هل الإصابة بالإنفلونزا تحمي من كورونا… وبالعكس؟

20 ديسمبر 2020
هل الإصابة بالإنفلونزا تحمي من كورونا… وبالعكس؟
بقلم نيقولا جونز

عادة ما يكون نصف الكرة الشمالي بحلول منتصف كانون الأول، في بداية الموسم السنوي لنزلات البرد والإنفلونزا السنوي. ولكن حتى مع تصاعد جائحة “كوفيد-19” في عشرات البلدان، فإن مستويات كثير من الإصابات الموسمية الشائعة لا تزال منخفضة للغاية.

وقد أصاب الوباء الناجم عن فيروس كورونا (SARS-CoV-2) ما لا يقل عن 67 مليون شخص، وأسفر عن مصرع 1.5 مليون شخص فى جميع أنحاء العالم. وكان لمجمل الاستجابات الرامية إلى مكافحة الوباء – من الإغلاق المؤقت إلى ارتداء الكمامات، والابتعاد الاجتماعي، وتعزيز النظافة الشخصية، وانخفاض السفر – أثر كبير في أمراض الجهاز التنفسي الشائعة الأخرى أيضاً.

وفي نصف الكرة الجنوبي – الذي تجاوز الآن شتاءه – لم تضرب الأنفلونزا الموسمية على الإطلاق. ويبدو أنّ ذلك قد يحدث في الشمال أيضاً. وعلى العكس من ذلك، انتشرت في النصف الجنوبي بعض الفيروسات الشائعة ذات العلاقة بنزلات البرد. وتشير الأدلة المحيّرة إلى أنها قد تحمي، في بعض الحالات، من وباء كوفيد-19.

على الرغم من تاريخ البشرية الطويل مع نزلات البرد والإنفلونزا، فإن الفيروسات التي تسبّبها ما زالت تكتنفها الأسرار. ويأمل العلماء في أن تكشف المواسم المضطربة هذا العام عن معلومات جديدة بشأن انتقال الفيروسات، وسلوك الضيوف السنويين غير المرغوب بهم: كيف تستجيب هذه الفيروسات للتدابير الصحية، وكيفية تفاعلها، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لآثار الإصابة بهذه الأمراض على المدى الطويل. تقول سونيا أولسنSonja Olsen، اختصاصية الأوبئة في المركز الوطني لتعزيز المناعة وأمراض الجهاز التنفسي، وهو جزء من المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في أتلانتا، بولاية جورجيا: “هذه تجربة طبيعية لكثير من فيروسات الجهاز التنفسي”.

 تراجع الإنفلونزا

في شهر أيار المنصرم، في نهاية الموجة الأولى من وفيات “كوفيد-19” في كثير من الدول، التي شهدت أشدّ إجراءات الإغلاق صرامة، لاحظ العاملون الصحيون توقفاً مفاجئاً ومبكراً لموسم الإنفلونزا 2019-2020 في نصف الكرة الشمالي.

ويقول الخبراء إنّ ذلك ربما كان في جزء منه ناجماً عن انخفاض عدد الأشخاص الذين يأتون إلى العيادة لإجراء الاختبارات، ولكنه يُعزى أيضا إلى فعالية سياسات مثل الابتعاد الاجتماعي. ومع انطلاق الجائحة، انخفضت الاختبارات الإيجابية لفيروس الإنفلونزا بنسبة 98% في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، في حين انخفض عدد العيّنات المقدّمة للاختبار بنسبة 61% فقط. وفي النهاية، جرى تصنيف موسم الإنفلونزا في الولايات المتحدة 2019 – 2020 من قبل مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على أنه “معتدل”، حيث يقدّر أنّ 38 مليون شخص أصيبوا بالإنفلونزا، و22,000 منهم ماتوا. وهذا أقل مما كان عليه في السنوات الأخيرة، ولكن ليس هذا غير مسبوق.


في نصف الكرة الجنوبي – الذي تجاوز الآن شتاءه – لم تضرب الأنفلونزا الموسمية على الإطلاق. ويبدو أنّ ذلك قد يحدث في الشمال أيضاً. وعلى العكس من ذلك، انتشرت في النصف الجنوبي بعض الفيروسات الشائعة ذات العلاقة بنزلات البرد


وفي حين انتهى موسم الإنفلونزا في الشمال في وقت مبكر، فإنه لم يكد يظهر في نصف الكرة الجنوبي. كانت هناك حالات قليلة بشكل مدهش من الإنفلونزا الموسمية هناك في المدة من نيسان إلى تموز 2020 – حتى مع استمرار ارتفاع حالات كوفيد-19 العالمية. وفى أستراليا وتشيلي وجنوب أفريقيا، اكتشفت 51 حالة إصابة بالإنفلونزا من بين أكثر من 83 ألف فحص. وتقول أولسن: “نحن نعلم أنّ الإنفلونزا أقل قابلية للانتقال من الفيروس التاجي، لذلك فمن المنطقي أن تنخفض الإصابات به مع الإجراءات المتبعة لمكافحة فيروس آخر”. ولكن الانخفاض كان لا يزال “أكبر مما كان متوقعاً”.

المجهولات الفيروسية

يراهن معظم الخبراء بحذر على موسم خفيف جداً للإنفلونزا فى نصف الكرة الشمالي هذا العام. وسيكون ذلك خبراً طيباً على جبهات عديدة. لكن عالم الفيروسات ريتشارد ويبي Richard Webby في مستشفى سانت جود في ممفيس، بولاية تينيسي: “إنه لا أحد يعرف حقاً، على سبيل المثال، لماذا يمكن أن تتعرّض دولة واحدة، مثل أستراليا، لضربة قوية من الأنفلونزا لعدة سنوات في حين أنّ بلداً مجاوراً، مثل نيوزيلندا، يشهد معدلات منخفضة جداً لإصابات الإنفلونزا. حتى موسمية الإنفلونزا غير مفهومة تماماً، ولا يُعرف بالضبط كيف تنتقل حول العالم، ولماذا هو مرض شتوي”.

ويمكن أن يكون للاتجاهات المتغيّرة عواقب بشأن لقاحات الإنفلونزا. فإذا ما انهار موسم الإنفلونزا هذا العام في نصف الكرة الشمالي، فقد يجعل من الصعب التنبؤ بالسلالات الصحيحة التي يمكن وضعها في لقاح الإنفلونزا لعام 2021. وفي الوقت نفسه، يقول ويبي، إنّ عدم وجود منافسة فيروسية في المضيفين البشريين (في أجسام المصابين بالفيروس) يمكن أن يفتح الباب أمام متغيرات جديدة من إنفلونزا الخنازير في المستقبل. ويوضح ويبي: “نحصل على حفنة من هذه الوفيات كلّ عام، في موسم المعارض الزراعية. وواحدة من الأشياء التي تعرقل تلك الفيروسات كثيراً هي الحصانة الطبيعية. لكن إذا كانت الإنفلونزا منخفضة لبضعة مواسم، فقد يترك ذلك فجوة لفيروسات الخنازير لكي يكون لها تأثير أكبر”.


يراهن معظم الخبراء بحذر على موسم خفيف جداً للإنفلونزا فى نصف الكرة الشمالي هذا العام. وسيكون ذلك خبراً طيباً على جبهات عديدة


ويقول روبرت وير Robert Ware، عالم الأوبئة السريرية في جامعة غريفيث في كوينزلاند، بأستراليا: “أنا متأكد من أنّ الإنفلونزا ستعود كي تنتقم في مرحلة ما في المستقبل، ولكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات”.

مقاومة الاتجاه

فيروسات الأنفلونزا ليست الوحيدة التي تتأثر بتدابير الاستجابة لجائحة الكورونا. هناك المئات من الفيروسات التي تسبّب أعراضاً تنفسية مماثلة لتلك تحصل جرّاء الإصابة بنزلات البرد، من parainfluenza إلى metapneumovirus. ويبدو أنّ معظم هذه الفيروسات، أيضاً، قد انكبحت في فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي.

وعلى وجه الخصوص، شهد الباحثون بعض الانخفاضات المفاجئة في فيروس المخلوي التنفسي (RSV)، وهو فيروس شائع يصيب عادةً الأطفال الصغار، ويمكن أن يسبّب في بعض الأحيان حالات خطيرة مثل الالتهاب الرئوي. لا يوجد لقاح لفيروس المخلوي التنفسي. ويتسببّ هذا الفيروس بحوالى 5% من وفيات الأطفال دون سنّ الخامسة في جميع أنحاء العالم. وفي غرب أستراليا، انخفض معدّل الإصابة بمرض المخلوي التنفسي بين الأطفال بنسبة 98 في المئة (والإنفلونزا بنسبة 99.4 في المئة)، خلال شتاء 2020، على الرغم من أنّ المدارس كانت مفتوحة.


يقول روبرت وير Robert Ware، عالم الأوبئة السريرية في جامعة غريفيث في كوينزلاند، بأستراليا: “أنا متأكد من أنّ الإنفلونزا ستعود كي تنتقم في مرحلة ما في المستقبل، ولكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات”


قد يكون انحسار (RSV) مؤقتًا فقط. على سبيل المثال، تُظهر البيانات من منطقة نيو ساوث ويلز الأكثر اكتظاظاُ بالسكان في أستراليا، ارتفاعاً في الإصابة بالمخلوي التنفسي في تشرين الأول. ويحذّر بعض الباحثين من أنّ تراكم عدد الأطفال المعرّضين للإصابة، غير المصابين بعد، قد يؤدّي إلى موجات أكبر من العدوى في المستقبل.

والخبر السار هو أنّ نزلات البرد قد تساعد على حماية الناس ضد كوفيد-19. فقد أظهرت دراسة أنّ الذين ظهرت عليهم أعراض البرد من البالغين خلال العام السابق من بين أكثر من 800 ألف شخص، على سبيل المثال، كانوا أقل عرضة لاختبار إيجابي بكوفيد-19 على الرغم من أنّ سبب هذا لا يزال لغزاً.

الحماية المتبادلة؟

أحد التفسيرات المحتملة هو أنّ العدوى السابقة بفيروس كورونا (وهو سبب آخر لنزلات البرد) يمكن أن تمنح بعض المناعة من كوفيد -19، على الرغم من أنه من الجدير ذكره أنّ الناس يمكن أن تحصل على نزلات البرد بالفيروس التاجي نفسه مراراً وتكراراً, وأن تصاب بفيروسات متعدّدة لنزلات البرد في الوقت نفسه. ويبدو أنّ عدوى الفيروسات التاجية السابقة (قبل ظهور الفيروس التاجي الجديد) تولّد خلايا تائية T وخلايا بائية B – وهي خلايا الجهاز المناعي التي تساعد على مهاجمة مسبّبات الأمراض وعلى تذكّرها – يمكنها التعرّف على مرض هذه الخلايا الموجودة مسبقاً، ما قد يوفّر بعض الحماية المتبادلة ضدّ الفيروس التاجي الجديد.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

المصدر Nicola Jones - Nature