من الصعب التحدث بصراحة عن الساعة البيولوجية الذكرية في مجتمع يُنظر فيه إلى النساء على أنهن يمررن بأوقات عصيبة أكثر.كونور موظف (38 عامًا) مقيم في لندن، استيقظ ذات يوم في منتصف الليل للذهاب إلى الحمام، وعند عودته إلى الفراش لم يستطع النوم لأنه كان يفكر في أنه قد لا يكون قادرا على إنجاب الأطفال.
يقول “بدأت التفكير بشراء منزل، والمدة التي سأستغرقها للادخار لأتزوج. كنت أجري عمليات حسابية في ذهني، متى سأستطيع تحمل تكاليف الزواج وإنجاب الأطفال؟ ربما في الأربعينيات من عمري. ثم بدأت أفزع حول جودة حيواناتي المنوية بحلول ذلك الوقت. ماذا لو كان لدى الطفل إعاقة؟ وماذا لو لم تنجح علاقتي بشريكتي؟ سأكون في أسوأ سيناريو في غضون أعوام قليلة”.الساعة البيولوجيةالقلق بشأن القدرة على الإنجاب مع التقدم في العمر لم يعد حكرًا على النساء فقط، فقد بدأ الرجال الآن يتحدثون عن مخاوفهم العميقة. وقد تطرقت الكاتبة سيرين كايل في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” (theguardian) البريطانية، إلى قصة كونور مع مخاوف عدم القدرة على الإنجاب.
وذكرت الكاتبة أن مصطلح “الساعة البيولوجية” عادة ما يربط بالنساء، ولكن بفضل الانتشار الأوسع للخدمات التي تعكس القلق الصحي لدى الرجال، أصبحت الساعة البيولوجية للذكور أكثر أهمية من أي وقت مضى.واستجاب عدد من شركات التكنولوجيا الناشئة في مجال تجميد الحيوانات المنوية، التي يدعمها أصحاب رؤوس الأموال، للقلق المتزايد لدى الرجال بشأن ساعتهم البيولوجية. ففي الولايات المتحدة، تقدم شركتا “ليغاسي” (Legacy) و”دادي” (Dadi) مجموعات جمع الحيوانات المنوية في المنزل التي يمكن للمستخدمين إرجاعها للتحليل والتخزين، بينما توفر شركة “يوسبيرم” (YoSperm) اختبارًا في المنزل لتحليل جودة الحيوانات المنوية وقدرتها على الحركة.لا غرابة في قلق الرجال بشأن قدرتهم على الإنجاب، فعلى مدى الأعوام القليلة الماضية انتشرت سلسلة من القصص حول انخفاض عدد الحيوانات المنوية، التي غالبا ما ترتبط بأمور مثل ركوب الدراجات أو ارتداء الجينز الضيق، مع ظهور تقارير تفيد بأن متوسط عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال الغربيين تراجع إلى أكثر من النصف على مدار الأعوام الـ40 الماضية، مما ساهمت بإثارة مخاوف بشأن خصوبة الذكور.قبل 3 أعوام، زار كونور طبيبته العامة لمناقشة مسألة تجميد الحيوانات المنوية وقالت “إنني لست بحاجة للتفكير في الأمر حينها، ولكن إذا كنت في الموقف نفسه في سن 45 سأفعل ذلك. كما هو الحال، أعتقد أنه حل سأنظر إليه بجدية إذا لم يكن لدي أطفال في سن الـ40”.انتشار تقارير حول انخفاض عدد الحيوانات المنوية مع تقدم الرجال بالعمر أثار قلقهم (بيكلسز)وأشارت الكاتبة إلى أن روزانا، زوجة كونور، أجهضت قبل الفحص الذي يُجرى في الأسبوع 12 من الحمل. ويقول كونور “حطمني ذلك بطريقة لم أكن أتوقعها. أنا حزين حقًا. لقد كشفت لي التجربة كم كنت أرغب بأن يكون لي أطفال”. منذ الإجهاض، لم يستطع كونور التوقف عن القلق بشأن احتمال ألا يرزق بأطفال أبدا.لقد اتفق هو وروزانا على أنه من الأفضل الانتظار حتى يحققا الاستقرار المالي، وحتى تكون هي مستعدة عاطفيًا للإنجاب قبل المحاولة مرة أخرى. لكن لعبة الانتظار تنطوي على مخاطر خاصة “أخشى أن أؤجل مسألة الإنجاب إلى وقت متأخر جدا أكون فيه غير قادر على إنجاب الأطفال على الإطلاق، أو يحدث خطب مع الطفل، حينها سألوم نفسي على ذلك”.خصوبة الذكور مع تقدم العمرلمخاوف كونور ما يبررها ذلك أن الأطفال المولودين لرجال يفوقون 45 عاما يكونون أكثر عرضة لخطر الولادة المبكرة والنوبات ونقص الوزن عند الولادة ودخول العناية المركزة. تشير بيانات أخرى إلى زيادة خطر الإصابة بالتوحد لدى الأطفال المولودين لآباء أكبر سنا، مع أن الأدلة ليست قاطعة.وتنخفض خصوبة الذكور أيضًا مع تقدم العمر، فرغم أن الرجال لا يعانون من انقطاع الطمث مثل النساء، فإن الباحثين يحددون الفئة العمرية بين 35 و40 عاما بأنها الفترة التي يتدهور فيها عادة عدد الحيوانات المنوية.وتقول الدكتورة لورا دودج، الأستاذة المساعدة لبيولوجيا الإنجاب في مركز طبي في بوسطن، إنه بمجرد أن يبدأ عدد الحيوانات المنوية في الانخفاض “سيكون الانخفاض مستمرا”. في عام 2017، قادت أول دراسة في العالم حول الساعة البيولوجية الذكرية، وقالت مازحة “إنها النقطة الوحيدة في الصحة التي تهم الرجال، لهذا السبب بدأت البحث في الأمر. بصفتك امرأة في سن الإنجاب، غالبا ما تسمعين أن العقم هو مشكلة المرأة. لكنني كنت أشعر بالفضول: ما مقدار مساهمة الرجال في هذا الأمر؟”.درست دودج وزملاؤها سجلات 19 ألفًا من الأزواج الذين خضعوا لعمليات التلقيح الصناعي، ووجدوا أن 75% من الحالات التي يكون فيها عمر الزوج أقل من 35 عامًا تنجح فيها عملية التخصيب بعد 6 محاولات. وانخفضت النسبة إلى 60% عندما كان الرجل يبلغ من العمر 45 عاما أو أكثر. وقد يكون هذا بسبب انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون، وتلف الحمض النووي الذي يحدث مع تقدم العمر.وتنصح دودج الرجال الذين يريدون أن يكونوا آباء ألا يشعروا بالاطمئنان كثيرًا، ذلك أن انخفاض الخصوبة مع التقدم في العمر أمر “يجب أن يكون الرجال على دراية به أيضًا تماما مثل النساء”.العمر الأمثل للإنجابوفقا للكلية الملكية لأطباء النساء والتوليد، فإن العمر الأمثل للإنجاب بالنسبة للنساء من 20-35 عاما، علما بأن إنجاب الأطفال بعد سن الـ35 يزيد خطر الإجهاض والتشوهات الخلقية والمضاعفات الأخرى المتعلقة بالولادة لدى النساء. ولكن لا ينطبق الأمر نفسه بالضبط على الرجال، ذلك أنه حتى مع انخفاض جودة الحيوانات المنوية مع التقدم في العمر، يظل الرجل قادرا على إنجاب الأطفال في سن الشيخوخة.وقدرة الرجال بيولوجيا على إنجاب الأطفال في وقت لاحق من الحياة لا تعني أنهم محصنون من الضغوط الاجتماعية الأوسع حول الأبوة والشيخوخة. يكافح العديد من الرجال مع فكرة أنهم قد لا يصبحون آباء أبدا ببلوغهم أواخر الثلاثينيات والأربعينيات من العمر، سواء كان ذلك بسبب القيود المالية أو العمل أو بسبب مشاكل الخصوبة المتعلقة بهم أو بشريكاتهم، أو لأنهم لم يعثروا على الشخص المناسب بعد.تحول ثقافيفي حين أن إنجاب الأطفال بالنسبة للأجيال السابقة من الرجال لم يكن أمرًا يستحق التفكير فيه كثيرًا، شهدت الأعوام الأخيرة تحولا ثقافيا أوسع نحو نموذج الأبوة العملي الأكثر نشاطًا. يقول الدكتور كيفين شيفر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بريغهام يونغ في يوتا والخبير في التنشئة الأبوية والأبوة “من المرجح أن يرغب الرجال بإنجاب الأطفال أكثر من الماضي. إنهم يرون قيمة عاطفية أكبر بإنجاب الأطفال، ويتوافقون بقوة أكبر مع الدور الأبوي”.وعادة الرغبة بإنجاب الأطفال تكون مدفوعة بالديناميات الاجتماعية المتغيرة. يقول شيفر “حتى وقت قريب، كان دور الأب يقتصر على إعالة الأسرة وتأديب الأطفال أكثر من الانخراط العاطفي أو تقديم الرعاية… أصبح الرجال أكثر انخراطا بهذه الأدوار، وبالتالي يزداد ارتباطهم بالرغبة في أن يصبحوا آباء”.لكن مع هذه النزعة نحو الأبوة الواعية يأتي الشك. يقول جوناثان كيرك (38 عاما) ويعمل بمجال الرعاية الصحية ويعيش في مانشستر “لدي صراع داخلي”. فهو وزوجته لهما آراء متناقضة بشأن إنجاب الأطفال، يقول “الوقت ينفد ولست متأكدا حقا. ولا أرغب بإنجاب الأطفال إلا إذا كنت متأكدا بنسبة 100% أنني أريد ذلك”.كيرك غير متأكد من رغبته في أن يصبح أبا في سن متقدم، رغم أنه قلق بشأن الندم على هذا القرار يوما ما “أعلم أنه كلما تقدمت بالعمر، زادت صعوبة تربية الأطفال والعمل بدوام كامل. ومن المرجح أن تعاني من مشاكل صحية ومن الصعب التعامل مع ليالي الأرق. هل يمكنك فعل ذلك جنبا إلى جنب مع الرغبة بالحصول على تقاعد طويل وسعيد؟”.عمليات حسابية مرهقةوختمت الكاتبة بالقول إن الرجال الذين تحدثت معهم يجرون عمليات حسابية ذهنية يومية مرهقة ومستمرة. إنهم ينظرون إلى علاقاتهم الحالية ويحاولون تقييم ما إذا كانت ستدوم طويلا. كما أنهم قلقون بشأن التزاماتهم المالية وما إذا كان بإمكانهم تحمل نفقات إنجاب الأطفال.إنهم قلقون أكثر كلما أعلن صديق أو فرد من العائلة أنه رُزق بمولود جديد. هم دائمًا يجرون حسابات، ولكن عادة ما تتم في صمت، إذ من الصعب التحدث بصراحة عن الساعة البيولوجية الذكرية في مجتمع يُنظر فيه إلى النساء على أنهن يمررن بأوقات عصيبة أكثر.