رسوم ترامب تُعيد رسم مشهد المنافسة بين كوكاكولا وبيبسي

23 أبريل 2025
رسوم ترامب تُعيد رسم مشهد المنافسة بين كوكاكولا وبيبسي


لعقود من الزمن، تنافست علامتا بيبسي وكوكاكولا على صدارة سوق المشروبات الغازية، في معركة شرسة لم تهدأ يوماً، استخدمت خلالها الشركتان، كل ما في جعبتهما من إعلانات مبتكرة واستراتيجيات وأساليب تسويق ذكية.

ولكن وفي قلب المعركة التقليدية بين كوكاكولا وبيبسي، جاءت السياسة التجارية التي تعتمدها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتمنح كوكاكولا تفوقاً على بيبسي من ناحية تكاليف الإنتاج، فالرسوم الجمركية بنسبة 10 في المئة التي فرضتها أميركا على البضائع المستوردة من كافة دول العالم، ستتسبب في زيادة تكاليف مشروب بيبسي داخل السوق الأميركية، وذلك كون “الوصفة السرية” لهذا المشروب، يتم تصنيعها  خارج أميركا، في حين أن هذا الوضع لا ينطبق على مشروبات كوكاكولا.

خطة ضريبية تنقلب على بيبسي
وبحسب تقرير أعدته “وول ستريت جورنال” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن بيبسيكو المالكة لعلامة بيبسي، بدأت منذ أكثر من 50 عاماً وتحديداً في عام 1974، بإنتاج “المركّزات” الخاصة بمشروباتها الغازية في أيرلندا، وذلك بهدف الإستفادة من الضريبة المنخفضة، التي تفرضها الحكومة على الشركات العاملة في البلاد.

ولكن خطة بيبسيكو لتوفير الضرائب جاءت بنتائج عكسية في 2025، حيث باتت “مركّزات” بيبسي المنتجة في أيرلندا، تخضع لرسوم جمركية بنسبة 10 في المئة عند إدخالها إلى الولايات المتحدة، لإتمام عملية خلطها مع المياه والغازات وطرحها في السوق المحلية.

في المقابل تقوم كوكاكولا بتصنّيع معظم “مركّزات” مشروباتها الغازية، التي تباع في أميركا في أتلانتا وبورتوريكو، وهي منطقة تابعة للولايات المتحدة، وهذا يعني أن مشروبات مثل كوكاكولا وسبرايت، ستكون أقل تأثراً بالرسوم الجمركية كونها تنتج بالكامل محلياً.

ما هي “مركّزات” المشروبات ؟
“مركّزات” المشروبات الغازية هي السوائل المركّزة التي تحتوي على النكهات، والمكوّنات الأساسية الخاصة بكل مشروب، وتُعتبر بمثابة “الوصفة السرية” التي تُميز كل علامة تجارية عن الأخرى.

ويتم تصنيع “المركّزات” في منشآت خاصة، ثم تُنقل إلى مصانع التعبئة حيث تُخفف بالماء وتُضاف إليها الغازات والمُحليات، لتُنتج منها المشروبات الجاهزة التي نراها في الأسواق مثل بيبسي وكوكاكولا.

وتدير بيبسيكو الآن مصنعين لانتاج “المُركّزات” في أيرلندا، إضافة إلى مركز للبحث والتطوير، وقد ضاعفت الشركة استثماراتها في البلاد في السنوات الأخيرة، حيث قامت في عام 2022 باستثمار حوالي 189 مليون دولار أميركي في منشآتها التصنيعية هناك.

بيبسي في وضع صعب
ويقول المحلل في بنك HSBC، كارلوس لابوي، إن أيرلندا لطالما تمتعت بميزة ضريبية ولكن أحداً لم يكن يتوقع الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، والتي ليس من الواضح إلى متى ستستمر، مشيراً إلى أنه بات من الواضح أن مشروبات بيبسي باتت في وضع غير مواتٍ الآن.

وبحسب تقرير “وول ستريت جورنال”، تأتي الرسوم الجمركية الأميركية في توقيت سيء للغاية بالنسبة لشركة بيبسيكو، إذ تراجعت حصة مشروب بيبسي في السوق الأميركية بشكل حاد على مدار العقدين الماضيين، ووصلت في العام الماضي إلى أدنى مستوى لها، بعدما تقاسمت مشروبات “Dr Pepper” مع بيبسي المرتبة الثانية في قائمة المشروبات الغازية الأكثر مبيعاً في البلاد.

“وول ستريت” تحت ضغط سياسات ترامب
وأشار التقرير إلى أن بيبسيكو رفضت التعليق على الخطوات التي قد تتخذها لتخفيف آثار الرسوم الجمركية، كما رفضت الإفصاح عما إذا كانت الرسوم ستؤدي إلى ارتفاع أسعار مشروباتها الغازية، علماً أن مبيعات كوكاكولا وبيبسي قد تتضرران أيضاً من رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة فرضتها أميركا على واردات الألومنيوم، إلا أنه يمكن للشركتين الحد من تأثير هذه الرسوم، من خلال تعبئة المزيد من المشروبات في زجاجات بلاستيكية أو تأمين الألومنيوم من مصادر محلية داخل الولايات المتحدة.

لماذا لا تستطيع بيبسي خسارة أميركا؟
ويقول الخبير في صناعة الأغذية والمشروبات وليد جبارة، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الولايات المتحدة تُعدّ من أكبر الأسواق العالمية لاستهلاك المشروبات الغازية، حيث يستهلك المواطن الأميركي في المتوسط ما بين 147 و154 لتراً من المشروبات الغازية سنوياً، وهذا الاستهلاك الضخم يجعل السوق الأميركية التي ستبلغ مبيعات المشروبات الغازية فيها 388 مليار دولار في 2025، حيوية للغاية لشركات المشروبات الغازية مثل بيبسي وكوكاكولا، لافتاً إلى أن علامة بيبسي تواجه حالياً بيئة معقّدة تجارياً وجمركياً في أميركا، فمن جهة وصلت الحصة السوقية للعلامة التجارية إلى أدنى مستوياتها التاريخية، ومن جهة أخرى، جاءت الرسوم الجمركية لتضيف عبئاً جديداً على تكاليف إنتاجها.

ثبات كوكاوكولا وتراجع بيبسي
ويكشف جبارة أن كوكاكولا حافظت منذ عام 1995 وحتى 2024 على حصة سوقية تتراوح بين 17 و20 في المئة في أميركا، في حين تراجعت حصة بيبسي من 15 في المئة في 1995 إلى أكثر من 8 في المئة في 2024، لتتعادل مع مشروب “دكتور بيبر” من حيث الحصة السوقية، ولذلك فإن أي ارتفاع في أسعار بيبسي، سيؤثر ودون أدنى شك سلباً على الحصة السوقية للشركة في السوق الأميركية، مشيراً إلى أن المشكلة الجوهرية تتعلق بنموذج الإنتاج العالمي، الذي تبنّته بيبسيكو لعقود، والذي كان يقوم على الاستفادة من فروقات الضرائب والتكاليف بين الدول.

حلول يمكن اللجوء إليها
ويشرح جبارة أن نموذج الإنتاج الذي تبنّته بيبسيكو لم يعد فعّالاً، في ظل سياسات “أميركا أولاً” التي تفرض تكاليف إضافية على الإنتاج الخارجي، فالرسوم على “مركّزات” بيبسي تُظهر كيف يمكن لسياسة جمركية، أن تعرقل سلسلة التوريد العالمية، وتضعف تنافسية منتج محلي، وبما أن بيبسيكو غير قادرة على تمرير كامل الكلفة إلى المستهلك، بسبب شدة المنافسة، فإن هامش أرباحها سيكون تحت الضغط، ما لم تتدخل استراتيجياً لتعديل هيكلها الصناعي.

وبحسب جبارة فإن أمام بيبسيكو عدة حلول يمكن اللجوء إليها، الحل الأول يتمثل بنقل جزء من إنتاج “مركّزات” مشروبات بيبسي إلى داخل الولايات المتحدة أو إلى مناطق تُعدّ جمركياً جزءاً من السوق الأميركية مثل بورتوريكو، على غرار ما تفعله كوكاكولا، وهذ الحل يتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة، لكنه يحصّن سلسلة الإمداد من الصدمات الجمركية المستقبلية، في حين أن الخيار الثاني يتمثل بممارسة الضغط على الإدارة الأميركية، لتعديل أو تعليق الرسوم الجمركية على مشروبات بيبسي، تماماً مثلما حصل مع هواتف آيفون، التي تقوم بتجميعها شركة آبل في مصانع في الصين.

تحوّل مكلف
ويرى جبارة أنه رغم منطقية الحلول التي تم ذكرها، إلا أنها لا تخلو من التحديات، فمثلاً إعادة توطين الإنتاج تعني أعباء مالية على المدى القصير، وتحديات في استقرار الجودة، في حين أن تعديل السياسات التجارية يتطلب وقتاً قد لا يكون مضمون النتائج، معتبراً أن ما يحصل قد يكون فرصة لبيبسيكو لتحديث نموذجها الصناعي، والتحوّل إلى سلسلة توريد أكثر مرونة واستدامة. (سكاي نيوز)