فيروس الروتا هو السبب الرئيسي للإسهال الشديد والجفاف عند الأطفال الصغار خصيصاً. يُعرف هذا الفيروس بتسببه في حالات إسهال مائي حاد يصاحبه غالباً تقيؤ وحمى وآلام في البطن.
يُعدّ فيروس الروتا شديد العدوى وينتقل بشكل أساسي عن طريق الأيدي الملوثة أو الأسطح والأشياء الملوثة، يمكن أن يبقى الفيروس حياً على الأسطح الصلبة لعدة أيام، مما يزيد من احتمالية انتشاره.
تبدأ أعراض الإصابة بفيروس الروتا عادةً بعد يومين من التعرض للفيروس. وتشمل الإسهال المائي الشديد وقد يستمر من 3 إلى 8 أيام، التقيؤ غالباً ما يكون مصاحباً للإسهال، الحمى قد تكون مرتفعة في بعض الحالات وآلام في البطن.
أخطر مضاعفات فيروس الروتا هي الجفاف الشديد الناتج عن فقدان السوائل والأملاح الأساسية بسبب الإسهال والتقيؤ المتكرر. يمكن أن يؤدي الجفاف إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح إلى صدمة وحتى الوفاة، خاصة عند الرضع والأطفال الصغار.
في ثمانينيات القرن العشرين، تم التعرف على فيروس الروتا كسبب رئيسي لوفيات الأطفال.
أدركت منظمة الصحة العالمية والمنظمات الصحية الأخرى الحاجة الماسة إلى لقاح فعال. بعد سنوات من البحث،
تم تطوير لقاحات فعالة وآمنة، وقد أظهرت التجارب السريرية أن اللقاحات تقلل بشكل كبير من حالات الإسهال الشديدة المرتبطة بفيروس الروتا وتمنع الحاجة لدخول المستشفى.
وفي عام 2009، أوصت منظمة الصحة العالمية بضرورة إدراج لقاح الروتا في جميع برامج التحصين الوطنية للأطفال. استندت التوصية إلى الأدلة القوية على فعالية اللقاح وسلامته في مختلف أنحاء العالم.
بناءً على توصية منظمة الصحة العالمية، بدأت العديد من البلدان في إدخال اللقاح كجزء من اللقاحات الأساسية التي تُعطى للأطفال الرضع.
يتم إعطاء اللقاح، الذي يأتي على شكل سائل يؤخذ عن طريق الفم، عادةً على جرعتين أو ثلاث جرعات خلال الأشهر القليلة الأولى من عمر الطفل.
وقبل إدخال لقاح الروتا، كان الفيروس مسؤولًا عن مئات الآلاف من الوفيات سنوياً في جميع أنحاء العالم،
معظمها في البلدان النامية. تُعدّ قصة إدراج لقاح الروتا في برامج التطعيم الروتينية مثالاً ناجحاً على كيفية استخدام العلم والطب للوقاية من الأمراض وتقليل الوفيات بشكل كبير.
الوضع الحالي وتحديات الرصد في لبنان
في لبنان، هناك زيادة في حالات الإصابة بفيروس الروتا، خاصة بين الأطفال. ومع أن انتشار الفيروس أمر موسمي ومتوقع، إلا أن الظروف الصحية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان تزيد من وطأة هذه الحالات وتجعلها تحدياً أكبر.
تتزايد حالات الإسهال الشديد والتقيؤ لدى الأطفال في العيادات والمستشفيات، وهي الأعراض الرئيسية لفيروس الروتا.
يؤكد الأطباء أن هذه الحالات ضمن “المعدلات الموسمية”، إلا أن تدهور الوضع الصحي العام في البلاد، ونقص الخدمات، وتدهور معايير النظافة، قد تساهم في انتشار الفيروس بشكل أسرع.
يواجه لبنان تحدياً كبيراً في رصد وتتبع حالات فيروس الروتا بشكل دقيق.
فمنذ عام 2018، لا تتوفر إحصاءات وطنية شاملة حول انتشار الفيروس،
مما يعيق جهود المكافحة والوقاية الفعالة، وهذا النقص في البيانات يجعل من الصعب تحديد حجم المشكلة بدقة واتخاذ القرارات اللازمة على المستوى الوطني.
بالإضافة إلى العوامل الموسمية، يرى بعض الخبراء أن الظروف الراهنة قد تكون قد ساهمت في زيادة الحالات. من هذه العوامل:
· أزمة المياه: شح المياه وتلوث بعض مصادرها قد يؤدي إلى انتقال الفيروس عبر المياه الملوثة.
· نقص الخدمات الصحية: صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية المتقدمة، خاصة في المناطق المهمشة، قد تزيد من احتمالية حدوث مضاعفات خطيرة نتيجة الجفاف.
· سوء النظافة العامة: عدم الالتزام بمعايير النظافة الأساسية، مثل غسل اليدين بانتظام، يساهم في سرعة انتشار الفيروس في الحضانات والمدارس.
المعلومات الخاطئة: انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الفيروس وفعالية اللقاح، مما قد يضلل الأهالي عن اتخاذ الإجراءات الوقائية الصحيحة.
الوقاية والعلاج
على الرغم من هذه التحديات، يشدد الأطباء على أن الوقاية هي خط الدفاع الأول ضد الفيروس.
وتشمل التدابير الوقائية التطعيم، لقاح الروتا متوفر في لبنان ويُعطى للأطفال الرضع ضمن البرنامج الوطني للتطعيم، ويُعدّ أفضل وسيلة للحماية من الحالات الشديدة، النظافة الشخصية، غسل الأيدي بالماء والصابون بشكل متكرر، خاصة بعد استخدام المرحاض وقبل إعداد الطعام، التعامل مع المياه أي غلي أو تصفية مياه الشرب في المناطق التي يشك في نظافتها.
أما العلاج فيركز بشكل أساسي على منع الجفاف. في معظم الحالات، يمكن السيطرة على الأعراض بتعويض السوائل والأملاح المفقودة عن طريق الفم. أما في الحالات الشديدة، قد يحتاج الطفل إلى دخول المستشفى لتلقي السوائل الوريدية.
من أهم التطورات في مكافحة فيروس الروتا في لبنان هو إدخال لقاح الروتا في البرنامج الوطني للتطعيم التابع لوزارة الصحة العامة في عام 2022. هذا القرار جاء بدعم من الاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونيسف، وتم توفير 100,000 جرعة من اللقاح مجاناً في أكثر من 800 مركز للرعاية الصحية الأولية.
على الرغم من توفر اللقاح، إلا أن هناك تحديات في تحقيق تغطية تطعيم عالية.
تُشير بعض الدراسات إلى أن معدلات التلقيح ضد الروتا في لبنان قد لا تكون مثالية، وتتأثر بعوامل متعددة منها الوضع الاقتصادي وتكمن في انخفاض الدخل وصعوبة الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية قد يمنع بعض العائلات من تطعيم أطفالها.
وقبل ذلك، كان فيروس الروتا مسؤولًا عن نسبة كبيرة من حالات التهاب المعدة والأمعاء(gastroenteritis) عند الأطفال في لبنان.
ففي دراسة أجريت بين عامي 2007 و 2008 تبيّن أن الروتا كانت مسؤولة عن 27.7% من حالات دخول المستشفى بسبب التهاب المعدة والأمعاء عند الأطفال دون سن الخامسة.