استراتيجية اقتصادية جديدة للصين لمواجهة تهديدات ترامب التجارية

21 ديسمبر 2024
استراتيجية اقتصادية جديدة للصين لمواجهة تهديدات ترامب التجارية


في واحدة من أكثر التصريحات المائلة إلى التيسير خلال أكثر من عقد، أشار القادة الصينيون الأسبوع الماضي إلى استعدادهم لاتخاذ أي إجراءات تحفيزية ضرورية لمواجهة تأثير الرسوم التجارية الأميركية المتوقعة على نمو الاقتصاد في العام المقبل.

وفي أعقاب اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، أعلن المسؤولون عن تحولهم إلى سياسة نقدية تتسم بـ”التيسير الملائم”، مع تفعيل أدوات مالية “أكثر نشاطًا”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” واطلعت عليه “العربية Business”.

وأسفرت السياسة النقدية السابقة، التي اتسمت بالحذر استمرت على مدار 14 عامًا، عن قفزة إجمالية في مستويات الدين- بما في ذلك ديون الحكومات والأسر والشركات -بأكثر من خمسة أضعاف، في حين سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بحوالي ثلاثة أضعاف خلال نفس الفترة.

ونادرًا ما يكشف المكتب السياسي في الصين عن خطط السياسات بالتفصيل، لكن تغير النهج يُظهر استعداد الصين للغوص بشكل أعمق في الديون، مع إعطاء الأولوية للنمو على حساب المخاطر المالية على الأقل في المدى القريب.

ووصف كبير الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى وشمال آسيا في بنك “ستاندرد تشارترد”، شوانغ دينغ، هذا التحول بالتغير الكبير، ويتيح هذا التوجه مساحة واسعة للتخيل والتوقعات.

بينما قال أستاذ الاقتصاد التطبيقي المساعد في جامعة بكين، تانغ ياو، إن هذا التحول في السياسة أمر ضروري، لأن النمو البطيء سيزيد من صعوبة خدمة الديون.

لا يزال من غير الواضح مدى التيسير النقدي الذي يمكن للبنك المركزي أن يقدمه، أو مقدار الدين الإضافي الذي يمكن لوزارة المالية إصداره العام المقبل. لكن يرى المحللون أن هذه المرونة تصب في مصلحة بكين.

وفي سياق آخر، يستعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل، بعد أن هدد بفرض تعريفات جمركية تتجاوز 60% على واردات السلع الصينية إلى الولايات المتحدة.

وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في “ماكواري”، لاري هو، إن الصين مستعدة لفعل كل ما يلزم لتحقيق هدف الناتج المحلي الإجمالي، لكن استجابتهم ستكون تفاعلية.

وأضاف: “ما سيفعلونه في 2025 يعتمد على أمرين: هدف الناتج المحلي الإجمالي والتعريفات الجمركية الأميركية الجديدة”.

وأفادت تقارير “رويترز” الشهر الماضي بأن معظم المستشارين الحكوميين يوصون بالحفاظ على هدف نمو يبلغ حوالي 5%، رغم صعوبة تحقيق هذا المعدل خلال العام الجاري.

ويرى الباحث الرئيسي في بنك الصين، زونغ ليانغ، أن لهجة بيان المكتب السياسي توحي بأن الصين لن تخفض طموحاتها للنمو في 2025. لكنه أضاف أن بكين قد تحدد عجز الموازنة عند 4%، وهو الأعلى في تاريخها.

بينما قال كبير الاقتصاديين الصينيين في “نومورا”، تينغ لو، إن تحديد هدف النمو عند 5% قد يكون إحدى وسائل بكين لإظهار عدم استسلامها أمام تهديدات ترامب بتعريفات جمركية بنسبة 60%.

كما يتوقع أيضًا ارتفاع العجز المالي إلى 4% مقابل 3% في 2024.

ويُشار إلى أن زيادة بنسبة 1% في العجز تعادل تحفيزًا إضافيًا بنحو 1.3 تريليون يوان (179.4 مليار دولار)، لكن الصين يمكنها زيادة هذا المبلغ إذا لزم الأمر عبر إصدار سندات خاصة خارج الموازنة أو السماح للحكومات المحلية بذلك. ومن المتوقع أن تتحمل بكين تدريجيًا مسؤولية مالية أكبر نظرًا لوقوع البلديات المحلية في ديون كبيرة.

تحفيز الاستهلاك يتصدر أولويات قادة بكين
تواجه الصين ضغوطًا انكماشية قوية مع شعور المستهلكين بتراجع ثرواتهم بسبب أزمة العقارات الممتدة وضعف نظام الرعاية الاجتماعية. ويعد انخفاض الطلب الأسري خطرًا رئيسيًا على النمو.

وفي اعتراف ضمني بهذا الخطر، تعهد المكتب السياسي بإجراء تعديلات دورية غير تقليدية وتعزيز الاستهلاك بشكل كبير.

ويرى محللو “غولدمان ساكس” أن الصياغة الجديدة تشير إلى أن التحفيز سيختلف بشكل كبير عن الدورات السابقة، مع تركيز أكبر على الاستهلاك والتصنيع عالي التقنية واحتواء المخاطر بدلاً من الاستثمار التقليدي في البنية التحتية والعقارات.

بينما أشارت “مورغان ستانلي” إلى أن البيان يعكس أن تعزيز الاستهلاك سيكون المهمة الأساسية الأولى لعام 2025، لكنها حذرت من أن كيفية التنفيذ لا تزال مجهولة.

وقال محلل لدى “كابيتال إيكونوميكس”، جوليان إيفانز-بريتشارد، إن التيسير النقدي في الصين بات أقل تأثيرًا مما كان عليه. إذ انخفضت شهية الأسر وقطاعات كبيرة من القطاع الخاص لتحمل المزيد من الديون، حتى مع انخفاض الفائدة.