ما الذي يحدث في جسمك عندما تجوع – تعطش – تغضب – تفرح؟

13 نوفمبر 2020
ما الذي يحدث في جسمك عندما تجوع – تعطش – تغضب – تفرح؟

جسم الإنسان إحدى المعجزات الموجودة في الكون من حيث دقة العمل وتكامل الوظائف. ليس هذا فحسب لكن عندما تنظر إلى بعض الميكانيزمات التي يقوم بها جسمك عند الشعور ببعض الأحاسيس المختلفة، فإنك ستجد العجب كل العجب.

جميعنا يمر بإحساس الجوع؟ لكن هل سألت نفسك كيف تمكن جسمك من إيصال هذا الشعور إليك؟ ما الذي تم داخل خلاياك وأعضائك حتى يصيبك هذا الإحساس؟

جميعنا مر بلحظات الغضب، فكيف يتعامل الجسم مع هذه اللحظة؟ وكيف يرفع درجة استعداداته لأعلى مستوى من أجل إحساسك بالغضب؟

الجوع
التعريف العلمي للجوع أنه إحساس يمثل حاجة الجسم الفسيولوجية للطعام. معنى هذا أن الجوع إحساس وظيفي جسدي وليس إحساسًا نفسيًا. فشعورك بالجوع يعني وجود نقص في المواد الغذائية التي يحتاجها جسدك من أجل القيام بوظائفه على الوجه الأكمل.

كيف نجوع؟
عندما يقوم الإنسان بتناول طعام، يقوم النسيج الدهني في جسمه بإفراز هرمون يسمى (ليبتين) إلى الدم. هذا الهرمون يقوم بتقليل دافع وحافز الإنسان نحو الطعام.

بعد ذلك ونتيجة لمرور وقت طويل دون تناول طعام تبدأ مستويات هرمون (ليبتين) في الانخفاض بشكل كبير. هذا الانخفاض الملحوظ في مستويات هذا الهرمون في الدم يحفز إفراز الجسم لهرمون ثانوي يسمى (جريلين) وهو المسئول عن إحساسنا بالجوع.

الإحساس بالجوع مختلف عن زيادة شهيتك للأكل. فالشهية تمثل رغبة الإنسان في الطعام نتيجة مؤثرات مختلفة مثل رؤية الطعام أو شمه أو حتى التخيل به. الدراسات أثبتت أن هرمون (جريلين) مسئول أيضًا عن زياد شهيتك التي تم تحفيزها برؤيتك للطعام.

التعرض للضغوط المختلفة والتوتر والقلق قد يسبب زيادة نسبة إفراز هرمون (جريلين) في الدم مما يعطيك إحساسًا بالجوع رغم الضغوط المحيطة بك. وهذا يفسر رغبة الكثير من الناس في تناول الطعام عند تعرضهم لضغوط نفسية مختلفة.

التحكم في الجوع والشبع
يوجد في المخ مركز يسمى مركز الجوع. بعد شعور الإنسان بالجوع يقوم الإنسان بتناول الطعام حتى إذا ما بدأت قناته الهضمية في التمدد نتيجة دخول الطعام إليها كثيرًا فإن هناك مستقبلات خاصة داخل جدران الجهاز الهضمي تستطيع الشعور بتمدد الجدران نتيجة كثرة الطعام، فتقوم بإرسال إشارات عصبية إلى مركز الجوع عبر ما يعرف بالعصب الحائر تقوم بتثبيط المركز فيقل إحساس الإنسان بالجوع ويرتفع إحساسه بالشبع.

أيضًا فإنه بعد تناول وجبة الطعام تبدأ نسب الجلوكوز والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية في الارتفاع في الدم، هذا الأمر ينعكس عبر مستقبلات عصبية حساسة إلى مركز الجوع ليتم تثبيطه والشعور بالشبع.

عند مرور ما بين 12 – 24 ساعة من آخر لقمة طعام دخلت إلى فمك تبدأ آلام الجوع بالظهور. هذه الآلام عبارة عن تقلصات في المعدة. غالبًا ما تستمر كل تقلص مفرد من هذه التقلصات فترة 30-45 ثانية، وتستمر التقلصات بشكل عام من 30 – 45 ثانية ثم تنحسر هذه التقلصات لمدة 30 – 150 دقيقة. في البداية تكون التقلصات في صورة مفردة متباعدة، لكن بعد مرور وقت معين تصبح هذه التقلصات مستمرة ومتصلة.

المدهش في الأمر أن بعض الحالات العاطفية مثل الغضب والفرح والحزن قد تتسبب في منع هذه التقلصات من الحدوث.

دائمًا ما يعاني مرضى السكر من جوع كبير بينما أولئك الذين يتميزون بمستويات منخفضة للجلوكوز في الدم فإن الجوع عندهم يكون قليلًا.

العطش
يعرف العلم العطش بأنه الرغبة في تناول السوائل وخصوصًا الماء مما يؤدي إلى غريزة الإنسان الطبيعية نحو الشرب.

العطش في حد ذاته هو إحدى الآليات أو الميكانيزمات المتعلقة بتوازن السوائل داخل جسم الإنسان، وبالتالي فإن الشعور بالعطش ينشأ نتيجة نقص السوائل في جسم الإنسان عن حد معين أو نتيجة لزيادة بعض الأملاح في الجسم.

طريقة شعور الإنسان بالعطش تبدأ من خلال عدد من المستقبلات والأنظمة التي يمكنها كشف حدوث أي نقص في كمية السوائل أو زيادة في أنواع معينة من الأملاح.

نشأة العطش تأتي نتيجة وجود خلل في التوازن بين كمية السوائل والأملاح الموجودة داخل الخلايا مع السوائل والأملاح الموجود خارجها. الشيء الطبيعي أن يكون تركيز السائل داخل الخلية مساويًا لتركيزه خارج الخلية.

هناك نوعان من العطش، النوع الأول ينشأ نتيجة نقص حجم السوائل خارج الخلايا. هذا النوع ينشأ غالبًا نتيجة فقدان دماء كثيرة أو نتيجة لإسهال أو قيء. هذا النوع من العطش خطير جدًا لأنه يتسبب في نقص كمية الدماء التي يقوم القلب بضخها مما قد يؤدي لفشل في عضلة القلب.

في هذه الحالة يقوم الجهاز الدوري برد فعل يتمثل في انقباض الأوعية الدموية حتى يقلل من حجم الدماء الذي يحتاجه الجهاز.

المستقبلات الخاصة بالعطش في الأوعية الدموية تقوم بإرسال إشارات عاجلة إلى الكلى لتنشيط عمل نظام هرموني معين يؤدي في النهاية لإفراز هرمون رينين الذي ينشط مجموعة من البروتينات في الدم التي تقوم بإثارة الغدة النخامية والغدة الكظرية لإفراز عدد من الهرمونات التي تنبه الكلية للقيام بعدم التخلص من الماء والصوديوم. هذا الأمر يتسبب في ارتفاع ضغط الدم.

النوع الثاني يحدث نتيجة زيادة تركيز السائل الموجود بين الخلايا (وليس داخلها) مما يتسبب في سحب كميات من المياه من داخل الخلايا عبر الخاصية الإسموزية وبالتالي يتقلص حجم الخلايا وتجف.

هذا الأمر ينتج عن زيادة تناول الأطعمة المحتوية على الصوديوم (مثل ملح الطعام) أو نتيجة لنقص السوائل في الدم نتيجة عمليات التعرق والتبول والتنفس.

يوجد عدد من المستقبلات بالقرب مما يسمى الحاجز الدموي المخي تقوم بالتعرف على نقص المياه في الدم لتقوم بإرسال إشارات عصبية لمناطق معينة في المخ مما يؤدي لإثارة مركز العطش الذي ينعكس على الإنسان سلوكيًا عبر بحثه عن مصدر للمياه.

من هنا نفهم ضرورة ألا يصل الإنسان إلى مرحلة العطش لأنها انعكاس لحالة الجفاف التي تعانيها خلايا جسمه حيث أن نقص المياه في خلية ما يؤدي إلى بطء العمليات الحيوية التي تتم داخلها وبالتالي تأثر الإنسان جسديًا وعقليًا.

الغضب
يوجد في المخ جزء صغير على شكل لوزتين يسمى (أميجدالا)، هذا الجزء هو المسئول عن التعرف على أي مخاطر تهدد وجودنا وحياتنا ودق ناقوس الخطر تجاهها.

الأميجدالا تقوم بتحذيرنا من هذه التهديدات وتجعلنا نقوم بردود فعل دون انتظار نظر قشرة المخ في أمر هذه التهديدات ومدى عقلانيتها. معنى هذا أن المخ في مثل هذه الحالات يقوم بجعلنا نأتي بردود فعل دون أن نتمكن من فهم هذه الخطوات واستيعابها.

هذا الأمر لا يعني التعامل مع الناس بشكل حاد لأنه يمكن ببعض التدريبات البسيطة التحكم في ردود الفعل التي تقوم بها الأميجدالا وعدم التسرع دون تحكيم قشرة المخ أولًا. من هنا فإن بعض النظريات العلمية تقول أن التحكم في الغضب ليس موهبة موجودة عند أناس وتختفي من أناس آخرين، بل هو شيء يمكن تعلمه تدريجيًا.

لحظة الغضب
عندما يبدأ الإنسان في الغضب تبدأ عضلات جسمه في التوتر كما يبدأ المخ في إفراز أنواع من المواد الكيميائية تسمى الناقلات العصبية والتي ينتج عنها خروج دفقة كبيرة من الطاقة تظل لعدة دقائق. هذه الطاقة هي المسئولة عن رغبتك في اتخاذ إجراءات وقائية بشكل فوري.

من ناحية أخرى ففي لحظة الغضب يتم إفراز عدد من الهرمونات في مجرى الدم أبرزها هرمون الأدرينالين. هذه الهرمونات تتسبب في تسارع معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدلات التنفس. يصاحب هذا الأمر تدفق زائد للدم إلى الأطراف والوجه (هذا هو سبب احمرار وجهك وقت الغضب).

التوتر الذي يحدث في عضلاتك مع زيادة تدفق الدم إلى أطرافك يجعلك في حالة جاهزية لاتخاذ أي فعل بدني.

في نفس الوقت يبدأ انتباهك بما يدور حولك يضيق ليتركز فقط على سبب غضبك. أنت الآن على استعداد تام للقتال.

بالطبع في لحظة الغضب هذه من الممكن أن تخرج عن شعورك وترتكب حماقات تندم عليها. لكن من رحمة الله أن الفص الجبهي من القشرة موجود حيث يستطيع هذا الجزء من قشرة الدماغ إحداث توازن عاطفي عند الإنسان.

ففي حال سيطرت الأميجدالا على العاطفة، يقوم الفص الجبهي بالسيطرة على حكمك على الأمور في محاولة لفرض القشرة الدماغية لهيمنتها على الأميجدالا مما يمنحك بعض العقلانية.

من هنا فإن كافة التدريبات التي يأخذها الإنسان من أجل السيطرة على غضبه تعمل عبر جعل الفص الجبهي من القشرة هو صاحب اليد العليا على حساب الأميجدالا.

العودة بسلام
المنطقي بالنسبة لنا هو أنه بمجرد زوال سبب الغضب فإن الإنسان يجب أن يعود إلى طبيعته من جديد في وضع الراحة. فلماذا إذن نستغرق عدة ساعات من أجل العودة لطبيعتنا رغم زوال سبب التهديد أو الغضب؟

السر وراء ذلك يكمن في هرمون الأدرينالين الذي قامت الغدة الكظرية بإفرازه في وقت الغضب. هذا الهرمون يمنح الجسم حالة الاستعداد القصوى ولكي يزول مفعوله يجب أن تمر عدة ساعات وفي بعض الأحيان يستمر مفعوله ليوم أو أكثر.

هرمون الأدرينالين وبقاؤه لفترة يجعلنا عرضة لأن نعود إلى حالة الغضب بسهولة أكبر خلال هذه الفترة حيث تقل متطلبات استفزاز الإنسان للحد الأدنى ويصبح عرضة للغضب من جديد لأبسط الأسباب.

السعادة
يعرف العلم السعادة على أنها حالة من الشعور الجيد التي تتميز بعواطف تتراوح بين الرضا والفرح الشديد.

شعور الإنسان بالسعادة يرتبط بانطلاق عدد من المواد الكيميائية في الدماغ والتي يطلق عليها اسم الناقلات العصبية (هي عبارة عن مواد كيميائية يتم إفرازها عبر نهاية خلية عصبية لتقوم بتوصيل السيال العصبي إلى الخلية المجاورة ويطلق عليها أحيانًا اسم الهرمونات العصبية).

اكتشف العلماء وجود عدد من الأطعمة التي تعمل على زيادة إنتاج الدماغ لهذه المواد. فالكربوهيدرات تقوم بزيادة مستويات مادة السيروتونين، والبروتيانات تعزز إنتاج الدوبامين والنورأدرينالين.

هذه الناقلات العصبية يسهل تأكسدها بشكل عام، لذلك ينصح العلماء بتناولنا لمضادات الأكسدة لكي تبقى الناقلات العصبية سليمة لأطول فترة ممكنة.

هرمونات السعادة
1- الدوبامين

هذه المادة هي مادة مثبطة لنقل السيالات العصبية بشكل عام.

يرتبط الدوبامين بشدة مع ميكانيزمات الإحساس بالمكافأة حيث أن عمله يتمثل في الإحساس بالرضا والسعادة.

مواد مثل الكوكايين والأفيون والهيروين والكحول والنيكوتين تزيد من مستويات الدوبامين في الجسم، وهذا هو سبب إحساس مدمني هذه المخدرات والسجائر بسعادة وقتية.

2- السيروتونين

السيروتونين له دور في عدد من السلوكيات مثل النوم والشهية والإثارة والعدوان، كما أن العلماء ربطوا بينه وبين الاختلافات في الشخصية والمزاج، كما أنه مرتبط بالاكتئاب.

السيروتونين يمنع الاكتئاب ويجعل الشخص سعيدًا.

من أهم العوامل المساعدة على زيادة إفراز السيروتونين، التعرض لأشعة الشمس وتناول الوجبات الغنية بالكربوهيدرات وممارسة الرياضة.

نقص مادة التربتوفان من الغذاء يؤدي إلى تهيج الإنسان وزيادة إحساسه بالجوع. من هنا فقد تم استخدام هذه المادة ومشتقاتها من أجل زيادة الشعور بالسعادة وتخفيف القلق والحث على النوم.

3- أوكسيتوسين

ويطلق عليه بعض العلماء اسم “هرمون الحب” لأنه يتم إفرازه عند التعرض للنشوات الجنسية أو أثناء الاعتراف والترابط الاجتماعي.

لاحظ العلماء أن التعرض للإهانة أو التفكير السلبي يؤدي إلى نقص مستويات الأوكسيتوسين.

من أجل زيادة نسبة هذا الهرمون فإنه يفضل زيادة تناول الزيوت المحتوية على ليبوبروتين عالي الكثافة والفواكه خصوصًا الأفوكادو والموز.

يقول العلماء أن الشفاء من بعض الأمراض يأتي نتيجة زيادة نسبة الأوكسيتوسين في الدم عبر التعرض لمواقف إيجابية.

4- الإندورفينات

هذه المواد الكيميائية تجعلنا نشعر بأننا على ما يرام كما تقلل من الشعور بالألم والتوتر. هذه المواد لها دور في تنظيم حالات الضغوط والألم والمزاج.

تتميز هذه المواد عن سابقاتها بأنها مسئولة عن الإحساس بالنشوة العالية في أعقاب المجهود البدني الطويل الذي يستمر لمدة 20 دقيقة فأكثر. هذا الإحساس المميز يمكن أن تشعر به عند تناولك مادة المورفين المخدرة، من هنا فإن الإندورفينات يطلق عليها أيضًا اسم المواد الأفيونية الذاتية.

أيضًا كل من الهيروين والكوكايين يحثان الدماغ على إفراز الإندورفينات.

الإندورفين هو المسئول عن حالة السعادة التي يشعر بها العدائون المنتظمون على رياضة الجري.

المصدر المشرق / وكالات