في بلد تتفاقم فيه الأزمات، وترتفع تدريجاً أسعار المواد المستوردة، وجدت ناديا.م نفسها مُجبرة على التخلي عن تناول اللحوم بصورة يومية كما اعتادت وعائلتها، بعدما أصبحت أسعارها خيالية، والتركيز أكثر على الحبوب والخضار.
وقالت ناديا (٥٠ عاماً) لموقع “لبنان الكبير”: “كنت أشتري اللحوم على أنواعها بصورة يومية تقريباً، فعائلتي تفضل أكلها على الخضار، ولكن الوضع الاقتصادي أجبرنا على كسر هذه العادة، ومنذ العام ٢٠٢٠ بدأنا نعتاد أن نأكلها مرة في الأسبوع، واليوم وصلنا إلى مرة في الشهر بحسب الامكانات، وهذا الأمر خلق لدينا مشكلات صحية من نقص في الحديد وفقر دم حاد وغيرها، فبطبيعة الحال البرغل والعدس لا يمكن أن يعوضا عن اللحوم وفوائدها”.
معظم الأكلات اللبنانية التقليدية تدخل فيها اللحوم كالكبة، الكفتة، الفتّة، وغيرها، ولكن مع ارتفاع أسعارها أضعاف ما كانت عليه بات اللبنانيون اليوم يحاولون قدر الامكان إستعمال الحبوب على أنواعها كسلاح فتاك في وجه الجوع والفقر اللذين يعانون منهما للصمود أمام هذه الأزمة.
وتصدّر لبنان العام الماضي قائمة الدول العربية وفق مؤشر أغلى اللحوم، بحيث بلغ متوسّط سعر الكيلو ٣٧,٧١ دولاراً، حسب إحصاءات Nymboo، التي أظهرت فرقاً كبيراً بين لبنان وباقي الدول العربية، إذ أنّ ثاني دولة في القائمة هي السعودية حيث يصل سعر الكيلو فيها الى ١٢,٣٨دولاراً.
“جميع الأقاويل والاحصاءات عن تراجع نسبة المُقبلين على شراء اللحوم صحيحة، فالأزمة المعيشية انعكست بصورة مخيفة على الناس وصاحب الملحمة حتى وصلنا اليوم الى أن ٢٠٪ من زبائننا فقط لا يزالون يشترون اللحم بين فترة وأخرى، والنسبة الأكبر أتوقع أن تكون نسيت شكله وطعمه”، بحسب عبد الله، صاحب ملحمة الريان في البقاع الغربي، وقال: “ما وصل اليه الناس صعب جداً، نجلس في الملحمة من الصبح إلى المساء ومبيعنا لا يكفي فاتورة الكهرباء آخر الشهر، بكل صراحة في حال ظل الوضع على هذا المنوال يمكن أن تغلق عدة ملاحم أبوابها لعدم قدرتها على الاستمرار”.
وبالنسبة الى الأسعار، قال عبد الله في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “طالما لا يوجد سقف للدولار، فهذا يعني أنه ليست هناك طريقة لضبط الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم، بحيث أصبح اليوم سعر كيلو لحم العجل ٥٨٠ ألفاً، لحم الغنم ٦٠٠ ألف، سفاين الدجاج ٢٢٠ ألفاً، الفخاد والجوانح ٩٠ ألفاً، وهي أرقام خيالية لا يمكن استيعابها، وأعان الله المواطنين في لبنان على هذا الوضع الذي لم يحمل بشائر منذ العام ٢٠١٩”.
هل من خطورة في عدم تناول اللحوم؟ أكدت إخصائية التغذية نبيلة الميس أنّ “الخطورة تبدأ بنقص الحديد الذي يؤدي إلى فقر دم حاد، وتتأثر بذلك النساء أكثر من الرجال، ويؤدي أيضاً عدم تناول اللحوم إلى تعب وخمول في الجسم، ورجفة غير طبيعية، إضافة إلى نقص في الزنك الموجود في اللحوم الحمراء وأهميته مثل الحديد وأكثر، وفيتامين الـB12 الذي يعتبر مهماً جداً للشعر والبشرة، ويجعل الشخص يخسر العضل في جسمه”.
وأوضحت أنه “يمكن استبدال تناول اللحوم بالنسبة الى البروتينات اذا اضطر الأمر، بالبيض، والبقوليات من الحمص والعدس والفاصوليا، واللبنة، والجبنة، ولكن الزنك والحديد موجودان في اللحوم وفي أصعب الأحوال يجب تناولها مرة كل عشرة أيام”.
في ظل الارتفاع القياسي في معدلات الفقر، وتدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، يخيّم شبح الجوع والقِلة على يوميات اللبنانيين المتروكين لمصير مجهول تتحكم في مفاصله قوى داخلية وخارجية، فهل من مُنقذ؟