قرار تاريخي يحرك مياها راكدة في مصر

10 نوفمبر 2024
قرار تاريخي يحرك مياها راكدة في مصر


وسط تعليقات لا تنتهي، أغلبها اقتصادية ترتبط بارتفاع الأسعار المستمر وتراجع مستويات المعيشة، وبعضها سياسية تتعلق بمجريات المعارك في غزة ولبنان، جاء قرار مفاجئ للمحكمة الدستورية العليا في مصر، السبت، ليحول دفة الاهتمام صوب قضية أخرى تماما تتعلق هذه المرة بإيجارات الوحدات السكنية.

ويهيمن منذ عقود جدل واسع في مصر بشأن ما يعرف بعقود “الإيجار القديم”، وبمقتضاها يعيش ملايين المصريين في مساكن بمقتضى عقود إيجارية بلا مدة محددة وبقيمة إيجارية لم تتغير تقريبا منذ عقود بعيدة، مما يعني عمليا أنها باتت الآن بمقابل لا يكاد يذكر بالنظر إلى معدل التضخم عبر سنوات طويلة، وهو ما دفع أحد ملاك الوحدات السكنية إلى وصف القيمة الإيجارية بأنها “بثمن بيضة”.

لكن على الرغم من ذلك، هناك أيضا مخاوف بين المستأجرين الذين يطالبون أيضا بحقوقهم في إيجار عادل.

وينص القانون الحالي على أن للمستأجر الحق في البقاء داخل الوحدة المؤجرة طالما يدفع الإيجار، ولا يحق للمالك طرد المستأجر وإخلاء الوحدة إلا بحكم قضائي.

وجاء قرار المحكمة الدستورية العليا الأخير ليحرك مياها راكدة في المنظومة القانونية المصرية، إذ قضى بعدم دستورية المادتين (1و2) من القانون رقم 136لسنة 1981، فيما يخص ثبات الأجرة للأماكن السكنية، وحددت المحكمة اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخا لإعمال أثر حكمها.

وتنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون على ما يلى: “ما عدا الإسكان الفاخر، لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثي مساحة مباني العقار”.

وتنص الفقرة الأولى من المادة “2” من القانون: “تقدر قيمة الارض بالنسبة إلى الأماكن المنصوص عليها في الفقرة الأولي من المادة السابقة وفقا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء، وتقدر قيمة المباني وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء، فإذا ثبت تراخي المالك عمدا عن إعداد المبنى للاستغلال، تقدر تكلفة المباني وفقا للأسعار التي كانت سائدة في الوقت الذي كان مقدرا لإنهاء أعمال البناء وذلك دون الإخلال بحق المحافظة المختصة في استكمال الأعمال وفقا للقواعد المنظمة لذلك”.

وأشارت المحكمة في قرارها إلى أن تحديد الأجرة يتعين أن يستند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، وهو ما يوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن.

وأضافت المحكمة أن النصين المطعون عليهما يؤديان إلى ثبات القيمة الإيجارية “عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضىّ عقود على التاريخ الذى تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية”.

ووفقا لمنطوق الحكم، فإن موعد تنفيذه سيكون في اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب، وهو ما يعنى أنه أمام البرلمان من الآن وحتى فض دور الانعقاد الفرصة لتعديل الفقرتين.

ودور الانعقاد العادي بدأ في شهر أكتوبر ويستمر لمدة 9 أشهر وعقب انتهائه، في حزيران أو تموز 2025، يفترض أن يبدأ تنفيذ الحكم. وإذا أصدر البرلمان تشريعا خلال هذه المدة، يتوقع أن نشهد زيادة في الإيجارات. وإذا لم يصدر مجلس النواب تشريعا وتم تنفيذ الحكم فإنه من حق الملاك تقديم دعاوى طرد للمستأجر استنادا لحكم الدستورية.

وعلى مواقع التواصل، وصف مؤيدو تعديل القانون حكم المحكمة بأنه “تاريخي” ويحقق الموازنة في العلاقة بين المالك والمستأجر.

وقال محمد عطية الفيومى، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، في تصريحات للمصري اليوم إن “القرار ملزم لجميع الأطراف”، مشيرا إلى أن اللجنة ستعقد أول اجتماعاتها الفترة المقبلة بعد الحصول على حيثيات الحكم مكتوبة من المحكمة لمناقشته.

وأوضح أنه حال عدم إصدار مجلس النواب قانونًا جديدًا خلال الانعقاد التشريعي الحالي، فسيكون الحكم واجب النفاذ، وفي حال عد إصدار قانون، ستختص المحاكم بتحديد القيمة الإيجارية. وتابع: “المالك هيرفع قضية في المحكمة والتي ستقرر القيمة الإيجارية، عشان كده مهم مجلس النواب يتدخل ويسرع نظاما يسري على الجميع”.

وعلى مواقع التواصل ووسائل الإعلام التقليدية، ثارت حالة من الجدل بين المؤجرين والمستأجرين بشأن قرار المحكمة.

المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، ميشيل حليم، قال في مداخلة مع برنامج”الحكاية” إن الزيادة العادلة من وجهة نظره ينبغي أن تكون 5 أضعاف القيمة الإيجارية الحالية مع زيادتها سنويا، مستشهدا في هذه الفكرة بقانون آخر صدر في 2022.

وكان مجلس النواب أقر تعديلا على قانون الإيجار للأشخاص الاعتبارية لأغراض غير السكن سمح بزيادة الإيجارات بنسبة 15 في المئة سنويا لمدة 5 سنوات، على أن تنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بقوة القانون.

من جانبه، تحدث مصطفى عبدالرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، عن “ظلم وقهر” يتعرض له أصحاب الوحدات السكنية على مدى 43 عاما بسبب هذا القانون.

وقال: “إحنا مستحملين 43 سنة إيجار 3 جنيه و4 جنيه.. أنا عندي 65 سنة ومش عارف أشتري حاجة بميراثي”. واقترح وفق تصريحات نقلتها صفحة الائتلاف على فيسبوك رفع القمية الإيجارية إلى 2000 جنيه (حوالي 40 دولارا)، وأن تبلغ فترة توفيق الأوضاع ثلاث سنوات، وبعدها، يتم تحرير عقد جديد بين المستأجر والمالك.

وجاء في أحد  التعليقات على الحكم بمنصة “إكس”: “الحكم جيد لكن المهم التطبيق . الحكومة ممكن تزود الضعف (ستكون زيادة واهية) وتكون نفذت الحكم، لكن هذه الزيادة لن تعني شيئا للمالك”.

وكتب آخر أن “الكرة الآن في ملعب مجلس النواب ونأمل أن يخرج القانون الجديد بالشكل اللائق وأن يكون خاليا من أى عوار وأن يحقق التوازن العادل ولا يكون هذا التوازن على حساب طرف لإرضاء الطرف الآخر”.

وكتب آخر: “يجب تنفيذ القانون فورا. الظلم الواقع علي المالك جائر. معقول إيجار الشقة بثمن بيضة؟. على الدولة أن تتحمل إيجاد سكن للحالات الحرجة وأظنها ليست كثيرة”.

لكن في المقابل، عبر آخرون عن مخاوفهم من طرد المستأجرين الذين لن يتحملوا الزيادات.

وجاء في تعليق: “وملايين المصريين اللي مش لاقيين ياكلوا ويجيبوا دوا (لا يستطيعون الحصول على الطعام والدواء) ، هيترموا في الشارع لعدم سداد الأجرة الجديدة؟”

ويشير آخر إلى أن المالك حصل على حقه فعليا عندما حصل على “مبلغ كبير” من المستأجر لدى توقيع عقد الإيجار وهو ما يطلق عليه في مصر “خلو رجل”.

وتساءل: “الآن المالك بيطالب بحقه وهو أخذه بالفعل”.