكون السنة الثانية فقط في أكثر من ثلاثة عقود التي يشهد فيها الطلب الصيني على النفط انخفاضاً، والذي يعود جزئياً إلى ضعف نشاط البناء الذي يؤثر على استهلاك الديزل. من جانب آخر، يُتداول الذهب الآن بأعلى نسبة مقابل النفط منذ أوائل 2021، خلال المرحلة الحادة من الجائحة.

ومع ربط 70% من ثروة الأسر الصينية في العقارات، وتراجع الأسهم والعوائد، وحظر العملات المشفرة، يبدو الذهب كأصل بديل بارز. وهناك أدلة على أن المستثمرين الصينيين قد بدأوا بالفعل في شراء الذهب، كما يظهر من ارتفاع الأقساط المحلية المدفوعة مقابل الذهب الفعلي هناك خلال العام الماضي. خط “التعاملات غير الرسمية وغيرها” في تقرير الطلب العالمي على الذهب الصادر عن “مجلس الذهب العالمي” -وهو عنصر يسعى إلى التوفيق بين العرض والطلب- شهد أيضاً زيادة مستمرة في الفصول الأخيرة، مما يشير إلى أن تراكم الذهب غير الملاحظ قد ارتفع.

المخاطر التي يزدهر عليها الذهب ما زالت موجودة، إلى حد ما، لكن يبدو أن ارتفاع الذهب قد استوعبها بالفعل وربما أكثر من ذلك. يلاحظ كريس واتلينغ، مؤسس ومدير “لونغفيو”، بنبرة جافة فيما يتعلق بسوق الذهب الذي يبدو مبالغاً فيه: “الجميع يمتلكه والجميع يريد أن يعرف رأيك فيه”. عندما يكون هناك هذا القدر من التفاؤل حول الذهب نفسه، قد يكون الوقت قد حان للقلق. (بلومبرغ)