كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”: أصبح فيروس “كوفيد-19” المعروف بإسم “كورونا” المستجد، حديث العالم بلا منازع، فهو سريع الانتشار وقد يؤدي إلى الوفاة، مسبباً الذعر لملايين البشر، وخصوصاً بعد أن صعّدت منظمة الصحة العالمية تصنيفه من وباء إلى جائحة. ولكن، كما يؤكّد الكثير من الأطباء، هذه ليست النهاية. فبالنظر إلى التاريخ العالمي، نجد أنّ البشر قد استطاعوا النجاة والاستمرار بعد انتشار أوبئة فيروسية أكثر شراسة من كورونا، ولكنها بالتأكيد غيّرت في مجرى التاريخ. ومن الأوبئة والجائحات نذكر الإنفلونزا الإسبانية (1918)، والإنفلونزا الآسيوية أو أتش2أن2 (1957)، وإنفلونزا الخنازير أو أتش1أن1 (2009). ولكن كيف يُتَوَقَّع أن ينتهي وباء “كوفيد-19″؟
في حديث لـ”الجمهورية”، قال د. جاك مخباط، طبيب في LAUMCRH، ورئيس قسم الطب وأستاذ في جامعة الـLAU، رداً على ما يُتداول حول اعتبار الأوبئة التي تنتشر كل 100 عام “مُفَبْركَة” على يد الإنسان: “ما من تفسير طبي لانتشار وباء عالمي كل 100 عام، كما لا يمكن للطب تأكيد صحة أو خطأ ما يُحكَى عن أنّ الأوبئة نتيجة تلاعب مخبري بفيروس، أي إذا كانت صنع الإنسان أم لا”. لذا، علينا تركيز الجهود على محاولة إنهائها، والتحضّر لها وتفاديها في المستقبل.
الأوبئة السابقة
أشار د. مخباط، أنّه “في الماضي، كانت تنتشر الأوبئة بكثرة، ولم تفصل بين الواحدة والأخرى قرناً. نعطي مثل وباء “جستنيان” الذي دام سنوات عدة. ومنذ مئة عام، انتشر وباء الإنفلونزا، واستمر من شتاء 1918الى 1919، ثم اختفى، لينتشر مجدداً على نطاق أصغر في شتاء 1919-1920. واعتُبِرَ أكبر وباء عالمي انتشر منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ولكن ينتشر أيضاً فيروس الإنفلونزا على نطاق أصغر كل 10 إلى 20 عاماً، وهو موجود بنطاق صغير جداً كل عام. فيتغيّر فيروس الإنفلونزا كثيراً كل 10 إلى 20 عاماً. وفي كل مرة يتغيّر فيها، يفتقر الناس إلى المناعة المضادّة لهذا الشكل الجديد منه، ما يسمح له بالانتشار على نطاق واسع. ثم يكتشف سكان الأرض مع الوقت مناعة ضد الفيروس، فيتوقف الوباء. ولكن في كل عام، تحدث تغييرات صغيرة للفيروس، ما ينتج انتشاراً على نطاق صغير، إلى حين الانتشار الواسع التالي، وهكذا دواليك”.
أشار د. مخباط، أنّه “في الماضي، كانت تنتشر الأوبئة بكثرة، ولم تفصل بين الواحدة والأخرى قرناً. نعطي مثل وباء “جستنيان” الذي دام سنوات عدة. ومنذ مئة عام، انتشر وباء الإنفلونزا، واستمر من شتاء 1918الى 1919، ثم اختفى، لينتشر مجدداً على نطاق أصغر في شتاء 1919-1920. واعتُبِرَ أكبر وباء عالمي انتشر منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ولكن ينتشر أيضاً فيروس الإنفلونزا على نطاق أصغر كل 10 إلى 20 عاماً، وهو موجود بنطاق صغير جداً كل عام. فيتغيّر فيروس الإنفلونزا كثيراً كل 10 إلى 20 عاماً. وفي كل مرة يتغيّر فيها، يفتقر الناس إلى المناعة المضادّة لهذا الشكل الجديد منه، ما يسمح له بالانتشار على نطاق واسع. ثم يكتشف سكان الأرض مع الوقت مناعة ضد الفيروس، فيتوقف الوباء. ولكن في كل عام، تحدث تغييرات صغيرة للفيروس، ما ينتج انتشاراً على نطاق صغير، إلى حين الانتشار الواسع التالي، وهكذا دواليك”.
وتابع مخباط: “في العام 2009، انتشر وباء الـH1N1. لم يكن قد ظهر هذا الفيروس لأكثر من 40 إلى 50 عاماً. لذا، افتقدت فئة كبيرة من الناس إلى المناعة ضدّه، لذا كان الأغلبية عرضة لالتقاطه. لحسن الحظ، لم ينتج من هذا الانتشار عدد كبير من الوفيات. ولكن في العادة، حتى لو كانت نسبة الوفيات جراء فيروس ما منخفضة جداً، عندما يصاب عدد كبير من الناس به، سيكون عدد الوفيات مرتفعاً. فضلاً عن ذلك، عندما يرتفع عدد المرضى بشكل هائل، يتخطّى النظام الصحي في كل أنحاء العالم قدرته على الاستيعاب. وعندها، لا يمكنه حتى مساعدة المرضى الذي يعانون من أعراض خفيفة، وقد تتأزم حالتهم ويلقون حتفهم. هذه هي المشكلة الأكبر. إذاً، الأنظمة الصحية ليست مستعدة لأي وباء. فالقادة في العالم يتجهزون للحروب، ولكنهم لا يتجهزون لمكافحة الأعداء الجرثومية”.
إذاً، الوباء السابق الأهم كان فيروس الـH1N1 في العام 2009، إلى جانب الأوبئة الصغيرة المحدودة النطاق مثل نوع سابق من فيروس الكورونا – متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، أي MERS (Middle East Respiratory Syndrom) – الذي انتشر في العام 2012، والإيبولا الذي انحصر انتشاره في شرق أفريقيا في العام 2014 و2015.
وباء “كوفيد-19”
بحسب د. جاك، “خلال انتشار وباء “كوفيد-19″ في البلدان المجهّزة على أكمل وجه للأوبئة، والتي تصرّفت بسرعة واتخذت الإجراءات اللازمة، مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا، لم تبلغ نسبة الوفيات الـ1%. أما في البلدان الأخرى التي لم تكن مجهّزة، والتي تهاونت بمسألة انتشار فيروس كورونا المستجد، مثل فرنسا، وإيطاليا والولايات المتحدة، بلغت نسب الوفيات 4 و5%، وحتى 10%. هذا ولم نأخذ بالاعتبار البلدان في مناطق خالية من أية تجهيزات طبية، فالبلدان المذكورة هي من الأفضل في مجال الرعاية الصحية”.
ولو قارنّا بين “كوفيد-19” وH1N1، نجد وفقاً لمخباط، أنّ “الاثنين ينتقلان بالطريقة نفسها من شخص إلى آخر، عبر الرذاذ من الجهاز التنفسي. ولكن “كوفيد-19″ قاتل أكثر من الإنفلونزا، ونسبة الوفيات فيه أعلى، إذ يطور الإنسان مناعة ضد الإنفلونزا بسرعة كبيرة، كما يطور العلماء لقاحات للإنفلونزا بسرعة”.
وشدّد د. جاك على أنّ “الأهم في إنهاء وباء ما، هو تخفيض عدد الأشخاص المعرّضين للإصابة به، وذلك إما عبر اللقاح وإما عبر تقوية المناعة ضد الفيروس (من خلال التغذية الصحيحة، وممارسة الرياضة باعتدال، وتنشق هواء نظيف)، وطبعاً عبر الحدّ من نسبة التعرّض للفيروس خلال انتشاره، وذلك من خلال العمل عند انتشار النيران، أي علينا إغلاق الأبواب، والعزل. لذا المطلوب هو تقليص الاحتكاك بين الناس”. في الواقع، قال د. جاك مخباط، إنّ “الطب وحده لن ينهي انتشار «كوفيد-19»، بل الجهود المجموعة بين الطب واللقاح واستراتيجيات الحدّ من التعرّض، مثل التباعد الاجتماعي والعزل المنزلي”.
وختمَ: “يعالج الطب في الأوبئة العالمية الأعراض ويخففها، ولكنه لا يوقِف الوباء. في العادة، تنتهي الأوبئة بتطور المناعة لدى الأشخاص، وبالحدّ من الانتشار”.
يعيش غالبية الناس بنمط حياة يؤذي صحتهم، من حيث المأكل والمشرب والنشاط الجسدي… وعندما تبدأ المشكلات الصحية بالظهور، يلجؤون إلى الطب لتصحيحها كلها. يمكن أن نتعلّم من وباء “كوفيد-19” العالمي اليوم، أنّ أفضل وسيلة للتمتع بصحة جيدة هي تقوية جهاز المناعة، عبر اعتماد أسلوب حياة صحي.
وبحسب د. مخباط: “يوجّه لنا هذا الوباء الرسالة التالية: لقد دمّرتم الطبيعة بما فيه الكفاية. لا يمكن مواصلة اجتياح الطبيعة بهذا الشكل. يجب أن ندرك أنّ هذا الوباء بدأ بمرض حيوان…عبر تدمير الطبيعة، نحن نخلّ بالنظام البيئي والاتزان الطبيعي، ونمنع بذلك الحيوانات التي تحمينا من الحشرات والقوارض. ولكن للأسف، البشرية لن تتعلّم يوماً الدرس، وستواصل في تدمير الطبيعة في المستقبل”.