“ممنوع علينا الموت”، هكذا الحياة في لبنان. فاتورة الموت مكلفة، ولا تقلّ عن فاتورة الحياة، يقع ضحيّتها المواطن اللبناني الذي لا حول ولا قوة له سوى المحاربة للعيش والادخار للموت!
فلا عجب أن نحمل همّ آخرتنا في “بلد الغرائب”، كيف لا؟ والغلاء خليلنا أينما وجدنا، فلا الحياة أنيسة اللبناني ولا الموت يريحه من عذابه.
سوق الدفن حيوي!
أزمات عدّة تعصف بلبنان، تجعل المواطن متأهباً في كل لحظة لمواجهة الضربات التي تقع على رأسه من كل حدب وصوب بدءاً بفيروس من هنا أو انفجار من هناك، أو لحم فاسد يفتك بجسده لا يجد سبيلاً لمعالجة تداعياته لأن القطاع الصحي يتلاشى شيئاً فشيئاً، ليبقى الموت المرحب الوحيد بذلك المواطن “المعتر”، الذي يلعن حياته ويشتم دولته المقصرة في الخدمات الصحيّة والاجتماعية وضمانات العيش الكريم. “الموت حقّ” وكلنا على هذا الدرب سائرون. حصيلة الأموات إلى ارتفاع مستمرّ في ظل غياب أبسط مقومات الحياة، فالموت في لبنان عادة والحياة فيه إنجازا!
إنّه لبنان يا سادة، موطن الفساد وتقاسم المصالح والسرقات التي تشعّبت في المؤسسات على اختلافها حتى طالت شركات “دفن اللبناني الفقير”، فالأسعارغير ثابتة وكلٌّ يغني “على هواه” ويلحّن. فلماذا لا تخضع هذه الشركات لرقابة الدولة منعاً للاحتكار والتجارة بـ”آخرة ” الناس؟
من النعوش والجوارير مروراً بسيارات النقل وأوراق النعي وصولاً للعمال والزهور والطعام، جميعها طقوس مفروضة تضع الفقراء في ضيق، والبلاء على من يتكفل بلوازمهم.
تكاليف عالية وعجز جماعي
تتنوع لوازم الدفن وتكاليفها من طائفة إلى أخرى، إلاّ أنّها جميعها تعاني من ارتفاع الأسعار وعجزها في إكرام الميت.
ففي لمحة على أسعار النعوش لدى الطائفة المسيحية والمذهب الدرزي، يقول أحد أصحاب شركات الدفن في الاشرفية لـ”لبنان الكبير”: “الأسعارعينها ولم تختلف، أي أنّ التابوت الأرخص يبدأ من 250 دولاراً ويزيد تباعًا بحسب نوع الخشب المستخدم والزخارف المنقوشة عليه وما إذا كان محليًّا أو مستوردا”.
والطبيعي، أن تدفع المبالغ إمّا “بالفريش” دولار أو بحسب سعر الصرف في السوق السوداء!
يستطرد “هناك لوازم أخرى ننظر إليها، فبدل إيجار النقل بالسيارة يتراوح بين 200 ألف ليرة و700 ألف ليرة وفقاً لمكان الدفن وطلب الأهل لنوع السيارة، أمّا العمال المساعدون فمئة ألف ليرة لكلّ منهم، وباقات الزهور أسعارها قد تصل إلى مليوني ليرة وأكثر بحسب الطلب”. فالعملية لا تقتصر على ما ذكر فقط! نذكرك عزيزي المواطن بفواتير شراء مكان الدفن إذا توافرت، وحجز صالونات الكنائس والكهنة ومآدب الطعام لمن تيسّر له.
وفي السياق، تفيد مصادر كنسيّة “في مدافننا لكل عائلة غرفة تتسع لأربعة أشخاص، أمّا الجوارير فتضم أكثر من جثمان، إلاّ أننا اليوم توقفناعن بيع أو تأجير الأراضي وجميعها متروكة للكنيسة”.
وعلى مقلب آخر، الحال نفسه لدى الطائفة الإسلاميّة، فتكاليف الكفن والغسيل والجنازة وحفر القبر والأرض وأجرة العاملين والسيارة “غالية نسبياً”. يشير أحد محلات دفن الموتى في المصيطبة “ثمن حفر الأرض 100 دولار و 200 دولار للرخامة والحجارة، وطبعاً لا ننسى أجرة عامل الحفر والملمين بالامر”.
لم يعد اللبناني قادراً على تحمّل نفقة شراء أرض للدفن، فما مصيره؟
أفاد مدير الشؤون الإدارية في دار الفتوى الشيخ صلاح الدين فخري أن “التكاليف اللوجستية التي تحمّل أهل الميت أعباءً هائلة ليست إلا أموراً عصرية، وفي القدم لم يكن ذلك همًّا، فالميت يدفن في أرضه من دون تكلّف”، وبشرى سارّة للجميع، يساعد صندوق الزكاة العاجزين عن سدّ تكاليف الدفن ويؤمّن لهم التجهيزات لتيسير الأمور. يكمل فخري ” في أيّامنا هذه، هناك أمور مضحكة تحصل! تتفاوت تكاليف الموت بحسب طبقة الميت وقدرته، فإمّا أن ينقل بأفخم السيارات او بأبسطها”.
أيّها اللبنانيّ…
تعيش في بلد حتى الموت أصبح فيه همًّا، فإلى متى الصمود؟ ناهيك عن الأكلاف التي تتحملها نتيجة وفاتك، فما من مكان أو أرض لدفنك. إنه لبناننا، من يحضّر لآخرتنا وويلنا من أن لا يكون لجسدنا مكان!