أزمات متلاحقة تشد الخناق على رقاب اللبنانيين الذين تحولوا إلى ضحايا سوء إدارة دولتهم التي تنغّص عليهم حياتهم في الأكل والشرب والدواء والمواد الغذائية والكهرباء وفي أبسط مقومات العيش، وصولاً إلى إيجارات الشقق التي لم يعد باستطاعة أغلب المواطنين دفعها حتى ولو كانت زهيدة، لأن الأزمة أكبر وأقوى من قدرتهم على التحمل والاستمرار.
وفي حين تعلو صرخات الفقراء الذين باتوا عاجزين عن تأمين غذائهم اليومي، ودفع إيجارات منازلهم، يعتبر مؤجرو الشقق أنهم مظلومون بسقف الإيجارات الذي حددته الدولة والذي أصبح زهيداً في ظل ارتفاع غلاء المعيشة.
دفع زيادة وإلا الشارع
“الدولار يلاحق اللبناني أينما ذهب، حتّى من غرفة تؤويه لم يسلم”، تقول منال بدر لــ “لبنان الكبير”، والتي تعاني من صعوبة إيجاد شقة مناسبة للإيجار “أقطن حالياً في شقة إيجارها 500 ألف ليرة شهرياً، ولكن صاحبة البيت تريد مني تركه وأعطتني مهلة للبحث عن منزل آخر بحجّة أنها تريده لابنها الذي سيتزوج قريباً، وتبين لي لاحقا أنها تريد رفع ثمن الإيجار لا أكثر ولا أقل، وها أنا أبحث عن بيت والكل يريدني أن أدفع بالدولار، ويا للأسف حتى الآن لم أجد ما يناسب مدخولي، ما اضطرني إلى مسايرة صاحبة البيت ودفع زيادة في الإيجار قبل أن ترميني في الشارع”.
تسعيرة الإيجار بالدولار
ومن جهة أخرى تعيش ليال قبطان مع شريكة سكن حيث يتقاسمان إيجار الشقة كل آخر الشهر، ولكن تعاني ليال من مشكلة محتمة “الإيجار يزيد كل شهر بشكل لا يُحتمل، فبعدما كان مليون و500 ألف ليرة أصبح ثلاثة ملايين، والمصيبة الأكبر أنني سأتحمل هذه التكاليف وحدي إلى جانب 400 ألف ليرة اشتراك كهرباء ومياه بسبب رغبة شريكتي بالمغادرة، لذا أقوم بالبحث عن بيت آخر والكل يطلب الدفع بالدولار، ما يجعلني أبلع الموس وأسكت وأدفع لصاحب الشقة ما يطلبه”.
رزق الله: لا بد من حل فوري
“أصبحنا أشبه بالجمعيات الخيرية”، يقول رئيس نقابة مالكي الأبنية المؤجرة باتريك رزق الله. ويضيف: “كنا نشعر بالظلم بإيجارات شققنا قبل ارتفاع سعر الدولار، فكيف الحال اليوم بعدما قفز الدولار إلى عتبة الـــ 24 ألفاً، أصبحت الإيجارات التي تم تعديلها مؤخراً بما يؤمن لنا حداً أدنى من الحياة اللائقة، فاليوم وكأنّنا عدنا إلى مرحلة الإيجارات القديمة، لذلك نطلق صرخة علّها تصل إلى مسامع الدولة لإيجاد حل فوري وسريع، بالإضافة إلى أننّا نناشد الدّولة بتحرير الإيجارات غير السكنية القديمة بسبب تفاقم الخسائر من جرّائها كالمكاتب والمحلات التي يدفع مستأجروها 50 ألف ليرة في الشهر والتي أصبحت لا قيمة لها”.
40 سنة يتكبّد المالكون خسائر بفعل الإيجارات القديمة، ويعبّر أن “هذا لا يجوز بحقنا، وذلك نتيجة حملة من لجان المستأجرين التي لا تزال مستمرة ضدنا، ما يؤثّر سلباً على خدمة الإيجار اليوم، وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع المالكين عن التأجير، لذا نحن نسعى دائماً للتفاوض مع المستأجرين لإيجاد حلول ترضي الطرفين”.
ويتابع: “هناك مالكون في النقابة تزيد أعمارهم عن الــ 70 سنة لا يعملون وليس لديهم أي وظيفة ويتّكلون على شققهم التي يؤجرونها لتأمين أبسط مقومات حياتهم والتي باتت لا تساوي شيئا اليوم”.
يوضح: “لا يجوز قياس بدلات الإيجار بالحد الأدنى للأجور، ولا يجوز اعتبار المالكين بأنّهم الدولة، نحن لسنا الدولة، نحن نؤجر البيوت لنعيش من مدخولها، فكيف لنا أن نعيش من خلال تأجير شققنا على الإيجار القديم في ظل ارتفاع الاسعار 1000%؟” ويضيف “المالكون اليوم خسروا 95% من قيمة بدلات الإيجار، من يتحمل هذه المسؤولية؟”
كما يتساءل عن السبب الذي يجعل الدولة حتى الآن تمتنع عن تحرير الإيجارات القديمة التي يعود تاريخها إلى سنة 2000 و2005.
ويكشف أن “الدولة تحدد لنا سقفا للإيجارات التي أصبح لا قيمة لها الآن في الوقت الذي لم تعمل على زيادة الحد الأدنى للأجور”.
وأعرب رزق الله عن غضبه بالقول: “لا أنصح أحد بالبناء للإيجار، إنها أسوأ مهنة في العالم، ففي الوقت الذي نقوم فيه بخدمة الناس من خلال إيجار شقق، يشتموننا وينعتوننا بحيتان المال”.
ويختم مطالباً مجلس القضاء الأعلى “بتفعيل عمل اللجان القضائية بقانون الإيجارات للأماكن السكنية والذي صدر بتاريخ 26/6/2014 والنافذ منذ 20/12/2014”.