كتب د.حسن محمد صندقجي في الشرق الاوسط:
عندما يُلاحظ أحد منا أن ضغط الدم لديه أعلى في الليل مقارنةً بفترات النهار، ماذا يعني هذا للمريض؟ وهل هو طبيعي أم عليه أن يقلق؟ وفي جانب آخر، ماذا يعني ذلك للطبيب في متابعته لمريض ارتفاع ضغط الدم أو مريض السكري أو المُصاب بأمراض شرايين القلب؟ وهل تجب عليه معرفة سبب ذلك الارتفاع الليلي لضغط الدم، أم يكفي أن يُغير أوقات تناول أدوية علاج ارتفاع ضغط الدم؟- ضغط الدم الليليارتفاع ضغط الدم في الليل يُلاحَظ اليوم بشكل أكبر نتيجة زيادة اهتمام المرضى بقياس ضغط الدم لديهم في المنزل، وهو سلوك صحي جداً ويعتمد الأطباء عليه بشكل أكبر من قياس ضغط الدم في العيادة. وإزاء حصوله، يشعر بعض الأفراد بالحيرة أكثر لأن هذا الارتفاع يحدث لديهم في وقت الاسترخاء بعد ساعات العمل بالنهار، وخلال قضاء الوقت بالمنزل والجلوس لمشاهدة أحد الأفلام الممتعة.لكن هذا يظل مصدر قلق طبي، لأنه لا يُعرف سبب حدوث ذلك عند بعض المرضى. وثمة أدلة علمية على احتمال ارتباط ذلك بعدد من المخاطر الصحية المستقبلية. كما أن العمل على ضبط ذلك الارتفاع الليلي لا يتطلب فقط تعديلاً في أوقات تناول أدوية ارتفاع ضغط الدم خلال اليوم، بل محاولة معرفة السبب، وإجراء عدد من السلوكيات العلاجية الأخرى.وضمن الفعاليات العلمية الافتراضية في مؤتمر ارتفاع ضغط الدم 2021 لجمعية القلب الأميركية، أظهرت دراسة تم عرضها في 28 أيلول الماضي، أن البالغين المصابين بمرض السكري الذين لا ينخفض ضغط الدم لديهم في الليل، أو الذين يرتفع ضغط الدم لديهم في أثناء الليل، هم أكثر عُرضة للوفاة من أقرانهم الذين لديهم أنماط ضغط دم ليلي عادية.- مخاطر قلبيةووفق نتائج دراسة يابانية، نُشرت فيتشرين الثاني 2020 بمجلة “الدورة الدموية” Circulation، لسان حال رابطة القلب الأميركية، فإنه عندما يرتفع ضغط الدم الانقباضي (الرقم الأعلى) بمقدار 20 ملم زئبق أو أكثر في أثناء الليل، يرتفع خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية بنسبة 18% ويزداد خطر الإصابة بقصور ضعف القلب بنسبة 25%. وإذا كان لدى الأشخاص قراءات أعلى لضغط الدم باستمرار في الليل، ولكن لديهم قراءات طبيعية في أثناء النهار، فإن خطر الإصابة بفشل القلب يتضاعف.وفي المقابل، بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من انخفاض في ضغط الدم بنسبة تزيد على 20% (أي انخفاض أشد من المتوقع طبيعياً) في فترة الليل مقارنةً بالنهار، فإن خطر الإصابة بالسكتة الدماغية يزيد على الضعف. وكانت الدراسة واسعة إذ شملت أكثر من 6 آلاف شخص، 70% منهم مرضى ارتفاع ضغط الدم، وتابعتهم نحو 4 سنوات.وآنذاك، علّق الدكتور كازومي كاريو، رئيس قسم طب القلب في جامعة “جيتشي” في اليابان والباحث الرئيسي في الدراسة، بالقول: “يتم التعرف بشكل متزايد على ضغط الدم في أثناء الليل كمؤشر على مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموي”». وفي عرضها الإخباري للدراسة، علقت رابطة القلب الأميركية بالقول: “نمط ارتفاع ضغط الدم في الليل أعلى من مستويات النهار، يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وفشل القلب. يجب أن تكون إدارة ضغط الدم في أثناء النوم (ارتفاع ضغط الدم الليلي) أحد الاعتبارات الرئيسية للمساعدة في تحسين نتائج المرضى”.والحقيقة أن ضغط الدم له “ترند” (اتجاه) يومي من النمط الطبيعي، وهو أن ينخفض ليلاً، ويبدأ في الزيادة قبل الاستيقاظ في الصباح. وهذا الروتين الطبيعي -أي أن يكون ضغط الدم أقل في الليل- يتم وصفه بترجمة العبارة الطبية «انخفاض ليلي» Nocturnal Dipping. والأفراد الذين يُعانون من عدم انخفاض ضغط الدم لديهم ليلاً، يتم وصفهم طبياً بأنهم غير منخفضي الضغط الليلي Nocturnal Nondippers.ولكي تكون الأمور واضحة بلغة الأرقام، فإنه عند مقارنة ضغط الدم فيما بين الليل والنهار، فإن الطبيعي حصول انخفاض مقدار ضغط الدم في الليل بنسبة 10 إلى 20%، مقارنةً بمقداره في النهار. ويكون حصول ذلك الانخفاض في كل من الضغط الانقباضي (الرقم الأعلى) والضغط الانبساطي (الرقم الأدنى). وعندما ينخفض ضغط الدم فقط بنسبة أقل من 10% ليلاً، يعد هذا غير طبيعي.ويوضح البروفسور شيلدون شيبس، أستاذ الطب الباطني والرئيس السابق لقسم أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم في “مايو كلينك”، قائلاً: “يتميز ضغط الدم بنمط يومي. عادةً ما يبدأ ضغط الدم في الارتفاع قبل الاستيقاظ من النوم. ثم يستمر في الزيادة في أثناء ساعات النهار، حتى يصل إلى أقصى ارتفاع له في منتصف اليوم. وبعدها يبدأ ضغط الدم في الانخفاض التدريجي في فترة آخر النهار وفي المساء. ثم يواصل ضغط الدم الانخفاض بصورة طبيعية ليلاً في أثناء النوم. وقد ثبت ارتباط ارتفاع ضغط الدم في أثناء الليل، عنه في الصباح الباكر، بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب”.- أسباب الحالةوحول الأسباب، أشار البروفسور شيبس إلى أن عدم نجاح معالجة مريض ارتفاع ضغط الدم من أهم أسباب ارتفاع ضغط الدم بالليل لديه. وذلك إما نتيجة لـ:- عدم تناول أدوية ضغط الدم وفقاً لإرشادات الطبيب.- أو عدم كفاية جرعة العلاج.- أو عدم توزيع أوقات تناول تلك الأدوية بشكل ملائم في أوقات الليل والنهار.- كما أن وجود مرض انقطاع التنفس في أثناء النوم، وضعف الكلى، ومرض السكري، وكسل الغدة الدرقية، واضطرابات الجهاز العصبي، والمكونات غير الصحية للتغذية اليومية، وقلة ممارسة الرياضة البدنية، والسمنة، والتدخين الليلي، ونوبات العمل الليلي، هي كلها عوامل أخرى محتملة لهذه المشكلة في ارتفاع ضغط الدم الليلي.- مقاربات علاجية للتعامل مع ارتفاع ضغط الدم الليلييُشير الدكتور كازومي في مراجعته العلمية بعنوان “ارتفاع ضغط الدم الليلي”، بقوله: “الاتجاه الحالي في إدارة ارتفاع ضغط الدم هو نحو التحكم في ضغط الدم في وقت مبكر، وخفضه طوال الـ24 ساعة، بما في ذلك الفترات الليلية والصباحية. وتعد إدارة معالجة ضغط الدم الليلي مهمة بشكل خاص للوقاية من أحداث القلب والأوعية الدموية، خصوصاً قصور القلب، فضلاً عن أضرار الأعضاء المرتبطة بالعمر، مثل مرض الكلى المزمن والخلل الإدراكي الذهني”.ويُضيف أن ضبط ارتفاع ضغط الدم بشكل مثالي يشمل ثلاثة جوانب:- خفض ضغط الدم ضمن المعدلات المُستهدفة علاجياً طوال الـ24 ساعة.- الحفاظ على إيقاع الساعة البيولوجية الطبيعي Circadian Rhythm في مقدار ضغط الدم (أي الانخفاض الليلي مقارنةً بالنهار).- منع حصول أي تقلبات مُبالغ فيها في ضغط الدم بالنهار أو الليل.وتُعرّف الأوساط الطبية ارتفاع ضغط الدم الليلي Nocturnal Hypertension بأنه ما كان أعلى من 120-70 ملم زئبق، وارتفاع ضغط الدم بالنهار (في العيادة وفي المنزل بالصباح) ما كان أعلى من 130-80 ملم زئبق، باعتبار أن هذه الأرقام هي المطلوب الوصول إليها في ضبط ضغط الدم.والمقصود ليس قراءة قياس واحد لضغط الدم بالليل، بل هو باستخدام جهاز قياس ضغط الدم المحمول 24 ساعة ABPM، الذي يقيس ضغط الدم عدة مرات طوال ساعات الليل والنهار. وعند إجراء قياسات الليل 6 مرات على أقل تقدير، وحساب المتوسط، فإن الأمور تتضح حول حالة ضغط الدم الليلي.ولضبط ضغط الدم على مدار 24 ساعة، فإن الخطوة الأولى هي ضبط ضغط الدم خلال الصباح وبقية النهار. وللوصول إلى ذلك يتم العمل أولاً على تحقيق خفض ضغط الدم في القياس المنزلي الصباحي إلى أقل من 145 ملم زئبق، لتقليل المخاطر قصيرة المدى نسبياً. ثم تحقيق خفض ضغط الدم إلى أقل من 135-85 ملم زئبق. وبعدها تحقيق الهدف المثالي من ضغط الدم الانقباضي في الصباح وبقية النهار إلى أقل من 125 ملم زئبق.وبالنسبة لارتفاع ضغط الدم بالليل، تشمل المقاربة الطبية العلاجية توجهين اثنين:- الأول: جوانب يهتم بها المريض نفسه، وتتضمن تعديل سلوكيات نمط الحياة الصحية، وبالذات الاسترخاء الذهني، وعدم جعل وقت المساء لاسترجاع هموم النهار والانهماك في استخدام الهاتف الجوال، وضمان الخلود إلى النوم، ونوم قسط كافٍ من ساعات الليل، حتى لو تطلب ذلك تناول الأدوية للمُصابين بالأرق وفق التعريف الطبي، كما يُشير إلى ذلك الدكتور كازومي بقوله: «قد تكون الأدوية المنومة، مثل الميلاتونين، ومضادات مستقبلات الميلاتونين، ومناهضات مستقبلات الأوركسين، مفضلة للمرضى الذين يعانون من اضطرابات النوم». وكذلك الاهتمام بالتغذية الليلية الصحية في وقت تناول وجبة العشاء، ومحتوى تلك الوجبة من الأطعمة الصحية الخفيفة وقليلة المحتوى بالدهون والملح. إضافةً إلى خفض الوزن، وممارسة الرياضة اليومية خلال النهار، والامتناع عن التدخين، وتخفيف تناول المشروبات الغنية بالكافيين، وضبط معالجة انقطاع التنفس خلال النوم وعلاج مرض السكري وغيرها من الحالات المؤثرة على مقدار ضغط الدم بالليل.- الآخر: جوانب تتضمن عدة تغيرات في أدوية معالجة ارتفاع ضغط الدم، من نواحي: نوعية تلك الأدوية، ومقدار الجرعة من كل منها، ووقت تناولها، أي في المساء والصباح. وهو الجانب الذي يهتم به الطبيب المُعالج.